السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة، وبعد..
أتمنى أن تكونوا بألف خير.. وأتمنى ألا أطيل عليكم بما أكتب.. ربما تبدو مشكلتي بسيطة للبعض ولكني أعلم أنها مشكلة أجيال وأنها وإن أرقتني فإنما أرقت الكثيرات قبلي.. لست أطالب بحرية للمرأة بل على العكس فأنا أؤمن بأن كرامتها في قرارها في بيتها أو لماذا نفترض أن حريتها مسلوبة أصلا فإذا ما اتبعنا تعاليم الدين الإسلامي فلن نخشى على شيء..
وما أنا بصدده الآن هو ماذا إذا اضطرتها الأيام وطبيعة الحياة للعمل والخروج من منزلها لتتحمل أعباء الحياة مثلها مثل الرجل.. هي فتاة عزباء قد بلغت من العمر 28 عاما.. سارت بها الأيام في مجال العلم وكانت أمها حريصة على تفوقها أكثر من أي شيء آخر حتى جعلته من أولويات حياتها.. وفي سنة تخرجها من الجامعة تعرضت عائلتها إلى أزمة مادية وعلمت أنها تستطيع تقديم الكثير.
فأعرضت عن الزواج حتى سن 26 حيث تمكنت خلال هذه السنوات الثلاث من أن ترتقي بعائلتها هي وبقية إخوتها إلى تسديد ديون العائلة والاكتفاء الذاتي.. كما كانت تقوم بكل أمور خدمة المنزل كفتاة مستقرة في بيتها وبدأت المشكلة عندما بدأت السنون وتصاريف الزمان تؤثر فيها فوهن جسدها وما عادت بتلك القوة التي تمكنها من متابعة أعمال المنزل كما كانت وكانت مرارتها في ردة فعل العائلة الكريمة على تقصيرها فما وجدت غير التوبيخ والمطالبة بالمزيد وشاء الله أن يتأخر زواجها رغم جمالها والأيام تحمل مزيد من الإرهاق الذى ما عاد من حولها يتقبله.
توكلت على الله وسألته الصبر على مواجهة ما تعاني، ولكن بدأت الأسئلة تراودها فإخوتها شباب يصغرونها منهم من هو في مجال العمل ومنهم من هو في مجال الدراسة وليسوا مطالبين بشيء.. حتى من خدمة أنفسهم ولا حتى بقديم وجبة طعام لأنفسهم لأن ذلك من المحرمات من وجهة نظر الوالدة.. فإن تأخرت هي عن خدمتهم فإن الأم هي من يجب أن تتحمل كل أعبائهم.
بات السؤال يؤرقها ولماذا لا يكون لهم يدا في تقديم العون فيما يخص أمورهم ليس أكثر، وعندما لم تجد جوابا شافيا كان لا بد من رفع الصوت فيما تفكر وكانت النتيجة غضب الوالدة الدائم وهو ما لا تطيقه فباتت بين نارين نار الظلم ونار غضب الوالدة.. يجدر بالذكر أن إخوتها متعاونين وربما كان من السهل إقناعهم بالمساعدة فذلك لن يجهدهم ربع الجهد الذى يجهدها أو يجهد والدتها ولكن الأم ترفض ذلك تماما وكأنه كفر بل هى فعلا كثيرا ما تتهمها بعد أن رفعت صوتها برأيها بأنها تفتعل الصلاة وأنه لا علاقة لها بالدين.
عندما أتحدث في الموضوع تغضب أمي غضبا شديدا وتتهمنى بأني لا أفهم..
أتمنى أن أسمع منكم رأيكم.
15/10/2022
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في عمرك وعملك، وأعانك وإيانا على شكر النعم. الاستغناء عن الآخرين نعمة والقدرة على الكد نعمة أرجو ألا تغفلي شكرهما. ما من مشكلة بسيطة وأخرى أكثر أهمية كل ما يسبب المعاناة مهم ويجب التعامل معه فمعظم النار من مستصغر الشرر، وعلى ضعف البعوضة فهي تؤرق النوم وتعكر المزاج.
