السلام عليكم،
لا شك أن المبالغة في المهور وارتفاع تكاليف الزواج تشكل حاليا عائقا رئيسيا يحول دون تفكير كثير من الشباب في الزواج، بماذا تنصح هؤلاء الشباب؟ وكيف يمكن تصويب النظرة الاجتماعية بشأن غلاء المهور؛ إذ يرى بعض الآباء أن ذلك يعد دلالة على تقديره العالي وحبه لابنته؟
وإلى أي مدى ترى حدود تدخل الآباء في اختيار أبنائهم لشريكة حياتهم؟ وكذلك ما هي رؤيتك لطاعة الأبناء لهم بخصوص هذا الشأن؟
أرجو أن يتسع صدركم لسؤال آخر، ولو أنه بعيد عن محور الحديث فإني أحاول استغلال فرصة لقائكم.
في مقال أو إجابة قرأتها لكم أخيرا على موقعنا المتميز دعوتم إلى مشاهدة فيلم الساموراي الأخير، وكنت أرغب في مشاهدته وفقا لنصيحتكم، لكني حسبما أعرف فإن الشركة المنتجة له أمريكية.
ألا يتناقض ذلك مع دعوات المقاطعة؟
وجزاكم الله خيرا.
31/8/2023
رد المستشار
الأخ الكريم، دعنا ننتهي سريعًا مما يخص الفيلم الذي تسأل عنه؛ فأنا لا أرى مقاطعة "كل" ما هو أمريكي، وإلا فإن أكبر حركة رفض لممارسات الإدارة الأمريكية الحالية، ومخططاتها التوسعية، وحربها القذرة ضد ما تخترعه من أعداء، أكبر حركة رفض إنما هي في أمريكا وأوربا نفسها.
إذن أنا لست مع مقاطعة ما هو أمريكي لمجرد أنه أمريكي، بل ربما أقاطع منتجًا أو برنامجًا عربيًا؛ لأنه يتعارض مع ما أومن بنفعه وصوابه، بينما أتواصل أو أتعاون أو أشجع طرفًا أو منتجًا أو نشاطًا أمريكيًا يتفق معنا على صواب ما نراه صوابًا، وخطأ ما نراه خطأ.
أما المبالغة في المهور وارتفاع تكاليف الزواج، فهما من سمات المادية والدنيوية، التي أفسدت على المسلمين دينهم ودنياهم، والأصل في الإسلام أن يتخفف الإنسان من المتاع الدنيوي، وألا يأخذ إلا بقدر حاجته، وهكذا كان نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء. ليس عن عجز ولا عن زهد كاذب، ولكنهم رضوان الله عليهم عرفوا أن الدنيا إنما تشغل الإنسان إذا كانت في قلبه وعقله معيارًا للحكم على الأشياء والأشخاص، فأخرجوها من قلوبهم وعقولهم، ووضعوها في أيديهم يعمرونها ويبذلونها للناس، يتألفون بها القلوب، ولا يأخذون منها إلا بقدر الحاجة.
أما التنافس في التفاخر والاستهلاك، فهو من تأثيرات الجاهليات القديمة والحديثة، وقياس الإنسان بماله مثل قياسه بشكله أو لونه، وبالتالي هو قياس ناقص أخرق غير دقيق، ولكنه شاع وساد، والحصاد ما نراه.
ورأينا المعروف في حدود تدخل الآباء في اختيارات زواج أبنائهم وبناتهم، أن الأصل في الأمر التحاور والتشاور، وأن المصلحة واحدة، والهدف مشترك، والتواصل مستمر عبر مراحل التربية والتنشئة، وليس مع بدء الاختيار للزواج كما يحدث كثيرًا للأسف.
والأصل في وجود هذه الخلفية أن يطيع الأبناء والديهم في الاختيار، ولا نستثني من ذلك إلا حالات يستحكم فيها الخلاف، ويتأكد لدى أي طرف حكيم يتدخل بأن رفض الأهل لا محل له، وأنه محض تعسف. ونحذر دائمًا من خطأ فادح وشائع، يتكرر ويدفع ثمنه الجميع، وهو أن الخلاف مع الأهل حول بعض التفاصيل الحقيقية أو المبالغ فيها يخفي وراءه نقاطًا أخرى وعيوبًا قادحة كانت يمكن أن تظهر أوضح لولا غبار الصدامات والاحتكاكات بين الأهل والأبناء.
أقول للجميع إن الاختيار للزواج مسؤولية وواجب ثقيل قبل أن يكون حقا وحرية، وليس الاختيار بأي حال من الأحوال ساحة حرب، أو منازلة لإثبات الذات، أو ممارسة السلطة، أو استعراض العضلات، أو القوة المادية، أو السطوة الاجتماعية.
فلنتق الله جميعًا، آباءً وأبناءً، عسى الله أن يوفقنا للاختيار والانتقاء السليم، فالانتقاء يقي المصارع.