المرآة تناديك... فهي لا تكذب..
المرآة تناديك... فهي لا تكذب.. مشاركة
إلى أ. أميرة بدران... تحية طيبة وبعد، أنا إنسان أستشعر في نفسي خواء شديد من الاندفاع الذاتي نحو ما هو "جيد" و"خير". لذلك فأنا دوماً أبحث وأفند وأفتش بكل ما أوتيت من قوة عن القوانين التي تقودنا إلى ما هو "جيد" و"خير" و"صحيح".. أبحث في الدين وفي الحياة وعند أهل الخبرة... وفي موقعكم الجميل. لذلك يغضبني جداً أن أجد من بين ثنايا أحد المصادر التي وثقت فيها، خللاً أو تناقضاً فكرياً، أتلقاه في براءة، ثم يتسبب بعد ذلك في المزيد من "الكلكعة" و"التضارب" والتشتت لدي في أفكاري وتصرفاتي الجائعة لتعلم الحكمة المفتقدة.
ودخولاً في الموضوع أقول: لقد قلت سيادتك في ردك على الرسالة موضوع النقاش: تخونين جسدك قبل أي أحد فلو كنت صادقة لما استطعت أن تعطيه لمن لا تحبينه وإن كان زوجك فهكذا المرأة لا تعطي إلا إذا أحبت.
فشخص مثلي عندما يقرأ هذه الجملة في موقع كهذا أثق به، فإنه على الفور، ودون أدنى إرادة مني، تتكون في عقلي منظومة مسلمات على النحو التالي:
- من المحتمل أن تتزوج المرأة من رجل لا تحبه.. وهو شيء لا يُحبذ.
- هذا يعني أن هناك شيء اسمه الحب بين الرجل والمرأة يحدث قبل الزواج، وهو شيء محبذ.
- إذا ما تزوجت المرأة من رجل لا تحبه، عليها أن تحرمه من جسدها.
وهذه المنظومة سيدتي تتكون لدي في اللاوعي، فلا أنتبه لها عندما أصطدم بتناقض فيها، أو عندما يحالفني الحظ. وما حدث هنا هو أنني قد اصطدمت بتناقضين:
1- هناك شيء اسمه الحب يحبذ حدوثه قبل الزواج؛ وهذا يتناقض مع ما أستوعبه من الدين الإسلامي.. فهل يحل لنا نحن الشباب أن "نحب" الفتيات قبل الزواج؟ أي أن نتعرف إليهن، ونتحدث معهن، وندرس شخصياتهن، ونعشقهن، قبل أن نقرر الزواج منهن؟ استيعابي لمفاهيم الدين في هذا الشأن تقرر أن هذا حرام، لأن كل ذلك لا يجوز له الحدوث إلا بعد الزواج. فإن كان مفهومي خاطئ، فأرجو منكم يا سادة الموقع الكرام أن توضحوا النموذج الصحي والديني الذي تقرونه واضحا ومحدداً تحديداً دقيقاً لشكل علاقة الرجل بالمرأة قبل الزواج، وعلاقة هذا النموذج بما تطلقون عليه الخلل أو العقدة الجذرية في المجتمعات العربية.
2- المرأة التي لا تحب زوجها لا ينبغي لها أن تسلمه جسدها. أرى هذا أيضاً متناقضاً مع الدين. إذا كان ما أراه خاطئاً، أرجو التصحيح الدقيق والمحدد.
