نفسية
الحمد لله أنا أقوم بإمامة المصلين في الصلوات وأخطب الجمعة وأحفظ القرآن ومثفق في الدين، لكن أعاني من مشكلة ألا وهي وسوسة الرياء دائما أو في الغالب عندما أتقدم للإمامة أشعر بعدم راحة نفسية
أراقب بعض الأشخاص في ذهني وأنا في الصلاه قد يكونون من الحفظة بخاف مثلا أن أخطأ في الصلاة لكن في حقيقة الأمر نيتي أن أسمع الناس القرآن وأصلي لله وكذا أشعر بهذا الأمر عندما أصعد المنبر للخطابة وأدائي فيها جيد لكن لا أود أن أشعر من يسمعني أنني ضعيف في أداء الخطبة أو ماشابه علي الرغم أن تحضيري لها قد يكون عاديا لكن يستحسنها الناس ويثني بعضهم عليها
كيف أتخلص من هذا الشعور أن أفرق بين أن أكون مميزا وأهتم بتحضير خطبي وأن أكون شغوفا لأداء الإمامة من غير أن تسيطر علي هذه المشاعر السلبية أحيانا يدور في ذهني (أنت مرائي أنت بتعمل كده عشان فلان)
لا أريد تصور أشخاص بأعينهم في الصلاة أيما ما كانوا لا أريد لأي شخص مهما كان أن يتسلل إلى عقلي ليتملكه أو يسيطر عليه، أحيانا أحاول التخلص من هذا الشعور أن أقول في نفسي (ناس مين اللي أفكر فيهم مش فارق معايا حد)
أريد أن أتخلص من هذه المشاعر عموما في كل حاجة بعملها بحس بكده
هل أنا مرائي أنا بعمل كده ليه للأسف تعبت وأحتاج إلى حل عاجل
8/7/2023
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك وباستشارتك يا "عبد الله" على موقعك، وأرجو أن نكون عند حسن ظنك
باعتبارك إمام متفقه حافظ للقرآن، -ما شاء الله- سأسوق إليك بداية قول ابن حجر الهيتمي الشافعي، في كتابه "تحفة المحتاج بشرح المنهاج" عندما تكلم عن العَذَبة فذكر أن أصل فعلها سنة ثم تكلم على الذي يخاف أن يرائي بها إن فعلها فقال: (ولو خشي من إرسالها نحوَ خُيلاء لم يُؤمَرْ بتركِها -خلافاً لمن زعمه-، بل يفعلُها، وبمجاهدةِ نفسِه في إزالةِ نحوِ الخيلاءِ منها، فإن عَجَزَ لم يضرَّ حينئذٍ خُطورُ نحوِ رياءٍ؛ لأنه قهريٌ عليه فلا يُكلَّف به كسائرِ الوساوسِ القهريّة، غايةُ ما يكلفُ بهِ أنّه لا يسترسل مع نفسه فيها بل يشتغل بغيرها ثم لا يضرّه ما طرأَ قهراً عليه بعد ذلك...).
أنت مطالب بمحاولة الإخلاص، ولا يضرك إن هجم عليك الرياء بعد هذا...، ونحاسب على الأفعال الإرادية، أما غير الإرادي فلا نحاسب عليه.
علينا أن نحاول الإخلاص قدر الإمكان، لكن أن يتحول هذا إلى هاجس مرعب يصاحبنا عند كل عمل ويفسد علينا حياتنا، فهنا انتقلنا إلى حالة مرضية ووسواس قهري، والوسواس القهري لا خوف منه شرعًا ولا يضر دين صاحبه، كما تبيّن لك من نص ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى.
توجهت للصلاة طلبًا لمرضاة الله، ولم تكد تقف حتى شعرت أن قلبك يميل إلى الخلق...، لا مشكلة، تابع دون أن تفكر بما يدور في ذهنك، وانشغل بقراءتك.
