وسواس قهري مزمن : وسواس العقيدة !
أفكار متعددة لا أعلم ماهيتها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو طرح مشكلتي على طبيب نفساني ....
أنا بطبيعة الحال منذ أن كنت في الصف الثاني الإعدادي ولضعف مستوايا الدراسي إلى حد ما كنت أتشكك في نتيجتي وأقول هذه ليست درجاتي أو تم تبديل الدرجات مع أحد زملائي، ويمكن أن يكون سبب ذلك هو ضعف الشخصية أو قلة الثقة في النفس، حتى بعد دخولي الجامعة كنت أراجع الإجابات في الاختبار بشكل جيد وبعد خروجي من مكان الاختبار أقول لنفسي لقد بدلت الإجابات بين الأسئلة، وعند ظهور النتيجة أيضا أقول مثلما تعودت هذه ليست تقديراتي وتم تبديلها مع أحد زملائي وهكذا.
مرت الأيام وتزوجت ... وبعدها بفترة قصيرة كانت تطرأ أمور على خاطري وأجدها تحدث ... فمثلا سأقابل فلان اليوم وبالفعل أقابله، سأجد كذا وأجده ... وهكذا إلى أن أنجبت طفلي الأول، بينما كنت أبحث عن شيء متعلق بموضوع غازات الرضع على الإنترنت، وجدت موضوعا يتحدث عن متلازمة موت الرضع دون السنة، فدار في ذهني دائما أن طفلي سيموت بهذه المتلازمة، وهو ما لم يحدث بحمد الله، بعدها بفترة رأيت فيديو يتحدث فيه رجل عن إصابته بمرض السرطان- حفظكم الله وإيانا - ولأنني لدي خبرة سابقة بأن ما يدور في ذهني يحدث، قلت لنفسي: إنني سأصاب بهذا المرض، وظلت الفكرة تتردد داخلي وتلازمني، وضاقت الحياة عليَّ، وكنت أبكي يوميا بسبب هذا الأمر، وشعرت أنني سأموت ولن أربي أبنائي،وازداد هذا الأمر مع أجواء الحظر التي صاحبت ظهور فيروس كورونا المستجد، وقمت بزيادة الاستغفار وصلاة السنن الرواتب وقراءة القرآن وما إلى ذلك، ثم خلال تصفحي لموقع فيسبوك في شهر رمضان ظهرت أمامي صفحة لمتبرجات، فدفعني الفضول وقتها ودخلت إليها، ورأيت صورا لفتيات منهن وفتنت بهن، ثم لمت نفسي كثيرا على دخولي إلى تلك الصفحة المشبوهة، ورجعت إلى الله.
ولكن الطامة الكبرى، عندما رأيت تعليق لأحد النصارى - عليه من الله ما يستحق - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه تزوج طفلة عمرها تسع سنوات (قالها بأسلوب قبيح) ودخل في موجة من السب والقذف مع المسلمين في التعليقات، ولكنني قلت: لا تسبوه حتى لا يسب الرسول وديننا ... لكن بعدها الموضوع دار في ذهني وتساءلت ... وداخلتني الشكوك في هذا الأمر، وبعد يومين من البحث على الإنترنت، عن حكم الشك في الدين والرسول، ومحاولة معرفة الفرق بين الوساوس والشكوك، لم أستطع الوقوف على حالتي ... إلى أن تحدثت مع أحد المشايخ الذي رد على تلك الشبهة بإجابات مقنعة إلا أنني لم أشفَ من هذه الشكوك.
وأصبحت أسب الله - عز وجل - في نفسي وكذلك أسب الرسول والصحابة وأمهات المؤمنين، وأتشكك عند قراءة القرآن فيما ورد فيه، وأقول هو موضوع من عند الرسول، ودخلت للمرة الثانية للبحث على الإنترنت فوجدت أن التردد بين شيئين وعدم الجزم بصحة الإسلام وما جاء به الرسول يعد كفرا، وأن صاحب هذه الصفة سيخلد في نار جهنم، فضاقت عليَّ الدنيا، وكنت أبكي باستمرار من هذه الأفكار ومن المصير المحتوم الذي ينتظرني، ذهبت بعدها إلى طبيب نفساني، وأعطاني باروكستين وتم مضاعفة الجرعة إلى ثلاث حبات بمعدل ٩٠ ملجم يوميا، بالإضافة إلى دواء يسمى هالوبريدول ... لكنني أصابني ما يعرف برهاب الجلوس وسرت أمشي في المنزل بكثرة ولا أريد التوقف، فقام باستبدال هذا الدواء بـ أولانزابين ... وكنت في كل مرة أذهب إلى الطبيب أحكي له عن الأفكار فيقول هي وسواس فارتاح وينشرح صدري لساعات، وبعدها أتشكك في هذا مرة أخرى وأدخل في أفكار أخرى وهكذا.
