السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
مشكلتي تتعلق بالدراسة، فأنا طالبة في السنة الثالثة تخصص مهندسة في الإعلام الآلي، منذ صغري (من الابتدائية) كنت متميزة في دراستي حتى السنة أولى ثانوي، وفي السنة الثانية ثانوي لا أدري حقيقة ما الذي حصل لي؟ أصبحت أحس كأني عاجزة عن الدراسة.. نعم عاجزة في القسم، أفهم الدرس لكني عندما أعود للبيت أحس كأنه لا حاجة لي للمراجعة وأتكاسل في حل التمارين، خاصة أن تخصصي علمي، حتى يصل الامتحان وأبدأ في بذل قصارى جهدي.
أما في البكالوريا فكانت الفاجعة الكبرى.. أصبحت عندما أحضر الدرس لا أفهم شيئًا.. أقول عندما أعود للبيت أفهمها، ولكني لا أفعل حتى عدت لا أفهم الأستاذ، وعندما أضغط على نفسي في المراجعة أحس بأنني أريد النوم وأني تعبة جدًّا، وإذا رأيت زميلاتي في المدرسة يتناقشون في تمرين ما أحس كأنهم يتكلمون بلغة أخرى، إحساس رهيب يتملكني، لكن عندما اقترب امتحان البكالوريا واضطررت للدراسة بدأت أراجع وأقول لنفسي لو كان الوقت كافيًا لراجعت بدقة أكثر ولفهمت أمورًا أكثر، ولكن للأسف تحصلت على معدل عشرة من عشرين.
تفاجأت عائلتي كثيرًا بهذه النتيجة، وظنوا أنها "عين"، على العموم استمرت حالتي حتى في الجامعة، بل وزادت، فأصبحت أريد النوم بكثرة، وأبكي كثيرًا إلى ما وصلت إليه فلم أنتقل للسنة الثالثة إلا بعدما اجتزت الامتحان الاستدراكي.
أحلامي ضاعت وأصبحت أفكر في التوقف عن الدراسة نهائيًّا تعبت كثيرًا.. لا أعرف لماذا حصل معي هذا!!! أرجوكم ساعدوني قبل أن يضيع ما تبقى.. هذا إن تبقى شيء وشكرًا مسبقًا.. أرجو ألا تعرضوا مشكلتي، والسلام.
24/1/2023
رد المستشار
يا صغيرتي..
لقد سمحت للاكتئاب أن يطل برأسه عليك، وصار الحسد بريئا مما صرت عليه، الآن براءة الذئب من دم ابن يعقوب! ولكي تفهمي ماذا يحدث فأنت تحتاجين لثلاثة أمور...
الأول: أن تعرفي تفسير ما تتصورينه من تأخر دراسي أصابك في فترة معينة.
الثاني: وضع الاكتئاب الذي أصابك في حجمه الحقيقي.
الثالث: معرفة بعض الأمور العلمية والعملية؛ لزيادة القدرة على الاستيعاب والتذكر والتركيز.
ودعينا نعود للوراء قليلاً؛ فبداية التغيُر تجاه دراستك كانت في سن السابعة عشرة تقريبًا أو أقل؛ وفي تلك المرحلة تحدث تغيرات ضخمة في الإنسان على المستوى الفسيولوجي والنفسي وغيره فهي مرحلة أو فترة نُسميها "أزمة النمو" فيها نفكر من نحن؟ ماذا نريد؟ كيف سيكون غدًا؟ ما الذي نحبه بحق؟ ما الذي لا نحبه؟
وتتقاذفنا الأحلام والتيه في الأفكار فلا شيء محددا، صراع دائر لا يهدأ؛ وتفكير يكاد يكون متواصلا والحصيلة نتصورها صفرًا! ولكن من هذا الصفر نبدأ رحلة النور والنضوج، فنضع كل ما نمر به في حياتنا في مساحات جديدة مختلفة عن السابق؛ ونحدد "قدر" الإمكان شخصياتنا وأحلامنا وأهدافنا، ففي الطفولة كانت الدراسة أمرًا مقدسًا، فلا جدال ولا نقاش حتى مع أنفسنا في أهميتها وانتظار مرددوها من مكافآت مادية ومعنوية من المدرسين والأسرة والأهل، فنحن نسير في طريق رُسم لنا دون محاولات اكتشاف أي شيء يخصه؛ فيكفي شعور الرضا من داخلنا وممن حولنا عنا، وحين نكبر قليلاً نرى الأمور اختلفت، وإحساسنا بكل ما حولنا ومن حولنا يتغير، بل وتفسيرنا للأمور يأخذ شكلاً آخر، وعلاقتنا بالأشياء وبالأشخاص واختيارنا لهم تتغير أيضًا!!