ولا تخف من الخطأ... ما المشكلة إن أخطأت؟!! الإنسان الحافظ، الواقعي غير المتكبر يعلم أن أكبر القراء من الممكن أن يخطئ حتى في الفاتحة!!! ولن يعيب عليك
أما غير الواقعي أو المتكبر الذي ينتقد الناس فلا يهمنا أمره حتى لو كان له اسمه الذي يملأ الآفاق!! عليه هو أن يصلح نفسه حتى لا يحتقر الناس إن قصروا أو أخطؤوا فيحبط عمله
وذكر نفسك وقل لها: لو أن فلانًا الذي أخشى أن تنزل منزلتي في قلبه مات الآن، ماذا يفيدني مدحه؟ وماذا يضرني قدحه؟ أصبحت أنا في عالم، وهو في عالم آخر مشغول عني وعن غيري، ولا يهمه سوى النظر في أفعاله ونتيجة أعماله... وسيفر منك يوم القيامة، وستفر منه، ولن تهتم برأيه فيك، ولن يهتم برأيك فيه... كل الناس إلى زوال، وآراؤهم إلى زوال... ولن تسلم من ألسنة الناس مهما فعلت، فالأنبياء لم يسلموا، بل الناس لم يكفوا ألسنتهم عن الله تعالى!
لن تكون مقبولًا عند الجميع، ولن يعجب كلامك الجميع، وستجد لا محالة من ينتقدك ويسفه رأيك ولو كان صوابًا، وستجد من يمتدح كلامك وإن كان خطأ!!! فابذل جهدك في تحري الصواب من أجل أن تنجو يوم القيامة، لا من أجل أن تكون علمًا من الأعلام في الدنيا... منزلتك في الدنيا لا تهم... قد يكون الأخفياء البسيطون أعلى رتبة من أصحاب العمائم والألقاب الطنانة والرنانة.
آتي إلى قولك: (كيف أتخلص من هذا الشعور؟ أن أفرق بين أن أكون مميزا وأهتم بتحضير خطبي وأن أكون شغوفا لأداء الإمامة من غير ان تسيطر علي هذه المشاعر السلبية) ... ببساطة لا تفكر في أن تكون مميزًا ولا مبدعًا...، ولا تفكر فيما يطلبه الناس، وإنما تعلم أولًا واعمل لتنقذ نفسك، ومن ضمن الفرائض التي عليك تطبيقها لتنقذ نفسك: تعليم الناس... وعندما تعلمهم، فكر بما يحتاجونه، وما هو النافع لهم في الدارين، حتى لو كان موضوعًا بسيطًا جدًا... ما لنا وللتميز بمفهومه الدنيوي؟!
الناس –مثلًا- يحبون الخطيب حين يتكلم عن السياسة وظلم المسؤولين، ويصفقون له، ويصبح عندهم شيخ الأئمة...، فيجتهد في التحضير بقراءة كتب من جميع الاختصاصات السياسية والاقتصادية وعلم النفس، وووو...، ويختار عباراته، ويرغي ويزبد... مع أنه في أحيان كثيرة لا يكون هناك فائدة أخروية من هذه الخطب، ولا فائدة دنيوية سوى شفاء الغليل! بينما لو فرضنا أن الناس في حيكم لا يحسنون الاستنجاء ولا يتورعون عن النجاسات، لو أنك أعددت خطبة عن الاستنجاء، ألا تكون أنقذتهم من النار جميعًا؟!!
سيأتيك من يقول: (ترك هموم الأمة وجاء يتكلم عن الاستنجاء والاستبراء!!) يظن أنك تكلم الناس بأمور صغيرة، وتترك هموم الأمة! ولا يفطن إلى أن الله قد منّ عليك فجعل نجاتهم من العذاب على يديك! أليس أكبر همّ للناس غدًا: كيف ينجون من سوء العذاب؟ وكيف يقفون للحساب؟ فما لك ولرأي الناس فيك وفي خطبك؟
لا داعي للسؤال عن كيف تفرق بين التميز وبين الرياء؟ لأنه لا داعي أصلًا لطلبك التميز في الدنيا.
وأهم شيء أن تستعن بالله، قل يا رب أبعد عني الرياء وامنحني الإخلاص، وانسَ كل شيء بعد هذا، فهو الذي سيتولى أمرك ويدلك.
وفقك الله ونفع بك
ويتبع>>>: وسواس الكفرية: وسواس الرياء وذهان غالبا! م