فشل دراسي وتوتُّر اجتماعي
السلام عليكم... أجد بعض الصعوبة في شرح مشكلتي لأنني أربطها بأشياء عِدَّة، ولها جوانب عديدة، ولكنني سأحاول ترتيبها، ولا أَعِدُكم بالاختصار.
أتمنى عدم ذكر أيٍّ من معلوماتي الشخصية، بالإضافة إلى ثلاثة مواضع أَشَرْت إليها في الاستشارة أتمنى عدم ذكرها عند نشر الاستشارة... وشكرًا لكم.
البداية كانت من عدة سنوات، كنت شخصية هادئة لا تُجَاوِب في الصف ولا تدري لماذا لا تفعل ذلك، قِيلَ عنها هادئة وخجولة ومؤدبة، لا تحب المواقف الاجتماعية، وتكره الحفلات لأنها بغير فائدة فلا تستمتع بها ولا تجد منها سوى صداع الرأس والتوتر، لا تحب مكالمات الهاتف أبدًا إلَّا مع من تعرفه،م وترفض مُناداة النادل في المطعم (تخشى أن تبدو غبية حينما تناديه ولا يسمعها كون صوتها منخفض أصلًا).
بعدها التزمت دينيًّا (أو هكذا اعتقدت)، وبدأت تأتيها وساوس، وساوس كَرِيهَة لا تستطيع حتى أن تقرأ القرآن، وكان عندها فَهْم خاطئ تمامًا لمسألة الخوف والخشية، فهذه المسألة قد تمَّ التركيز عليها بشكل كبير... والآن هي ترى وجه الخطأ بها وتعرف سبب مشكلتها تلك... فهي تحتاج إلى أن تبدأ بناءها بفهم صحيح قوي يَنْبُع من الفطرة والعقل والأَدِلَّة، وهي تسعى الآن لِبِنَائه تدريجيًّا حتى يكون حصينًا مَتِينًا.
ذكرت ذلك فقط لأخبركم بأن رغم أن هذه المشكلة قد حُلَّت تقريبًا إلَّا أنَّني أردت إعطاءكم صورة لِكَيْفِيِّة عمل العقل وقتها، "أنا منافقة" (طبعًا فهمت الآن معنى النفاق ومعنى الإيمان، ويَسْهُل عليَّ التَّفريق بينهما أكثر الآن، وأن الإيمان لا يحتاج تَكَلُّفًا، بس فقط العيش بشكل طبيعي)، "أنا أُصَلِّي خطأ"، "أنا أتوضَّأ خطأ"، "نُقِضَ وضوئي"، وكانت أفكار وسواسية أشبه بالوسواس القهري إن لم يكن هو بعينه.
وقتها دخلت الجامعة، وكانت الدراسة صعبة، عند كتابة الواجبات التي لم يسبق أن اعتدت عليها في المدرسة (كتابة أوراق وما شابه)، فكنت أَجْهَل كيفية كتابته، وأعاني صعوبة في فهم ما أجده من أمثلة وشروحات في الإنترنت، وكنت أجلس أمام الحاسوب أكاد أضرب رأسي بالطَّاوِلَة من شدة التوتر وأنَّ كل ما أكتبه سيكون مَدْعَاة للضحك... لطالما كانت شخصيتي وأسلوب كتابتي حَالِمَةً وأربط بين أشياءٍ قد لا يبدو بينها رابط قوي، وأطرح أمثلة قد تبدو غريبة، وتطرأ عليَّ تساؤلات ولا أقدر على إكمال الورقة.
على كل حال تَخَطَّيت هذه الحالة بعد حوالي الثلاث سنوات، وصرت أقدر أكثر على كتابة الواجبات عن طريق اعطاء نفسي حرية الخطأ وحرية التعبير وتجاهل التفكير بردود الأفعال على ما كتبت قدر استطاعتي (في بعض الاحيان يزداد هذا الأمر صعوبة).
بعدها فشلت في مادتين لأنَّني قضيت وقتًا طويلًا لا أعرف ماذا أفعل (أشعر أنَّني عَلِقْتُ) أو أنَّ كَمْ الواجبات قد تَرَاكَم عليَّ (بالذات أن عندي عادة التأخير إلى آخر لحظة)، وهذا ما أحاول التعامل معه الآن، ليس بأنَّها عادة سيئة، ولكن كيف يمكنني التعامل معها إذا تأخَّرت، ومتى أستطيع التأخُّر ومتى لا أستطيع، فسَحَبْتُ إحدى المادتين وتغيَّبْتُ عن الأخرى... والآن أخذت ذات المادَّتين وأنا أُبْلِي بلاءً حسنًا في إحداهما مع مُعَلِّم آخر، بينما تغَيَّبْت عن الأخرى ما يفوق الثلاث مرات، وهذا يجعلني أحصل على درجة السقوط فيها، لكن الموضوع ليس هنا.