ومنها علاقتنا بالدراسة.. وهذا ما حدث معك في تلك الفترة، وحتى إن كنت لا تعنين ذلك؛ فكان الشكل الخارجي للتعبير عن تلك الصراعات هو تكاسل وعدم رغبة وشعور بالرغبة في النوم والتعب السريع، فكل هذه الأعراض هي أعراض مرحلة المراهقة، وكثيرًا ما يسميها المتخصصون مرحلة "الصراع والبحث عن الهوية"، وكنت تُسكتين صوت ضمير الطفولة السابق عن تقصيرك تجاه الدراسة والاستيعاب؛ بأنك سوف تلحقين بالركب أو أنك ربما تحتاجين لمراجعة، ولكنه لم يحدث!.
فكنت مشغولة بأسئلة كثيرة لا أعرف حصلت على إجابات عنها أم لا؟ ومن هذا الحين لم تعودي كسابق عهدك، بل ازددت شعورًا بأنك تغيرت أو أنك فقدت قدرتك على الفهم فكان الاكتئاب!! بأعراضه الشهيرة من اضطراب في النوم -كثرته - والشعور بالتعب والبكاء، فتركنين أحيانًا لما يردده الأهل من حولك بأنك محسودة وهو غير صحيح.
أما الاكتئاب فما زالت درجته ليست شديدة ما دمت ترغبين في التغيير والحصول على حل فلا تنزعجي؛ فأنت نضجت "كفاية" بالقدر الذي يجعلك تتعاملين مع ما تهوينه أولاً بالعمل الناضج، وقبل أن أقترح عليك عدة نقاط مُعينة أحب أن أوضح لك أن رغبتك في النوم أو شعورك بالتعب الشديد وبكاءك هي أشهر أعراض قلق الامتحانات خاصة والدراسة عامة، وكذلك أشهر أعراض الاكتئاب المعروفة، ولكن أحمد الله أنك ما زلت تبحثين عن حل لكيفية التعامل مع المشكلة، وأنك لم تتوقفي بالفعل عن المواصلة فلا تتركي نفسك أسيرتهما؛ لأنك الأقوى.
والآن.. إليك بعض الأمور المعينة لزيادة القدرة على الاستيعاب والتذكر والتركيز:
• حذارِ أن تستسلمي لإحساس كراهيتك لكليتك، فكثيرًا ما نقع في الفشل أو تسقط همتنا بسبب مفاهيمنا الخاطئة أو عدم اعترافنا بحدوث تغيرات تحتاج للتغيير منا نحن أيضًا لمواجهتها حتى نبقى على ما كنا عليه!.
فمن قال إن التفوق سهل؟! وإن زملاءك لم يتكبدوا المشاق ولم يشعروا بالمعاناة؟ ولم يقدموا الجهد والكد؟ فهم ليسوا أكثر ذكاء ولا أكثر انتباهًا، ولكنهم أكثر تأقلمًا وأكثر وعيًا باختلاف الدراسة عما كنتم عليه في المرحلة الثانوية؛ وهو ما يتطلب منك التغيير لتواكبي الدراسة الجديدة؛ فلم تنتبهي للفارق بين الدراسة من خلال صفوف المدرسة وبين الدراسة الجامعية العملية لكلية شاقة وعملية مثل كليتك.
حيث سبّب عدم انتباهك لذلك صدمة كبيرة في تقييمك لاستيعابك وقدرتك على الفهم، فمن دراسة نصوص وبلاغة ودراسات اجتماعية تحتاج لمجهود يعمه الحفظ ومراجعة مناهج محدودة؛ لدراسة هندسة إعلامية وأجهزة وعملي وخلافه تحتاج لمجهود يعمه البحث والدأب وراء المعلومات فكان ذلك طبيعيًّا جدًّا، وعندما أدركت أن الدراسة تغيرت بذلت مجهودًا أكثر فوقفت على قدميك من جديد، ولكن بتقدير لا يرضيك؛ وذلك لأنك بذلت مجهودًا أكبر دون أن تغيري "الاستراتيجية السليمة" للدراسة في كليتك، وبدلاً من أن توجهي مجهودك للتعامل الجديد مع دراستك والتقرب من زملائك الماهرين؛ لتنتبهي لما ينقصك من أجل الحفاظ على ما تريدينه لنفسك وقفت تبكين وتوجهين التهم لنفسك؛ لتقعي في شراك فقد الثقة بالنفس وتأخر التحصيل وفقدك للهدف كذبًا!.