سيدتي الفاضلة، أرجو ألا تعتبري رسالتي فيها أي نوع من الهجوم أو الاستنكار، فرسالتي لك استفهامية خالصة، نابعة من كم الحيرة والتخبط والتشتت الذي أواجهه أثناء بحثي عن القوانين، أو عن اللائحة المحددة التي تحدد لنا ما يجب فعله وما لا يجب فعله. فما ذكرته لك في هذه الرسالة يا سيدتي مجرد مثال، لكن ما أراه وأسمعه كل يوم كثير جداً. فسماع الدروس الدينية مثلاً يوحي لنا دائماً بأن الإنسان الذي يواجه مشكلة دنيوية متكررة، هو على الأرجح ناقص الإيمان، ويوجهونه إلى قراءة القرآن والانتظام في الصلاة.. وترك المعاصي.. إلخ.. فهل هذا صحيح؟؟
يعرضون لنا نماذج من الأمهات المثاليات التي تعبن وشقين في تربية أبنائهن بعد وفاة أزواجهن، باعتبار هذه صورة مثالية.. ألا يوحي ذلك بأن الأم التي ربت أطفالها وحدها بعد وفاة زوجها، هي أفضل من تلك التي تزوجت بعده؟؟
إن كم الأفكار المغلوطة التي أتلقاها يومياً بين ثنايا ما أتلقاه من المصادر الموثوق بها، بات يعجزني من معرفة الحق من الباطل.
شكراً لسعة صدركم،
وأرجو الرد على التناقضين الذين ذكرتهم رداً دقيقاً ومحدداً.
15/4/2007
رد المستشار
عد بالمؤشر مرة أخرى لسطور مشاركتك وأحصي كم مرة قلت دقيق ومحدد، فالمشكلة في طريقة تعاملك مع نفسك ومن ثم مع الحياة فأنت ترى أن للحياة قوانين ومناهج فيها أفعل ولا تفعل ولكل قانون مسلمات سابقة التجهيز فهذا معناه هذا... وهذه نتيجة تلك ونسيت أننا نتحدث إلى إنسان وعن إنسان!!
فحين نتعامل مع الممكن والآلات نفعل ما تقول ولكن حين نتحدث عن البشر بتقلباته وظروفه ونشأته وطريقة تفكيره وغيره من تلك الأمور فلابد وأن يختلف الحديث. وإذا أردت أن تكون المرجعية للإسلام فلن تكفي صفحات الموقع ما سأسرد عليك من مرونة الدين وسعته ومن مرونة نبينا الكريم ومن احترام "خصوصية" الحدث و"خصوصية" الأشخاص بل ووجوب كسر قانون منصوص عليه في القرآن احتراما أو اجتهادا لصالح الشخص أو لصالح الموقف وأذكرك بألا تتعامل مع سطوري السابقة بنفس طريقة البرمجة فتذهب هنااااك وأنا مازلت أتحدث هنا!!
ولأوضح أكثر سأعطي مثلا عن السلام بين الرجل والمرأة فالبعض يبادر بقول حرام أو يعبر عن رأيه الشخصي فيقول مع أو ضد ولكن الدين الحق يستلزم الأمانة حتى لا نضر بالدين ذاته فالأمانة تقتضي حين نسأل هذا السؤال أن نقول أن رأي الدين فيه عدة أقوال لعلماء أجلاء فمنهم من قال حرام ومنهم من قال يجوز بحائل ومنهم من قال إذا خلي السلام من الشهوة فهو يجوز ومنهم من قال هو فقط ينقض الوضوء!!
فلم ينزل الدين لمصر أو لدولة بعينها فهو الدين الخاتم الذي نزل لكل هذا الكون الكبير ففي مجتمعات ستحتاج لرأي من الآراء حتى لا نقع في ضرر أكبر وفي نفس المجتمع قد تضطر للسلام على سيدة في موقف ما رغم ميلك الداخلي لعدم السلام إلا أنك تدفع بالسلام ضرر أكبر ولكن تحتاج هنا عند سلامك لها أن تشعر أنك ما زلت تحت مظلة الدين لأن هناك رأي يقول لعالم جليل بحث وكد واجتهد أنه يجوز السلام بينك وبينها فلا تشعر بأنك تفعل حراما!!!!
وبالمثل هل يمكننا أن نقول أن الرجل في إندونيسيا الذي يرتدي الجيب زيا رسميا في البلاد أنه ملعون يتشبه بالنساء!! هل يجوز أن نقول للمرأة في الهند أن ارتدائك للبرتقالي والأحمر ملفت للنظر! فهذه هي ألوانهم الطبيعية! لذا فالدين واسع يسع الجميع باختلاف هويتهم وفهمهم وبخصوصية حالاتهم وهنا يكمن روعة الدين.