بعد ذلك انتقلت إلى مكان آخر بسبب طبيعة العمل وذهبت إلى طبيب آخر له اسم يشترك فيه المسلمون والنصارى، فلم أكن أعرف أنه نصراني ... فقال لي: فكر جيدا واتبع النور الذي داخلك ولماذا ولد ابن السيدة مريم بهذه الطريقة؟ والقرآن لم ينزل من عند الله ... وأشياء كثيرة، فقلت له : أنا أريد أن أذهب إلى طبيب مسلم، وتركته ومضيت بعد أن أربكني بشدة وجعلني أشعر بالضيق من هذا الكلام؛ لأنني لم أكن في حالة تسمح بإدخال الشُّبه إلى قلبي وعقلي، كنت عندما أمر بجوار كنيسة مثلا أو أرى نصرانيا أدير وجهي؛ لشعوري بالخوف أن أتأثر بهم، وكلما رأيت نصرانيا على خلق وعلم أقول في نفسي إذا كان الإسلام دين الحق، فلماذا لم يدخل هؤلاء الإسلام؟؟
بعد ذلك قرأت عن كاتبة أمريكية اسمها (هيلين كيلر) كانت صاحبة إعاقة مزدوجة (سمعية بصرية) فأقول كيف سيحاسبها الله على عدم إسلامها وهي لا تسمع ولا ترى؟ وعلى الأرجح لم يصل إليها الإسلام ... وعندما أرى رجلا يداوم على صلاة الفجر ورزقه قليل أقول في نفسي: لن تنفعك صلاة الفجر وأنا غير راضٍ عن هذا القول في حقه ... وأسب الناس في نفسي وأقول هذا فقير، وهذا بائس، وهذا لا يعمل، وهذا... وأيضا لا أحب هذه الأمور ولا هذه الأوصاف ولا أريد أن تحدثني نفسي بها ... في البداية كنت أخاف من كل تلك الأفكار، أنا في هذه الحالة منذ ثلاث سنوات، لكن الآن لم أعد خائفا من تلك الأفكار مثل البداية، وأصبح بداخلي - والعياذ بالله - شك في كل ما يتعلق بالدين، وفي قدرة الله - عز وجل - في كل شيء.
وقرأت فتاوى كثيرة هنا على الموقع تقول: إن الشك هو التردد بين شيئين وعدم الجزم بصحة الإسلام وبعثة الرسول وكل ما يتعلق بالدين هو كفر صريح، وأنا لا أريد أن أكون كافرا، ولكني في نفسي أشك في الدين ... لكني لم أعد منزعجا من تلك الأفكار مثل البداية كما قلت لكم، وبالنسبة للعبادات أصوم وأصلي السنن الرواتب وقيام الليل وأذكر الله كثيرا - ولله الحمد - وكنت قد قرأت حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست أو ما حدثت به نفسها..." وأنا أحاول ألا أتكلم إلا مع المختصين، وأحاول أن أعمل بعمل الإسلام في كل شيء ... فهل أنا كافر لعدم جزمي بصحة الدين الإسلامي؟ وتشككي في أن النصارى قد يكونون على حق؟
فقد كنت قبل تناول الأدوية أخاف خوفا كبيرا من تلك الأفكار، لكن بعدها لم أعد منزعجا مثل البداية، وقد سمعت أحد الدعاة يقول طالما الإنسان مقتنع بدينه لا تضره تلك الأفكار، فأنا أشعر بأنني غير مقتنع تمام الاقتناع وأشعر بأنني أشك في هذا وغير متأكد منه، ولا أحزن مثلا عند تعرض إنسان لاعتداء جنسي ويمكن أن أشعر برغبة جنسية، لدرجة أنني أصبحت لا أريد أن أسمع مثل تلك الحوادث حتى لا أشعر بهذا الشعور... علما بأني مواظب على الأدوية وتناولت الفافرين فترة كبيرة والبروزاك واللويسترال كذلك لفترات كبيرة وذهب لأكثر من أربعة أطباء نفسيين بعلاجات مختلفة... علما بأنني من فترة قصيرة حدثني صديق عن موضوع في الدين كنت أتشكك فيه فارتحت قليلا لكن ليس لدرجة الجزم بصحته.
