أفكار متعددة لا أعلم ماهيتها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو طرح مشكلتي على طبيب نفساني ....
أنا بطبيعة الحال منذ أن كنت في الصف الثاني الإعدادي ولضعف مستوايا الدراسي إلى حد ما كنت أتشكك في نتيجتي وأقول هذه ليست درجاتي أو تم تبديل الدرجات مع أحد زملائي، ويمكن أن يكون سبب ذلك هو ضعف الشخصية أو قلة الثقة في النفس، حتى بعد دخولي الجامعة كنت أراجع الإجابات في الاختبار بشكل جيد وبعد خروجي من مكان الاختبار أقول لنفسي لقد بدلت الإجابات بين الأسئلة، وعند ظهور النتيجة أيضا أقول مثلما تعودت هذه ليست تقديراتي وتم تبديلها مع أحد زملائي وهكذا.
مرت الأيام وتزوجت ... وبعدها بفترة قصيرة كانت تطرأ أمور على خاطري وأجدها تحدث ... فمثلا سأقابل فلان اليوم وبالفعل أقابله، سأجد كذا وأجده ... وهكذا إلى أن أنجبت طفلي الأول، بينما كنت أبحث عن شيء متعلق بموضوع غازات الرضع على الإنترنت، وجدت موضوعا يتحدث عن متلازمة موت الرضع دون السنة، فدار في ذهني دائما أن طفلي سيموت بهذه المتلازمة، وهو ما لم يحدث بحمد الله، بعدها بفترة رأيت فيديو يتحدث فيه رجل عن إصابته بمرض السرطان- حفظكم الله وإيانا - ولأنني لدي خبرة سابقة بأن ما يدور في ذهني يحدث، قلت لنفسي: إنني سأصاب بهذا المرض، وظلت الفكرة تتردد داخلي وتلازمني، وضاقت الحياة عليَّ، وكنت أبكي يوميا بسبب هذا الأمر، وشعرت أنني سأموت ولن أربي أبنائي،وازداد هذا الأمر مع أجواء الحظر التي صاحبت ظهور فيروس كورونا المستجد، وقمت بزيادة الاستغفار وصلاة السنن الرواتب وقراءة القرآن وما إلى ذلك، ثم خلال تصفحي لموقع فيسبوك في شهر رمضان ظهرت أمامي صفحة لمتبرجات، فدفعني الفضول وقتها ودخلت إليها، ورأيت صورا لفتيات منهن وفتنت بهن، ثم لمت نفسي كثيرا على دخولي إلى تلك الصفحة المشبوهة، ورجعت إلى الله.
ولكن الطامة الكبرى، عندما رأيت تعليق لأحد النصارى - عليه من الله ما يستحق - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه تزوج طفلة عمرها تسع سنوات (قالها بأسلوب قبيح) ودخل في موجة من السب والقذف مع المسلمين في التعليقات، ولكنني قلت: لا تسبوه حتى لا يسب الرسول وديننا ... لكن بعدها الموضوع دار في ذهني وتساءلت ... وداخلتني الشكوك في هذا الأمر، وبعد يومين من البحث على الإنترنت، عن حكم الشك في الدين والرسول، ومحاولة معرفة الفرق بين الوساوس والشكوك، لم أستطع الوقوف على حالتي ... إلى أن تحدثت مع أحد المشايخ الذي رد على تلك الشبهة بإجابات مقنعة إلا أنني لم أشفَ من هذه الشكوك.
وأصبحت أسب الله - عز وجل - في نفسي وكذلك أسب الرسول والصحابة وأمهات المؤمنين، وأتشكك عند قراءة القرآن فيما ورد فيه، وأقول هو موضوع من عند الرسول، ودخلت للمرة الثانية للبحث على الإنترنت فوجدت أن التردد بين شيئين وعدم الجزم بصحة الإسلام وما جاء به الرسول يعد كفرا، وأن صاحب هذه الصفة سيخلد في نار جهنم، فضاقت عليَّ الدنيا، وكنت أبكي باستمرار من هذه الأفكار ومن المصير المحتوم الذي ينتظرني، ذهبت بعدها إلى طبيب نفساني، وأعطاني باروكستين وتم مضاعفة الجرعة إلى ثلاث حبات بمعدل ٩٠ ملجم يوميا، بالإضافة إلى دواء يسمى هالوبريدول ... لكنني أصابني ما يعرف برهاب الجلوس وسرت أمشي في المنزل بكثرة ولا أريد التوقف، فقام باستبدال هذا الدواء بـ أولانزابين ... وكنت في كل مرة أذهب إلى الطبيب أحكي له عن الأفكار فيقول هي وسواس فارتاح وينشرح صدري لساعات، وبعدها أتشكك في هذا مرة أخرى وأدخل في أفكار أخرى وهكذا.
