بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .وبعد السادة القائمون على هذا الموقع لكم جزيل الشكر ووفقكم الله لما فيه خير في الدنيا والآخرة. أنا شاب أنظر لنفسي على أني من الذين تعذبوا في هذه الحياة, وسأكتب لكم بشيء من التفصيل الذي أرجو أن لا تملوا من حديثي............................
أنا منذ طفولتي وأنا أحس بوجود مشكلة ما في شخصيتي تتمثل في الخوف وعدم الشعور بالأمان حيث أنني كنت لا أفارق أمي خصوصا في الليل, أخاف من كل شيء خصوصا من الموت, وتشتد حالة الخوف والانقباض عند اقتراب ساعات الليل, استمر هذا الشعور حتى سن الثانية عشر ربما أقل أو أكثر..............
بعد هذا السن خفت الحالة إلا أني لا أزال أعاني منها ................ المشكلة الأخرى التي أعاني منها منذ الطفولة هي الخجل الشديد حتى أني لأتفه الأسباب أتعرق ويحمر وجهي وأشعر بالتلعثم وهي مستمرة لغاية الآن لكن بحدة أقل -ربما- هذا الوضع جعلني انطوائيا وأتجنب الاحتكاك بالناس وأشعر بالقلق إذا حضرت اجتماعا أو عند الجلوس في قاعة الدرس خوفا من توجيه سؤال........................(يزداد خجلي أضعافا مضاعفة بوجود النساء) في الفترة من الثانية عشر إلى الثانية والعشرين من عمري مرت بشيء من السلاسة والثبات بدون تدهور إلا من بعض حالات الخجل التي كنت أداريها.
ولم تؤثر على مسيرتي بشكل حاد حيث كان باستطاعتي إلقاء خطبة يوم الجمعة أمام عدد قليل من الحضور حيث أنني أسكن في قرية صغيرة وأنا الطالب الجامعي الوحيد. إلا أن الطامة لم تأت بعد ................
في عام 1993 توظفت وكان لزاما علي أن ألقي محاضرات أمام مجموعة من الناس وخصوصاً البنات (الفاتنات!!!!!) وأنا ابن القرية الخجول.... ...وتخيل ماذا يحصل؟؟؟!!!!! وبدأت فرائصي ترتعد خوفا وخجلا وبدأت بالفشل ومنه إلى فشل أكثر ومن هاوية إلى هاوية سحيقة حتى أن الدنيا ضاقت علي بما رحبت, حتى وصلت حالة مزرية من الفشل لم أستطع معها الرد على هاتف بوجود شخصين وحتى المواقف البسيطة التى كنت لا أحسب لها أي حساب في الماضي أجد نفسي الآن غير قادر على عملها!!!!
أصبحت أتجنب الذهاب إلى الناس خوفا من ملاحظة يديَّ المرتجفتين..........ووصلت إلى حالة من الذل والهوان لا يعلمها إلا الله. بعد خمسة أشهر من هذه المعاناة ذهبت إلى طبيب أخصائي (باطني!!) و شرحت له القصة ولم يعقب على الموضوع وصرف لي دواء هو Indicardin 40 mg (مضاد للقلق ومنظم لضربات القلب) وآخر prazin 0.5mg (للخوف والهلع) والأخير يسبب الإدمان ولم أعلم إلا متأخرا, وكنت آخذ الدواء على مزاجي وكان العلاج فعالا ولكن فترة التأثير قصيرة وبدأت أخاف من الدواء بسبب الإدمان وخوفا على أسناني لأنهم قالوا أن هذا الدواء يسبب تسوس الأسنان. استمريت آخذ العلاج بشكل متقطع حسب المواقف التي سأقدم عليها. لكن العلاج لم يحل المشكلة بالعكس إذا تركته أعود للوضع الأول.