وها أنا أعتذر عن الإطالة...
لكن كلماتي المبعثرة هذه هي ما يدور داخلي، وأنتظر جوابكم.. بارك الله فيكم
8/5/2022
رد المستشار
مبدئيا: ليست مشكلتك مع الدين، ومع هذه الشكوك التي تأخذ مسارا واسعا داخلك، بل مشكلتك مع نفسك ذاتها، وأنت في أعماقك تنتبه لهذا، لذلك جئت بالأمر من بدايات البدايات، من الصفوف الإعدادية، واسترسلت في شرح تطور الأمر في أعماقك.
ثانيا: في مراحل التطور صار معك تكاثر للأفكار، ووصول لمراحل التشتت الذهني، فتطل الفكرة برأسها أمام عقلك، ثم تنقضها أختها، وأنت تسير مع الأفكار، وبالأخص الأفكار التي تُثير الشكوك أكثر، وهذا ليس لسوء في حضرتك؛ كلا، ولكن للشك طبيعة كهذه، تجعلك قريبا من اعتناق الضد.
فأقول بعد بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد العالمين والمرسلين ... أما بعد.
فإن إجابتي ... ستتلخص في الجزء "النفس فكري" بفتح من الله ومدده وتوفيقه، وأما جزء الدواء فهذا يكون مع أستاذنا أ.د وائل هندي يجيبكم إجابة شافية بفتح من الله وتوفيقه.
- نعود للبدايات.. حين كنتَ تتشكك في درجاتك ... نعم ربما لم تُدعم الثقة النفسانية بداخلك من الصغر، أو ربما دُعمْتَ لكنك لم تكن واثقا منكَ، وكنتَ متشككا في قدراتك دوما، على كل تشكّلت شخصيتك وصار جزءا منها "التشكك" ... و"التقاف الخواطر وجَعْلِها حقيقة" وبالتالي تتجه كل تصرفاتك نحو هذه الحقيقة المصنوعة في ذهنك والغير حقيقية في الواقع.
- لذلك دَعْكَ من كل الأفكار الدينية العقدية التي تأتي على ذهنك، لأنها ليست هي مشكلتك الحقيقية، والتحدث فيها ما هو إلا مزيد من التشتيت الذهني، وبعد عن رأس المشكلة الحقيقية ... فلو كنتَ تعتنق دينا آخر. أو مذهبا ما؟ أو حتى متحررا حتى من الأديان... لكانت نفسك تشككت أيضا في الأفكار التي كنتَ تعتنقها حينئذ، لأن الأمر أصبح عندك نظام أو "سيستم"؛ لذلك ما نحتاج إليه هو تغيير "السيستم" ... وليس معالجة الخواطر والأفكار التي تأتي "للسيستم" لأنه سيقود كل الورادت والخواطر والافكار نحو "التشكك" من جديد ... لذلك علينا أن نستبدل "سيستم التشكك .. بـسيستم الصلابة والمتانة النفسانية"، لأنه حين يتم هذا التغيير ستعرف كيف تتعامل مع أي فكرة، وكيف تمسك الأفكار من عنقها، لا كما يحدث الآن معك، حيث تسير مع الأفكار أينما قادتك.
-سيستم الصلابة والمتانة:- يحتاج منك...
-أولا:- أن تُدْرك أنه العلاج، أي تُدرك لماذا هو العلاج، وليس علاج آخر.
-ثانيا:- وأن تعرف كيفية العلاج.
-ثالثا:- أن تطبق العلاج.
-أولا: لماذا هو العلاج؟! ... لأننا حين نستبدل هذا السيستم الجديد بسيستم الشك ونجعله في مقدمة ذهنك، سيكون سلاحا قويا يتعامل مع كل أسهم الأفكار والخواطر والشكوك، ويعرف كيف يدفعها دون أن يتأثر بها، بل سيعرف كيف يطوي هذه الأفكار التشككية بكل سهولة.
-ثانيا: كيفية العلاج.