بعد ذلك انتقلت إلى مكان آخر بسبب طبيعة العمل وذهبت إلى طبيب آخر له اسم يشترك فيه المسلمون والنصارى، فلم أكن أعرف أنه نصراني ... فقال لي: فكر جيدا واتبع النور الذي داخلك ولماذا ولد ابن السيدة مريم بهذه الطريقة؟ والقرآن لم ينزل من عند الله ... وأشياء كثيرة، فقلت له : أنا أريد أن أذهب إلى طبيب مسلم، وتركته ومضيت بعد أن أربكني بشدة وجعلني أشعر بالضيق من هذا الكلام؛ لأنني لم أكن في حالة تسمح بإدخال الشُّبه إلى قلبي وعقلي، كنت عندما أمر بجوار كنيسة مثلا أو أرى نصرانيا أدير وجهي؛ لشعوري بالخوف أن أتأثر بهم، وكلما رأيت نصرانيا على خلق وعلم أقول في نفسي إذا كان الإسلام دين الحق، فلماذا لم يدخل هؤلاء الإسلام؟؟
بعد ذلك قرأت عن كاتبة أمريكية اسمها (هيلين كيلر) كانت صاحبة إعاقة مزدوجة (سمعية بصرية) فأقول كيف سيحاسبها الله على عدم إسلامها وهي لا تسمع ولا ترى؟ وعلى الأرجح لم يصل إليها الإسلام ... وعندما أرى رجلا يداوم على صلاة الفجر ورزقه قليل أقول في نفسي: لن تنفعك صلاة الفجر وأنا غير راضٍ عن هذا القول في حقه ... وأسب الناس في نفسي وأقول هذا فقير، وهذا بائس، وهذا لا يعمل، وهذا... وأيضا لا أحب هذه الأمور ولا هذه الأوصاف ولا أريد أن تحدثني نفسي بها ... في البداية كنت أخاف من كل تلك الأفكار، أنا في هذه الحالة منذ ثلاث سنوات، لكن الآن لم أعد خائفا من تلك الأفكار مثل البداية، وأصبح بداخلي - والعياذ بالله - شك في كل ما يتعلق بالدين، وفي قدرة الله - عز وجل - في كل شيء.
وقرأت فتاوى كثيرة هنا على الموقع تقول: إن الشك هو التردد بين شيئين وعدم الجزم بصحة الإسلام وبعثة الرسول وكل ما يتعلق بالدين هو كفر صريح، وأنا لا أريد أن أكون كافرا، ولكني في نفسي أشك في الدين ... لكني لم أعد منزعجا من تلك الأفكار مثل البداية كما قلت لكم، وبالنسبة للعبادات أصوم وأصلي السنن الرواتب وقيام الليل وأذكر الله كثيرا - ولله الحمد - وكنت قد قرأت حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست أو ما حدثت به نفسها..." وأنا أحاول ألا أتكلم إلا مع المختصين، وأحاول أن أعمل بعمل الإسلام في كل شيء ... فهل أنا كافر لعدم جزمي بصحة الدين الإسلامي؟ وتشككي في أن النصارى قد يكونون على حق؟
فقد كنت قبل تناول الأدوية أخاف خوفا كبيرا من تلك الأفكار، لكن بعدها لم أعد منزعجا مثل البداية، وقد سمعت أحد الدعاة يقول طالما الإنسان مقتنع بدينه لا تضره تلك الأفكار، فأنا أشعر بأنني غير مقتنع تمام الاقتناع وأشعر بأنني أشك في هذا وغير متأكد منه، ولا أحزن مثلا عند تعرض إنسان لاعتداء جنسي ويمكن أن أشعر برغبة جنسية، لدرجة أنني أصبحت لا أريد أن أسمع مثل تلك الحوادث حتى لا أشعر بهذا الشعور... علما بأني مواظب على الأدوية وتناولت الفافرين فترة كبيرة والبروزاك واللويسترال كذلك لفترات كبيرة وذهب لأكثر من أربعة أطباء نفسيين بعلاجات مختلفة... علما بأنني من فترة قصيرة حدثني صديق عن موضوع في الدين كنت أتشكك فيه فارتحت قليلا لكن ليس لدرجة الجزم بصحته.