مشكلتي الآن الأخرى هي عدم الإحساس بطعم الحياة وأستيقظ من النوم معكر المزاج وشارد الذهن وأعاني من الأحلام (في اليقظة) لا أضحك من قلبي أشعر بعدم الرغبة بعمل شيء كثير الملل غير نشيط ميال للانعزال والسرحان, أتضايق من النور الساطع أو الأصوات المرتفعة, أشعر أن الحياة لا يوجد فيها شيء ممتع, وأشعر بالانقباض (خصوصا عند اقتراب الليل) أحيانا أتكلم بصوت منخفض وكأنني متحسب أو مترقب لشيء ما.
أعاني من مشكلة القذف السريع أثناء ممارسة الحياة الزوجية, وظهرت مشكلة أخرى هي عدم القدرة على التركيز وكثرة النسيان مما يسبب لي إحراجات كثيرة!!! عندي شعور بأن مشكلتي في الوقت الحالي هي القلق بسبب عدم القدرة على مواجهة الناس والإحساس بالفشل إذا ما تعرضت إلى موقف ما في المستقبل لذلك.......... هذا الشعور يؤرقني! كما أني دائما مستعجل أو هكذا يفرض علي وكأني متوتر فأنا أشعر بأني يجب أن أنهي عملي بسرعة أي عمل حتى الأكل.
((ملاحظة: الزواج ربما زاد من المشكلة حيث أنه لم يلب الحد الأدنى من طموحاتي بل صدمت به ولم أحب زوجتي إلا أني كتوم (كتوم في كل شيء نادرا ما أخبر أحدا بما أعاني) لم أخبر أحدا وأتظاهر أن الأمور تمام وهي ليست كذلك بتاتا ولم أشعر زوجتي لأن ليس لها ذنب)) قيل لي أن حالة الرهاب الذي أعاني منه لا يمكن أن تتحسن بأكثر من 5% .هل هذا صحيح؟؟
تركت العلاج الثاني منذ أكثر من أربع سنوات أما العلاج الأول فلا زلت أستخدمه لكن بشكل متقطع تستمر في أغلب الأحيان أكثر من شهر بين الحبة والأخرى ربما أكثر من ذلك تمتد لأشهر.
تم نصحي باستخدام دواء prozac لكني أجهله هل لمشكلتي حل نهائي؟؟ ما هو العلاج الناجع والذي لا يسبب إدمان؟؟ هل أنا مصاب بمرض خطير؟ وهل أنا إنسان سوي؟ وكيف لي أن أجنب أطفالي نفس المصير؟ خصوصا أني أشعر أن عندهم نفس المواصفات من الخجل والانطوائية.
ملاحظة: أريد منكم الإجابة بالتفصيل
وأجركم على الله وحده والله الموفق
14/9/2019
رد المستشار
الأخ السائل العزيز أهلا وسهلا بك وشكرا جزيلا على ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أنك كنت رائعا في سردك المنظم لفصول معاناتك التي تفضح في الوقت نفسه جوانب عديدة من القصور المؤسف والمخجل في مؤسسات مجتمعاتنا العربية لا سيما المؤسسات الطبية، وسأبين لك كيف، ولكن بعد أن أوضح لك أين تقع معاناتك في منظومة الاضطرابات النفسية وكيف تطورت معك ولماذا لم تستطع النهوض منها حتى الآن.
ويهمني أن تعرف بدايةً أننا لم نشعر بالملل من كلماتك مثلما توقعت بسبب اكتئابك، بل شعرنا بالأسى لمعاناتك وفي نفس الوقت بصلابة مقاومتك ومحاولاتك المتكررة للخلاص من تلك المعاناة، كما شعرنا بالخزي من عواقب استشارتك لزميل قاصر الدراية بما يكتب علاجا له مع الأسف الشديد.