١- العلاج السلوكي المعرفي: وهذا فن علاجي ذكي تتعلم فيه كيف تتعامل مع أفكارك المزعجة، وكيف تغير سلوكاتك التي تحسبها تريحك لأنها تقلل الوساوس أو القهور وهي في الواقع عامل من عوامل إدامة مشكلتك بل وصيانتها من الحل مع الأسف، وغير ذلك هناك التعديل المعرفي وأظن أفكارك الدينية توحي بوجود نظام عقائدي مختل، أي أفكار دينية غير صحيحة بما يؤدي إلى رد فعل لا يزيدك إلا عذابا، ويتم التعامل مع ذلك بتصحيح المفاهيم المغلوطة فيما يسمى بإعادة الهيكلة المعرفية، أي زرع فكرة جديدة تصل إليها مع معالجك تضعها في نفسك وذهنك مضادة للتشكك وتكرارها على الذهن حتى يتم الزرع بنجاح، فمثلا ... تجلس مع نفسك وتسألها: كم مرة التقفتُ أفكارا ومشيت معها، وبكيت ليالي كما تقول: (مقتنعا بأنه سيأتيك المرض السيء -حفظكم الله-، أو سيأتي ضرر لمولودك الصغير -حفظه الله-)، إلى غير تلك الأفكار الكثيرة؟؟، -ستجد أن ٩٠ بالمائة من تلك الأفكار كانت وهْمًا،
=إذن ستقول لنفسك... وتخبرها أنها تحتال عليك، وتصنع من الخواطر التي تحققت مرة أو اثنتين أو ثلاثا، قاعدة عامة لكل ما يأتيك من أفكار....
=إذن كرر: نفسي تحتال عليّ .. لن أصدق خواطرها .. لن أصدق إلا التي تتحقق فقط، وما سوى ذلك لن أصدق.
-وكرر هذا كلما تأتيك خاطرة تحاول أن تفسد عليك يومك وحياتك ... هذا الذي أنصحك به ربما تكون جربته قبل استخدامك للأدوية ولم ينفع معك لكنه الآن سينفع بإذن الله لأن للدواء تأثيرا سيشرحه لك طبيبك.
وأما عقيدتك، وقرائتك أن التشكك عدم الجزم ...إلخ، ليس مشكلتك أبدا،
- دع كل هذا جانبا،
-ركز على العلاج فقط، قل لنفسك .. سأتعامل مع هذه الأفكار في حالة واحدة فقط ... حينما أصبح ذات مرة.. فأجد نفسي لا تتأثر بالأفكار، ولا تُقاد وتسير مع هذه الأفكار،
عندما أُصبح ذات مرة ... فأجدني مشفيا معفيا من هذه المتاهات، أي تماما حين تجدك مدركا للفرق بين الشخص القديم الذي كانت تسوقه أفكاره، وبين الشخص الجديد الذي يسوقُ هو أفكاره.
- فتح الله لكم، وأزاح عنكم مشتتاتكم، وطيّبَ صدركم بما يرضاه جل جلاله.
ويضيف د. وائل أبو هندي، المتصفح الفاضل "Khaled" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، عندما أستلم الموقع استشارتك هذه كنت أحاور أحدث مستشاري مجانين أ. شيماء العزازي بخصوص طريقة كتابة سيرتها الذاتية للموقع، ورأيت فيها تساؤلات عقدية فأرسلتها لها لتجيب عليها، ثم وجدت أنك طلبت عرض الاستشارة على طبيب نفساني فاخترت لك أنشط وأكفأ مستشارينا أ.د سداد جواد التميمي وقد تقدم ظهور رده عليك وقد أشار إلى خوفه من أن تستشير رجل دين من النوع الشائع والأكثر انتشارا مع الأسف وهؤلاء ليسوا واعين بمشكلات الموسوسين فعادة ما يعطون إجاباتِ تسيء كثيرا إلى الموسوس وتؤذيه، لكن المستشارة فاجأتني بردها الذي يكاد يتفق مع رد المستشار فقد التقطت صميم المشكلة وتكلمت عن النظام الذي يحتاج إلى التغيير ليس هذا وحسب بل ولم تقع في فخ الرد على ما أثرت من شبهات أصبح دفعها مشهورا، رغم معرفتي بحماسها لما هو تخصصها العقيدة والفلسفة، وكيف لها وقد صدر لها منذ شهور كتابها الأول نبضات اليقين وموضوعه كموضوعك.
أهلا بك وتابعنا بأخبارك
التعليق: بسم الله ما شاء الله، إجابة مبدعة