وانظر لمرونة سيدنا محمد صلى الله علية وسلم حين يأتي له شاب في السابعة عشر من عمره ليأذن له في الزنا وهذا الرجل الذي تجهم في وجهه الكريم قائلا لا أعطيت ولا أجزيت وحين تركل أمك عائشة إناء الطعام أمام كل الصحابة حين شعرت بالغيرة لم يستحضر الرسول الكريم القانون رغم وجوده ولم يستدعي المسلمات بأن هذا الشاب خسيس يطلب زنا ولم يقل له ستجلد! لم يبادل تجهم الرجل بتجهم وإنما قال له قل لي كيف أعطيك! ولم يقل أين احترام الزوجة لزوجها فلابد من تأديبها وأنها _بالمسلمات_لا تحترمني ولا توقرني أمام أصحابي وإنما لملم من ورائها ناظرا إلى الصحابة مبتسما قائلا "غارت أمكم"!!
فأهم من القانون أسباب وضعه وأهم من القانون فهمه وأهم من القانون روحه رغم أهمية تطبيقه بالطبع. ولكن في إطار من السعة والفهم الصحيح لحالة الفرد والموقف. فبعد تعامل النبي صلى الله علية وسلم مع الصبي بالشكل الإنساني لو كان زنا وتم تلبثه زانيا وجيء بأربع شهود فلا مجال إلا تطبيق حد الجلد.
وهكذا حين اجتهد سيدنا عمر في عام المجاعة ورغم وجود نص صريح لا يقبل الجدل بأن "السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما نكالا" إلا أنه قال لا قطع ليد في مجاعة وهو من تجرأ على مكان مقام إبراهيم ونقلة من مكانه الأصلي رحمة بالبشر من اندفاع الموت وتلبية لرجائهم بما يتسع المكان لقبول الدعوات ولقد فعل رغم قدسية الاحتفاظ ببعض الأمور كما هي! ولكننا نتعامل مع بشر، والأكثر من ذلك.... الله عز وجل فهو الإلاه الحكيم هو الذي خلقنا ويعلم دواخلنا ويعلم ضعفنا وقوتنا ويمنحنا ستره وأعطى لنا القوانين التي تخدم إظهار الخير وإخماد الشر إلا أنه ظل التواب الرحيم الغفار الودود وبصيغ المبالغة برغم كل ما يمكن عمله من جنس البشر ولتعد لكتب الدين وترى إلوهيته بحق وكمال صفاته بحق حين يسامح شابا زنا بجارية ميتة بعد نبش قبرها! وحين منح الصفحات البيضاء من جديد لمن نراهم نحن يتمتعون بالخسة والعفن! ولا أشهر من البغي التي غفر لها الله حين شعرت بظمأ كلب فسقته!
أنه السياق العام الذي يجب أن نعيه ونربط به على قلوبنا حتى نستوعبه فليس هناك إما أو أتعلم أن بين الأبيض والأسود 360 درجة كلهم درجات أبيض وأسود!!!
فاختراع مفهوم الأبيض والأسود يرجع لعهد الثورة الصناعية حين تم اكتشاف الطباعة فلم يعلموا حينها إلا الورقة البيضاء التي يكتب عليها كتابة سوداء ومن هنا جاء المفهوم اللعين بـ إما أو هل معنى ليس أبيض أنه أسود!! لماذا لا نقول يا أبيض يا أزرق؟؟
فانظر كيف تتحدث لطريقة تعلمك الأمور والحياة ورد فعلك لما تتعلمه بل وثقتك العمياء حين تعطيها واهتزاز ثقتك حين لا تجد المفهوم بمسلماته التي نسجتها في رأسك!
