السلام عليكم والرحمة
أنا متزوج من 4 سنوات والحمد لله عندي طفلان (الأول سنتان والآخر 6 أشهر) الحمد لله كل شيء يجري على خير ما يرام، لكن المشكلة بالنسبة لي ولزوجتي، فنحن مهتمون جدًّا بمعاملة الأولاد بالطريقة المثلى، لكن هذا الشيء يأتي على الوقت بالكامل والأطفال دائمًا محتاجون لخدمات على مدار الساعة من نظافة وأكل وملاعبة، ويتناوبان علينا بأوقات اليقظة حتى يملأ البرنامج اليومي كاملاً، فلا وقت للحياة الزوجية الهادئة السعيدة القريبة من أيام الزواج الأولى (قبل مجيء الأولاد) ولا فسحة إلا قليلاً للتطوير الذاتي، خصوصًا أنني كنت طيلة حياتي معتاد على إشغال وقتي كاملاً قبل الزواج بالدورات والقراءة في مجالي المهني.
والآن بين حاجات البيت وتربية الأطفال أجد نفسي وزوجتي في دوامة الحياة من غير نصيب للعلاقة الخاصة بيننا أو للتطور المهني أو الثقافي بشكل عام الذي أحتاجه بعملي لكي أتطور وأستمر بتقدمي فيه. فمثلاً أخشى ما أخشاه الآن أن أرزق بولد آخر مع حبي الشديد لهم وحمدي الدائم لله على هذه النعمة الغالية.
فهل هناك اقتراحات تساعد على التنسيق بين حصة الأولاد من الحياة وبين الحياة الشخصية والمهنية؟
ولكم جزيل الشكر
8/4/2022
رد المستشار
الأخ الكريم: لا أستطيع أن أصف لك مقدار سعادتي بك وبزوجتك، فكلاكما موجود وحاضر في حياة أولادكما.. وتحاولان بكافة السبل والوسائل أن تكون تربيتكما لأولادكما على الصورة المثالية وذلك عملاً وتطبيقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، ولا أخفيك سرًّا أن أحد أهم محاور اهتماماتي الحالية أنا والزملاء هو ملف "الأب الغائب" ... وأهم ما يعنيني في هذا الملف هو دراسة الأسباب التي أدت إلى غياب الأب من حياة أولاده، وكيف يمكن أن نقدم له العون وأدوات القيام بهذا الدور، وكيف يمكن أن تساهم الزوجة في دفع الزوج بحلم وأناة للتواجد في حياة أولاده، وكيف يمكن أن نعيد ترتيب أولوياتنا ونكف عن ثقافة الاستهلاك التي تجعلنا ندور في طاحونة جمع المال، وكيف يمكن أن يستدعي الدين بخطاب جديد وغير تقليدي لمساعدة الآباء على تفعيل دورهم نحو الأبناء؟.
والحقيقة أننا نعتبر هذا الملف من الملفات الهامة جدًّا؛ وذلك لأن تربية الأطفال تحتاج للتوازن والتكامل والتناغم بين دوري الأم والأب والجهات الأخرى المشاركة في العملية التربوية، ولأجل هذا أنشأ الله الأسرة بهذه الكيفية.. ولو كانت عملية تربية الأبناء وإكسابهم الجوانب النفسية والعاطفية والاجتماعية تحتاج للأم فقط.. لو كان هذا لخلق الله الأسرة من أم وأبناء فقط، ولكنه سبحانه الذي "خلق كل شيء فقدره تقديرًا" يعلم جيدًا بأهمية تواجد الأب في حياة الأبناء، ونحن دومًا نؤكد أنه في حال غياب الأب بسبب قهري فإن الحل في إيجاد رمز الأب في حياة الأبناء من خلال خال أو عم أو جد أو أخ أكبر، وبعض دور الأيتام التي تهتم بالصحة النفسية للأبناء المتواجدين فيها تسعى لإيجاد هذا الرمز في حياة الأبناء إما من خلال المتطوعين أو من خلال أب بديل.
تفاعلكما سويًّا أنت وزوجتك أثلج صدري وجعل لساني يلهج بالدعاء لكما أن يبارك الله في أسرتكما وأولادكما، وأن يجمع بينكما على الخير، أما عن تساؤلك حول كيفية الموازنة بين متطلبات الأولاد والعمل والتطور المهني، وكذلك علاقتكما وحياتكما الخاصة.. فمن واقع خبرتي في التعامل مع هذا الأمر أجد أن حل هذه المشكلة يكمن في:
أولاً: التوازن والوسطية.. فلا ينبغي أن يطغى جانب على آخر بحيث يلغيه تمامًا.. مع الوضع في الاعتبار أن الظروف تحتم أحيانًا أن نكرس معظم الجهد لأحد الجوانب.. فعندما يمر الإنسان بامتحان ما فإن معظم طاقته وجهده ينصرف للتحصيل الدراسي.. وعندما يكون الأطفال صغار جدًّا وفي سن يعتمدون فيه كلية على الوالدين (مثل الوضع في حالتكما) فإنه من المقبول أن يستحوذ الأبناء على جل الوقت والطاقة.