وها أنا أعتذر عن الإطالة...
لكن كلماتي المبعثرة هذه هي ما يدور داخلي، وأنتظر جوابكم.. بارك الله فيكم
8/5/2022
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع وتمنياتي لك بالشفاء.
أولا ما تعاني منه هو أفكار حصارية (وسواسية) مزمنة ولابد من توضيح إنتاج مثل هذه الأفكار وتسلطها على البعض. الإنسان بحكم غريزته يلاحقه الخوف من الحوادث، الفشل، الأمراض. والتمسك بعقيدته الدينية. هذه العتبة للشعور بالخوف تختلف من إنسان إلى آخر استناداً إلى تركيبته البيولوجية والجينات التي يحملها، والبيئة التي نشأ فيها. هذه العوامل جميعها تتحكم في رد فعله للأفكار الاقتحامية التي تداهم كل إنسان يومياً.
الأفكار الاقتحامية حقيقة وفريضة على كل إنسان يومياً. الغالبية العظمى من البشر تتخلص من هذه الأفكار بسرعة وخلال دقائق إما بوضعها جانباً أو إدراك عدم قيمتها. ولكن هناك من الناس من يتميزون بعتبة منخفضة للتعامل مع الخوف لا يستطيعون التخلص منها بسهولة. بعبارة أخرى كل فكرة اقتحامية يتم تقييمها من قبل الإنسان نفسه، وهذا التقييم إما أن يكون تقييما متكيفا أو غير متكيف، ومصدر التقييم غير المتكيف هو النظام العقائدي الأساسي في داخل الإنسان نفسه. وجود نظام عقائدي غير وظيفي أو معتل وظيفياً يؤدي إلى رد فعل عاطفي يتميز بارتفاع القلق والخوف، ورد الفعل العاطفي بحد ذاته يؤدي إلى تحول الفكرة الاقتحامية إلى فكرة حصارية مزمنة هي ما نسميها بالوسواس. هذا بالضبط ما كان يحدث معك أيام الاختبارات، الخوف على الطفل الرضيع، وبالتالي إنتاج الأفكار الحصارية الدينية.
يصاحب هذه الأفكار اعتلال دائرة التواصل العصبي في الدماغ ما بين القشرة المخية والمهاد والجسم المخطط. هذه الدائرة العصبية ق.م.م.ق (القشرية المخططية المهادية القشرية) هي التي يتم استهدافها بالعقاقير التي تستعملها والنتيجة هي عدم الشعور بالانزعاج منها. في نفس الوقت الأفكار لا تختفي وتتبقى كما هي.
لا أعلق على وصفة طبية لطبيب آخر وما يجب أن تفعله هو التواصل مع الطبيب المشرف على علاجك بصورة منتظمة فهو أعلم مني ومن الموقع بحالتك العقلية. من جهة أخرى ما يجب أن تفعله هو كما يلي:
١- توقف عن البحث في هذه الأمور عن طريق الإنترنت.
٢- توقف عن استشارة رجل دين حول القضايا العقائدية.
٣- تدخل في علاج معرفي سلوكي يستهدف تخلصك من هذه الأفكار.
٤- لا توقف العلاج.
رحلتك مع الاضطراب الذي تعاني منه طويلة وحاول التركيز الحفاظ على جدول فعاليات يومي منتظم والتواصل السليم مع عائلتك ولا تدخل في أي نقاش عن أفكارك مع الآخرين.
وفقك الله.
ويتبع>>>>: وسواس قهري مزمن : وسواس العقيدة ! م. مستشار