* هناك قاعدة فسيولوجية مُثبتة بالأبحاث تقول إن العقل البشري يعمل على هضم وتبسيط المادة الصعبة أثناء النوم! ومعظم النظريات والاختراعات خرجت بعد تفكير طويل أثناء النوم لشهور وأسابيع طويلة من الانشغال المستمر، ويمكن تقسيم المادة الصعبة إلى أربع مرات، المرة الأولى قراءة عامة مثل قراءة الجرائد أو المجلات؛ لأن الاستيعاب في المرة الأولى لن يزيد عن 15% من الموضوع، وفي المرة الثانية، اليوم الثاني مثلاً حاولي أن تحفظي العناصر الرئيسية في الموضوع في شكل نقاط محددة خمسة أو ستة مثلاً، في المرة الثالثة عليك مدارسة الحشو الواقع تحت العناصر الرئيسية، والمرة الرابعة تكون مراجعة عامة قبل الامتحان.
* فكّري في أنك تستطيعين! فإذا وجدت مادة مملة أو غير ممتعة سيكون تذكرها أصعب، ولكن كلما قاومت فكرة عدم قدرتك على تذكرها واقتنعت بذلك فسيساعدك ذلك على التذكر.
* استخدمي التخيل أو التصور فهذه الطريقة تساعد على استرجاع المعلومات بشكل أفضل، وكوني مبدعة فيمكنك مثلاً ابتكار صورة عقلية يمكن ترافقها مع المعلومة التي تدرسينها، وكذلك يمكنك عمل تصورات كثيرة للمادة أثناء مذاكرتها تجعلك ترسخين المعلومة في ذهنك، وكذلك قدرتك على استردادها.
* استذكار المادة الواحدة عدة مرات مستخدمة طرق مختلفة.. قراءة؛ استماع؛ رسم يرافقها؛ رسومات بيانية؛ كتابة، وهكذا...
* غيري ترتيب الأجزاء التي تستذكرينها من المادة الواحدة، فغالبًا ما نتذكر أول وآخر ما سمعنا أكثر من أوسطها، وكلما ذاكرنا المادة نذاكرها بنفس الترتيب؛ وهذا يجعل دومًا هناك جزءًا ضعيفًا، ولكن بإعادة ترتيب مذاكرة المادة بأن نبدأ من وسطها، ثم أولها، ثم آخرها مثلاً يساعد على تقوية كل أجزاء المادة في أذهاننا.
* حلِّي امتحانات دون استعانة بالكتب؛ لتقفي على نقاط ضعفك أو بكتابة ملحوظات الدكتور على الهامش أو حتى بتعلم مهارات الامتحان، فلكل امتحان نمط معين فلتتدربي على النمط الخاص بكل امتحان.
* من المهم جدًّا المراجعة وبأكثر من طريقة فمرة مراجعة صامتة، ومرة بصوت عال تشرحينها لنفسك، ومرة بالتسجيل لنقاط أساسية تكتبينها، ولا بد من اختبار نفسك فيما ذاكرت لتضعي يديك على ما يحتاج لمزيد من الدراسة.
* كوني موضوعية في معرفة حدود الذاكرة وتعلمي كيف تنميها، وإليك تلك النسب لتضعيها في اعتبارك:
1 - سوف تتذكرين 20% من الموضوع بعد أسبوعين إذا قرأته مجرد قراءة.
2 - سوف تتذكرين 50% - 65% من الموضوع بعد أسبوعين إذا قرأته، ثم اختبرت نفسك فيه مرة واحدة بعد قراءته.
3 - سوف تتذكرين 75% - 80%من الموضوع بعد أسبوعين إذا قرأته، ثم اختبرت نفسك فيه مرتين بعد قراءته.
4 - سوف تتذكرين 100% من الموضوع إن كنت قد قرأته واختبرت نفسك فيه مرتين، ثم راجعته قبل الامتحان.
وعلى الرغم من أنك لم تشيري لعائلتك أو أي حدث بعينه ضايقك فإنه إذا حاولت مع ما سبق محاولات جادة لفترة مناسبة؛ فلا مفر من التواصل مع طبيب أو معالج نفساني لعلاج اكتئابك، وإن كنت أظنك أقوى.
واقرئي على مجانين:
المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإرادة
نور والكمالية والوسوسة في المذاكرة
التوكيدية والمذاكرة يا مريم!
الطلاب والمذاكرة: الإنترنت ومفترق الطرق
منى والمذاكرة قبل الامتحانات