ثانيًا: التخطيط الدائم لتحقيق إنجاز ما -حتى لو كان بسيطًا- في كافة مجالات الحياة، فليكن لك أنت وزوجتك أوقاتكما الخاصة مهما كانت قليلة ومتفرقة، وليكن لكما خطة للقراءة وتطوير الذات.. حتى ولو كان قراءة كتاب واحد أو حضور دورة واحدة.. وليست العبرة بما زاد وأثقل ولم يتم الاستفادة منه وتفعيله، ولكن العبرة بما وعيناه وفعلناه في حياتنا.
ثالثًا: الاستمرار والمواظبة قدر المستطاع ومحاولة تذليل كل العقبات لتحقيق المستهدف الممكن المحدد سلفًا وعدم الاستهانة به مهما كان بسيطًا.. فقطرات الماء تكون النهر الجاري والبحر والمحيط، ولأدلل على صدق ما أقول سأحكي تجربتي الخاصة عندما سجلت لدرجة الدكتوراة.. وقتها كان ابني الكبير في بداية الدراسة الابتدائية ويحتاج للكثير من المتابعة، وطفلتاي إحداهما ثلاث سنوات والأخرى رضيعة، كنت أعود من العمل اليومي في الجامعة مستهلكة، وأمامي واجبات المنزل ورعاية الأولاد ومتابعتهم، وأمامي كم هائل من المراجع والأوراق التي يجب عليّ أن أقرأها لأنتهي من الجزء النظري للرسالة.. شعرت بتوتر شديد وحيرة ما بعدها حيرة؛ إذ كيف يمكنني أن أنتهي من كل هذا في ظل هذه الظروف التي أعيشها.. تناقشنا أن وزوجي أكرمه الله.. فنصحني بنصيحة طبقتها وما زلت أطبقها.. وكانت نصيحته عبارة عن كلمتين فقط: "قليل دائم" .. طبقت هذه النصيحة وكنت أمسك بأوراقي مهما كنت متعبة لأقرأ عدة سطور لا تتجاوز النصف صفحة في كثير من الأحيان.
ولكنني فوجئت بعد سنة أنني انتهيت من الجزء النظري من الرسالة، والحمد لله تمكنت من مناقشتها قبل انتهاء السنة الثانية؛ وذلك لأن الإنجاز يدفع للمزيد من الإنجاز.. وكنت كلما شعرت أنني قد أنجزت شيئًا ما أجد بداخلي طاقة أكبر لبذل المزيد والمزيد من الجهد لتحقيق المزيد من الإنجازات.. وأنا أضع نصب عيني أقوال مثل: "من أراد العلا سهر الليالي" .. فلا تيأس أبدًا وحدد ما تريد أن تحققه في حياتك وجدوله حسب الأولويات وحسب الوقت المتاح لكما.
رابعًا: التفويض: وذلك بأن يتم ترتيب الأعمال حسب أولوياتها.. مع تحديد الأعمال التي لا ينبغي أن يقوم بها أحد غيركما.. فغسيل الملابس وشراء احتياجات المنزل من المهام التي يمكن أن يقوم بها غيركما، ولكن اللعب مع الأولاد أو الحوار معهم وغرس المفاهيم التربوية من المهام التي ينبغي أن يقوم بها الوالدان.
خامسًا: الاستعانة بالشبكة الاجتماعية الداعمة وهذه الشبكة تشمل جماعة الأهل والجيران والأصدقاء .. وهؤلاء يمكنهم أن يساعدوكم باستضافة الأولاد لفترات قصيرة ويمكن أن يتم هذا بالتبادل، حيث تستضيفون أنتم أولاد أحد الجيران أو الأصدقاء أو الأهل ممن هم قريبون في السن لأولادكم لمدة ساعة أو ساعتين يومًا ويستضيفون هم أولادكم يومًا آخر.. وهذه العملية التبادلية تتيح لكما وللأسرة أو الأسر الأخرى مساحة من الوقت؛ ليخلو كل بنفسه ويلتقط أنفاسه ويمارس نشاطًا لا يمكنه ممارسته في أثناء تواجد الأولاد.. كما تتيح للأبناء الأحباء نضجًا أكثر من خلال التفاعل مع الأطفال الآخرين وأهلهم.
سادسًا: تربية الأبناء بالاعتماد على النفس.. فالكبير منهم لا بد أن يعتمد على نفسه في أكل طعامه.. وعليه أن يتعلم ارتداء ملابسه.. وكل دور يمكنهم أن يقوموا به يوكل إليهم ويتم تشجيعهم عليه.. فيمكن للابن الكبير الآن أن يساعد في جمع لعبه وأن يناولكما ملابس وحاجات أخيه الأصغر، ومع الوقت وكلما كبر الصغار زادت حجم ونوعية المهام التي يمكن أن توكلوها إليهما، وبالتالي يقل الجهد المبذول بواسطتكما.
أخي الكريم: أدعو المولى عز وجل أن يبارك في أسرتك، وأن يصلح أحوالهم جميعًا. ونحن معك فتابعنا بالتطورات.
واقرأ أيضا:
نصائح حول تربية الأطفال
أعينونا على التربية
الأب الحاضر الغائب المُغيَّب