بدأت معاناتك بما نسميه اضطراب القلق الاجتماعي في الطفولة Social Anxiety Disorder of Childhood، حيث تعود مخاوفك من الآخرين (الغرباء) ومن المواقف الجديدة عليك غالبا إلى سن أقل من ست سنوات، وكانت مصحوبة بالتصاقك بوالدتك، وخوفك من كل شيء وهو ما يشير إلى نوع من القلق المتعمم في الطفولة نسميه في الطب النفسي قلق الانفصال في الطفولة Separation Anxiety Disorder of Childhood ، ومن الواضح أن تلك الفترة صاحبها بعض الخلل في أدائك الاجتماعي الذي بدا غير متماشٍ مع مرحلتك العمرية، ورغم ذلك لم يفطن أحد إلى حاجتك لطبيب نفسي ولا نستطيع لوم أحد على ذلك، لأن أحدا لا يدري أن لمثل هذه الاضطرابات السلوكية علاج ممكن ودائما ما كان يترك الأطفال من أصحاب ذلك النوع من المعاناة لملاقاة مصيرهم دون تدخل، وإما أن تشكل البيئة الاجتماعية حولهم بيئة علاجية تدفعهم إلى المواجهة وعدم الهرب وهي الطريقة الطبيعية التي تعالج بها كثير من مخاوفنا كأطفال، وإما أن تشكل البيئة الاجتماعية دافعا إلى الاجتناب والهروب المتكرر من المواجهة وهذا هو الاحتمال الأغلب في مجتمعاتنا مع الأسف لأنها مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات غالبا.
حدث بعد ذلك أن مررت بفترة كمون نسبي لمعاناتك تواكبت مع فترة البلوغ ولعل لهرمونات الذكورة دورا في منحك بعض الشجاعة المرحلية، كما قد يكونُ ذلك الكمون ناتجا عن تجنبك أصلا لما يثير فيك أعراض الخجل والارتباك، وإن ظل وجود الإناث مشكلة دائمة لك، ولعل أعراضك بوجه عام لا تختلف كثيرا عما تمت مناقشته في ردود سابقة على صفحتنا استشارات مجانين ضمن التصنيف: نفسي عصابي رهاب اجتماعي Social Phobia
وكذا اقرأ هذين المقالين:
الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق الاجتماعي
النظريات المعرفية للرهاب الاجتماعيولا يفوتني هنا أن أشير إلى محاولاتك التغلب على المشكلة حيث كنت تلقي خطبة الجمعة في بلدتك، وهو ما يشير إلى قوة عزيمتك لأنني أعرف كم كان صعبا عليك أن تفعل ذلك، إلا أن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن فقد بقي رهاب الإناث داخلك وما لبثت الأعراض أن عاودتك بعد تسلمك العمل، ولكنك للأسف استسلمت هذه المرة للشعور بالفشل، وقد يكونُ لانخفاض روحك المعنوية وربما اكتئابك دورًا في ذلك التدهور، حيث زادت أعراضك التجنبية وتضخم خوفك من أعراض الرهاب حتى وصلت الأعراض إلى ما لم تكن تتخيل من قبل.