الآن أريد ربط هذا بما ذكرته سابقًا في هذه الرسالة:
استشرت بعض الناس (ليس أهلي) فأنا لا أريد منهم حتَّى أن يعرفوا أنني لم أَجْتَز تلك المادة لأنني لم أُنجِز بعض المواد الأخرى مِمَّا يَجْعَلُني أتأخَّر دِرَاسِيًّا، ولم أُحِب ردَّة فعلهم (لا نضرب في عائلتنا، ولا نَعِيب، ولكن ربما يتم توجيه بعض اللَّوْم عليَّ سواء كان مباشرًا أو من تعابير وجههم) وأنا لا أريد التعامل مع هذا في كل الأحوال ما أمكنني، على الرغم من أنهم قد ينسونه قريبًا على أي حال، أو يتناسونه، لا أدري ولا أهتم حقًّا، سأُخْبِرُهم بألَّا يُعَلِّق أحدهم على الأمر.
على كل حال كنت أبلِي في المادة الثانية خير بَلاءٍ (خير ما يمكنني بالطبع)، فتفوقت بما عَمِلت بشكل عام بالرغم من أنني تأخَّرت في عِدَّة واجبات... أحد الواجبات تأخرت فيه بسبب التوتر، كرهت العمل عليه إلى أن صار متأخِرًّا لوقت طويل نسبيًّا (أسبوع أو ما قَارَبَه)، ثم عملت عليه رغماً عني بدعم من أهلي أيضًا وأنهيته بنجاح، وأنهيت باقي الواجبات بنجاح أيضًا، ثم جاء أحد الواجبات (وأرجو عدم ذكر هذه الجزئية عن نشر هذه الاستشارة، وعدم نشر اسمي أيضًا) يتطَلَّب مني الذهاب إلى خارج البيت لأي مكان (ولو كان للحارة) والتَّمَشِّي والتقاط صور وجمع أشياء عشوائية أو مثيرة للاهتمام مِمَّا نجده أثناء التَّمْشِيَة، فتَوَتَّرت بشأن هذا "لا أريد أن يراني الناس هكذا" وتضايقت كثيرًا من الأمر، وتأخَّرت عنه كثيرًا لدرجة أنني أنجزته بعد أسبوع بعد تراكم بقية الواجبات لهذه المادة، ومع غيابي الزائد أيضًا... هل لهذا سبب مُحدَّد؟.. يمكنني ربط هذا الأمر بعدة أمور، ففي بداية الجامعة كنت أُكْثِر التفكير بشأن شكلي وكيف أن شكلي "بالتأكيد هو غير مقبول، بالتأكيد هناك شيء خاطئ بشكلي وأنا لا أشعر"، واستمر هذا الأمر معي إلى أن رأيت نفسي وأنا امشي ولم يكن هناك أي شيء خاطئ بي، هنا بدأ يتلاشى قَلَقِي بشأن مظهري، والحمد لله صرت أحسن بكثير.
تقديم المواضيع أمام الفصل صار شيئًا طبيعيًّا بالنسبة لي أيضًا... ومع اكتساب بعض الصداقات التي أملكها حاليًا صرت أكثر انفتاحًا بالحديث، ولكنني كثيرًا ما ألتزم الصمت في الفصول ذات عدد كبير من الطلاب (17 وما فوق، كون 17 هو الفارق الوحيد بين الفصول التي بها 7 طلاب والتي بها 17+ طالب)، رغم أنني أشارك برأيي أحيانًا.
لازلت أكره المواقف والحفلات الاجتماعية، وأكره المحادثات الهاتفية التي أطلب فيها من مطعم أو أوجه سائقًا أو أحجز موعدًا، والأخيرة تتطلب مني أن اُرَتِّب المحادثة كاملة في رأسي وأسأل كل من حولي ثم أتَّصِل بعد ساعات من التوتر بشأن هذا.
لقد اقترح عليَّ العديد من الناس (غير أهلي) بأن أُحَدِّث المعلم المسؤول عن الفصل الذي تَغَيَّبت عنه، مع العلم بأنه شخص صارم في الغياب، ولكنه مُتَفَاهِم مع الطلبة الذين لديهم حق أو عذر حقيقي، واقترحوا بأن أطلب منه التسامح معي دون تقديم عذر ودون طلب أن يعذرني دون غيري، ولكنني أجد صعوبة في هذا خصوصًا أنني لم أَنْتَهِ من الواجب ذاك (لقد تخرَّجت وأتممت الجزء الأول، ولكنني لم أُتْمِم الأجزاء التي فاتتني بعدها)، ولا أدري إن كنت سأقابَل بالرفض وأنني سأحصل على درجة السقوط في كل الأحوال، علمًا بأنه نفس المعلم الذي علَّمني هذه المادة من قبل حين فشلت لأول مرة (شيء حسن أنني تطورت كثيرًا عن تلك المرة).