استوقفني في صياغة استشارتك استخدامك الضمير الثالث في الحديث عن نفسك، هل هو من باب البلاغة أو تنصل خفي مما تشكين، أي أن هناك قبول جزئي لثقافة والدتك.
تعتمد الحياة على مجموعة من القواعد والقوانين الاجتماعية، منها ما هو ضمني ومنها ما هو معلن، وهي خاضعة للتغير عبر الزمن والثقافة حسب الحاجة وتختلف سرعة هذا التغير من قاعدة لأخرى، وينشأ العديد من المشكلات الاجتماعية عن هذه القواعد والقوانين. كثيرا ما تنسب هذه القواعد والقوانين الاجتماعية للدين ظلما وبهتانا ولكنها وسيلة لإكسابها مشروعية وإلزامية لا تستحقها. يعتبر توزيع الأدوار بين فئات المجتمع مثالا لهذه القواعد، ولكل دور حقوق وواجبات، متفق على إلزام الرجل بالإنفاق على المرأة وملزمة المرأة بخدمة الرجل، هذه الواجبات يقابلها امتيازات.
ومع التغير الواقعي غير المعلن والمقبول من مشاركة المرأة بالإنفاق وذهاب البعض لتشريع مساهمتها في الإنفاق من عملها-لزوجها الحق في ثلث راتبها مقابل السماح لها بالخروج للعمل- بقي مسكوتا عن التغيير الضروري في دور الرجل من المشاركة في خدمة المنزل أو التنازل عن حقه في الخدمة وهذا غبن تعاني منه معظم النساء العاملات، ولكن لم يشر أحد إلى أن القواعد الاجتماعية عادلة ولذا فهي تتغير مع الزمن.
تتطلب العدالة تغير في دور الرجل مقابل تغير دور المرأة، ولكن عمل الرجل في المنزل اعتبر عيبا ونقصا قرونا طويلة مما يجعل تغييره ليس بالأمر الهين، وكذلك ما زالت بعض المجتمعات ترفض عمل المرأة وتعتبره نقصا في الرجولة. هناك تغير بالفعل في دور الرجل من حيث الانفراد بالإنفاق والمشاركة في عمل المنزل وخدمة نفسه ولكنه بطئ فكثير من الرجال يخفون مساعدة زوجاتهم في أعمال المنزل.
رفض والدتك لسلوكك نابع من قيمها التي تربت عليها والتي يصعب عليك إقناعها بتغييرها. يعتمد تقديرها لذاتها ومكانتها في الأسرة والمجتمع العام بقيامها بخدمة ذكور الأسرة، تفعلها برضا ولا تراها ظلما بل تشبع من خلالها سيطرتها وتشعر بقيمتها، هو إنجازها بعد الإنجاب، هكذا تربت ونشأت واعتادت، هذا دور الإناث في قناعتها التي تراها نابعة من الدين وبالتالي محاولة تغييرها أو رفضها تراه شكل من الخروج عن الدين، متناسية أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في خدمة أهل بيته وكان يحلب الشاة ويرتق ثوبه.
ركزي على إيجابيات حالتك الخاصة من تقبل إخوتك للأمر وتجنبي الصدام مع والدتك. يمكنك الاتفاق مع إخوتك أن يدعموا رغبتك ويدافعوا عنها من باب رغبتهم في الاستقلال ومن باب التراحم بين أفراد الأسرة، تحقيق هذا أسهل من خوض معركة تغيير قناعة والدتك بحكم عمرها وصعوبة قبولها بأي تغيير وهي صفة ملازمة للتقدم في العمر التمسك بالمألوف. ولا تنسي أن مقابل جهدك في العمل والمشاركة في الإنفاق اكتسبت درجة من الحرية والاستقلالية، وأعتقد هو ما يدفع النساء للتمسك بالعمل.