بعد خمسة أشهر من ذلك لجأت إلى طبيب باطني، فلم يتكلم في الموضوع وإنما أوجز فأعجز يرحمه الله ووصف لك علاجا يضادُّ أعراض القلق الخارجية وهو عقار البروبرانولول Propranonlol الذي يقلل الرعشة والتهدج وخفقان القلب، ومعه عقارٌ نفسي مضاد للقلق من مجموعة البنزوديازيبين Benzodiazepin ، التي تقلل الأعراض النفسية للخوف والقلق ولكنها تسبب الإدمان، ولما كانت معلومات ذلك الطبيب سطحية عن كل من العقار النفسي وعن اضطراب الرهاب الاجتماعي، فإنه لم يحذرك من احتمال تعرضك للتعود والإدمان، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن عاقبة استخدام مضادات القلق النفسية في مثل حالتك لأن النتيجة المعروفة لاستخدام ذلك النوع من العلاج هي أن يخدع المريض نفسه ويرى أن الطبيب أعطاه عقارا ساحرا ليواجه به الموقف التي يهابها، وهكذا يحدث نوع من التعلم المشروط بحالة معينة State Dependent Learning ، أي أنك تتعلم المواجهة بشرط أن تكونَ قد تناولت ذلك العقار، وهو ما عبرت عنه بقولك : "استمريت اخذ العلاج بشكل متقطع حسب المواقف التي سأقدم عليها. العلاج لم يحل المشكلة بالعكس إذا تركته أعود للوضع الأول."، فإذا أضفنا إلى ذلك أنه عقار يسببُ الإدمان فإننا نرى هنا أن مثل هذا الطبيب الباطني أخطأ في حقك خطئا كبيرًا، ونرثى لحاله وحال أمثاله يوم الحساب أمام الله، ذلك أنه اكتفى بمعلومة جزئية عرفها أثناء تدريبه ولم يحمل نفسه لا مشقة طلب العلم بالحالة التي يصف لها العلاج ولا مشقة إعلامك بحقيقة العقار الذي يصفه لك وأنه قد يسبب الإدمان، ولا أظنه فعلها معك وحدك، سامحه الله.
فمن واجب الطبيب أن يقدر جيدا عبء ما يصفه من عقاقير لمرضاه وعليه أن يقتطع بعضا من وقته لكي يعطي مريضه ولو بعض المعلومات عن العقار وعن آثاره الجانبية المحتملة، فلا ينسى قول سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام "خيركم من تعلم العلم وعلمه" ولا قوله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته" صدق رسول الله.
أعود بعد ذلك إلى معاناتك أنت التي وصلت الآن إلى الاكتئاب، وأصبح الأمر أصعب من أن يحتمل، ورغم ذلك أراك تحبط نفسك وتذكرُ مقولات لا أدري من صرح بها مثل قولك : (قيل لي أن حالة الرهاب الذي أعاني منه لا يمكن أن تتحسن بأكثر من 5% .هل هذا صحيح؟؟)، وهذا كلام غير صحيح بالمرة ولكن بشرط أن تتم معالجتك من الرهاب بالطريقة الصحيحة والتي تشمل كلا من العلاج المعرفي والسلوكي إضافة إلى أحد عقاقير الاكتئاب التي أصبح لابد منها نظرا لوجود أعراض الاكتئاب الجسيم كاملة لديك الآن كفقد التلذذ وعدم التركيز واليأس وتضخيم الشعور بالفشل إضافة إلى عدم القدرة حتى على الشعور بالسعادة مع زوجتك.
كما أراك تحتاج إلى برنامج علاج سلوكي معرفي لتوكيد الذات وتعليمك كيفية التعبير عن مشاعرك تجاه الآخرين وأفعالهم والتخلص من كتم المشاعر الذي تعيشه، وأما شعورك بأنك متعجل في كل شيء حتى الأكل فمرده إلى وتيرة القلق العالية التي تتميز بها شخصيتك إضافة إلى وجود خليط من أعراض القلق والاكتئاب، وكل هذا قابل للعلاج بما في ذلك سرعة القذف التي تعاني منها، وذلك إذا أردت وأكملت البرنامج العلاجي مع متخصص، وأما العقار الذي يفيدك ولا يسبب الإدمان فهو ليس عقارا واحدا وإنما مجموعاتٌ شتى من مضادات الاكتئاب أحدها وليس أفضلها هو ما أشرت إليه في آخر إفادتك.
وأما سؤالك عن هل هو مرض خطير، فردنا عليه هو أنه خطير بقدر ما تستسلم له وتقعد عن طلب العلاج السليم له، أي بقدر ما يقعدك ويعيقك ويمنعك من الحياة كما يجب وكما تسمح لك قدراتك غير المستغلة، فهو إذن ليس خطيرا إذا واجهته المواجهة الصحيحة، وأهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك الطيبة.