هل لي عذر حقاً؟
لقد تخيَّلت الكلام بيني وبينه مرارًا، ووجدت أن سبب تغيُّبي هو النوم، وأنا لاحظت على نفسي أنني أُجْبِر نفسي على عدم النوم تقريبًا كل ليلة (ليس كل الليالي ولكن كثيرًا منها)، فأنا لا أشعر بالراحة لعدة أسباب ربما، ولكنني لا أشعر بالراحة، ولا أريد أن أشعر بالراحة... لم أتكلَّم عن كل شيء، ولم أَقُل السبب لعدم رغبتي بأن أشعر بالرَّاحة.
(أرجو عدم ذكر الجُزْئِيَّة القادمة عند نشر الاستشارة) لقد أدركت أن بناء الدين عندي ليس قويًّا إطلاقًا، فأنا لا أقدر على أن أُصلِّي لأنني لن أصلي بحق (لا تفهموني خطأ)، لا أظنه وسواسًا فقد جرَّبت الوسواس من قبل... أنا اكتشفت أنني شخص قد يكون بطيئًا نسبيًّا، لقد اشتركت أونلاين ببرنامج اسمه "صناعة المحاور" وهو منطقي من وجهة نظري، وهذا هو السبيل الذي أريد أن أسلكه حتى أفهم حقًّا ماهِيَّة الصلاة... ليس من المعقول أن يُقَال لي بأن أُصلِّي فقط والله سيقبل، فالله أَمَرني بالصلاة لسبب، فإن صلَّيْت بحركات فقط فكيف تكون هذه صلاة؟!
أنا أدرك أن لدي مشاكل عديدة، وأنا أدرك كيفية حلها... أعلم أنه من واجبي العثور على أصل المشكلة وتصحيح الأصل، وعلى أساسها سيُصلُح الكل، الأمر ذاته في القلب السليم، إذا صَلُح القلب صَلُح العمل، وإذا فَسَد القلب فسد العمل، والدين بالأصول أولًا، وأنا أريد أن أتعلم عن الأصول أولًّا حتى أؤدِّي الصلاة والعبادة على حَقِّها... لست بمجنونة ولا غبية ولا غريبة هنا، وليس الكل يفهمني (وهذا يسبب مشاكل لي أيضًا)... أنا أريد أن أؤمن، وأريد أن أؤدي حقوق الناس، وأريد أن أستغل المهارات التي اكتشفتها في نفسي في تحقيق أحلامي، أريد أن أكتب أفكاري في دفاتر وأحفظها، فإن لم أُحَقِّقُها قد يحققها غيري.
أنا لم أنته بعد... اعتدت أن أنظر إلى نفسي على أنها كسولة، ربما كنت كسولة بالفعل، وربما أعاني من بعض الكسل الآن أيضًا... ارتأيت أنه من واجبي إعلامكم أنني أعاني من "متلازمة تكيُّس المبايض"، رغم أنها تحسنت في فترة من الفترات حين عدَّلت من نظامي الغذائي، إلَّا أنه لا زالت هناك بعض المشاكل، وربما هذا هو سبب ضعف شهيتي أو مظاهر كسلي.
أنا لا آكل وجبات رئيسية حقًّا (ربما وجبة أو اثنتان في اليوم)، ومؤخرًا صرت لا أشتهي الرز... كنت في الفترة المتوسطة والثانوية في بعض الأحيان أعيش يومي على الوحبات الخفيفة بشكل رئيسي... لقد قطعت العصير والمشروبات الغازية الآن (وكم ارتحت لهذا)، ولكنني لا أجد في نفسي رغبة لإعداد وجبات مُغَذِّية، وإذا استيقظت متأخرًّا لحضور محاضراتي فأنا أكتفي ببسكويت وشوكولاتة وماء وما شابه ذلك لقصر الوقت... أشتهي الخس، ولكنني لا أبذل جهدًا في طلبه من أهلي أو غسله بنفسي... أشتهي السكر والشوكولا، ولكنها تسبب شعورًا سيئًا للغاية أحيانًا فلا أُكْثِر منها كالعادة... كنت اعتدت أن أكون أكثر شراهة، ولم أَعُد كذلك، وهذا جيد... أَسْتَحِمُّ مرة أو اثنتان في الأسبوع، ولا أؤدي كل واجباتي البيتية (الغسيل، الترتيب، غيرها) إلَّا بين فترة وأخرى.
أحتاج إلى الوقت، وأحتاج أن أكون أكثر راحة مع احتياجي هذا، لا أقدر أن أتحسن في كل هذا في أسبوع حتى، وإلَّا فسأشعر بالارتباك وعدم الثقة.
أحد الأمور الأخرى هو الخطاب الديني، قد لا يكون "مهمًا" لمُسْتَمِعِه أبدًا أبدًا، ولكن جاءتني فترة أشعر بأنني مهتمة، نفس فترة الوساوس والفترة التي تليها أيضًا.
أمر آخر هو أنني كنت أشعر أنني أتعَطَّل أحيانًا عند سماع القرآن... أريد أن أسمع آية أو اثنتين فقط، وأبحث عن مصادر الكلمات في المعجم حتى يكون عندي فهم أشمل وإدراك أكبر لمعنى هذه الآية على الأقل... عندما يقول الناس "اقرأ القرآن كثيرًا" أو "اقرأ سورة البقرة في ثلاثة أيام" أصبحت أشعر بأنني لا أفهم هذا الأمر... بالتأكيد هناك فائدة، ولكنني لن أستطيع التركيز هكذا، آخذ الأمور بِرَوِيَّة وتحليلها وفهمها يجوز لي أكثر من تلك الطريقة، ولربما كان هذا أحد أسباب شعوري بأنني منافقة، وهذا يُسَبِّب ضغطًا عليَّ بانني لست بالصورة الصحيحة التي يتصورها المجتمع عني وقتها، ولكنني أدرك أن الاستناد على تصوُّر المجتمع خطأ كبير.
لقد أفرغت كثيرًا من محتويات قلبي في هذه الرسالة، وحاولت أن أكون أكثر صراحة وأن أكتب ما يجول في خاطري حتى تروا كيف هو الحال داخل عقلي وما نوع الأفكار الَّتي أَحْمِلُها وتَسَلْسلها وغيرها.
شيء أخير (أتمنى عدم ذكر هذا أيضًا عند نشر الاستشارة): في عائلتي حالة شيزوفرينيا وحالة ثنائي القطب، وهما حالتان لا ترتبطان بي بشكل مباشر (مرتبطتان بجدَّتي في الواقع)، غير هذا فهناك حالات مرتبطة بس بشكل مباشر لأمراض مناعة ذاتية، وأنا لا أعاني من أيِّ منهما، وإنما أعاني من تَكَيُّس المبايض كما ذكرت.
21/2/2021
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
بعد تفحص الاستشارة لا يمكن القول بأن هناك أعراضا طبنفسية فيها تشير إلى إصابتك باضطراب نفساني. رغم وجود تاريخ عائلي للفصام الثناقطبي فذلك لا يعني أن احتمال الإصابة بأي من الاضطرابين أعلى من بقية الناس.
هناك تاريخ شخصي لأعراض وسواسية تتعلق بممارسة الطقوس الدينية منذ فترة طويلة. ذلك بدوره لا يكفي لتشخيص إصابتك بالوسواس القهري. من جهة أخرى محتوى الاستشارة يشير إلى صفات شخصية وسواسية ربما تفسر تعثرك في أداء الواجبات بسبب البطء الوسواسي. هذا هو الآخر لوحده لا يكفي لتشخيص اضطراب نفساني يستحق العلاج بالعقاقير أو الدخول في علاج نفساني كلامي.
شخصيتك هي الأخرى ليست بالغير طبيعية ولا يمكن القول بأنك تعانين من اضطراب الشخصية. هناك ضعف الثقة بالنفس والميل إلى الخجل والتوتر٬ ومعظم هذه الأعراض شائعة وتميل إلى التحسن مع تقدم العمر. ما هو واضح في الرسالة بأن صفات الشخصية هذه بدأت تتحسن مع مرور الوقت.
الثلث الأخير من استشارتك يركز على تأزمك مع العقيدة الدينية٬ وهذا ليس بغير المعروف ولا يعني بالضرورة بأنك تعانين من اضطراب نفساني. الأفضل هو الاعتدال في ممارسة الطقوس إذا كان الإنسان يشعر باحتياجه للراحة الروحية. هذه مسألة شخصية ولا يحق للموقع أو أي أحد توجيه الانتقاد لك عن قوة أو ضعف إيمانك وما شاكل ذلك من أحكام تصدر من منافق لا غير.
لم تشيري في استشارتك إلى تاريخك التعليمي بالتفصيل٬ ولكن لا يصعب الاستنتاج بأنك تواجهين مشاكل تعليمية والسبب يعود إلى عدم توازن وظائفك المخية الأمامية الإدارية مع المادة التي تدرسينها. ليس هناك أفضل من الحديث مع المشرف التعليمي الجامعي حول المشاكل الدراسية وكيفية حصولك على مساعدة لتجاوزها. هذا الأمر كثير الملاحظة في التعليم الجامعي ويتم تجاوزه في غالبية الحالات.
وفقك الله.