والآن أرد على تساؤلاتك والتي لم أعتبرها إطلاقا هجوما أو استنكارا،
.... فأنت تقول فهمت من كلامي أنه إذا تزوجت المرأة من رجل لا تحبه فعليها أن تحرمه من جسدها!
وهذا لم أقله ففي بداية الرد قلت لها أنظري في المرآة التي تريك الحقائق وهي حقائق مجردة لتري موقعها من الإعراب حين تتعلم المعاني المجردة لما تقوم به لذا قلت لها أن الحب هو ما يجعل المرأة تعطي وأنت تقولين أنك تحبين هذا الشخص وكذا لا تحبين زوجك في ذات الوقت كما تدعي إذن حبها لمحبوبها ونفورها من زوجها محض وهم غير صحيح فالحب يمنع المرأة السوية من إعطاء جسدها لآخر خاصة إذا كان هذا الآخر تنفر منه والذي لا يمكن أن يفهم بحال من الأحوال أني قلت من تتزوج برجل لا تحبه عليها ألا تعطيه جسدها! والفرق كبير حين أتحدث عن مفهوم احترامها لجسدها ومفهوم احترامها لمشاعرها دون الدخول في مساحة الشرع والذي فيه متسع يسع الكثير من الحالات والظروف والأوضاع لا يعلمها إلا الله وحده لا أقوى على الحديث حوله أو الفتوى فيه.
.... الحب قبل الزواج وإن كنت لم أتحدث عنه إلا أنك فهمت من كلامي أن هناك حب قبل الزواج وهذا تستنكره، وأقول لك إذن أين نضع الحديث الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم "لم يرى للمتحابين إلا النكاح"؟!
إذن هناك حب يكلل بالزواج ومن الطبيعي جدا أن تكون الخطوة الأولي الحب يتبعها الخطوة الثانية وهو الزواج والحب هنا ليس الحب المتأجج المرعب وإنما القبول والارتياح كبداية، وفي كل كتب الفقه فترة تسبق الزواج اسمها فترة الخطبة ترى لماذا شرعت؟
ولقد شرعها الله عز وجل ليكون مفادها كل ما استنكرت من معرفة وقرب وتواصل فهدفها الأساسي المعرفة الحقة عن بينة وزرع بذرة الحب لتقرير مصير العلاقة بالزواج أو عدمه ولكن هنا يجب أن نقول أن تلك الفترة تميزت بضوابط وحدود وكذلك تيسيرات لم تمنح إلا للخاطب والمخطوبة كالنظر والحديث وما شابه وكنت أتمنى أن أطيل الحديث في مساحة تلك الضوابط والحدود والتيسيرات حتى يتم فهمها بالشكل الصحيح إلا أن المقام لا يتسع لذلك، يبقي أن أتحدث معك فيما تفهمه من دروس العلم وهو أن الإنسان حين يواجه مشكلة دنيوية متكررة فهو ناقص الإيمان وإن الحل قراءة القرآن والانتظام في الصلاة وترك المعاصي، فالأمور لا تؤخذ على علاتها هكذا فلقراءة القرآن سحر وأثر في النفس لا يمكن إنكاره بالطبع بل هو مطلوب والانتظام في الصلاة نعمة يحرم منها التعيس وترك المعاصي هي قصة الحياة في الأساس.
ويبقى الأهم تدبر القرآن ومدارسته بتخصص والعمل به ويبقى الأهم الإحساس بالقرب والتواصل بين الإنسان والله حين يقيم الصلاة حبا وشوقا لا خوفا وطمعا، وستظل المعاصي ونحن في تعارك مستمر نغلبها تارة وتغلبنا تارة وحكمة الله عظيمة فكان لابد وأن يكون لنا مخرجا بالتوبة والرجاء والأمل لأنه يعلم ما بأنفسنا.
أما نقص الإيمان فقد سبق دروس العلم نبينا الكريم حين قالها بوضوح الإيمان يزيد وينقص فاليوم حتما أقل أو أكثر إيمانا من الأمس وغدا فعلينا أن نجدد الإيمان بدلا من أن نتهم أنفسنا بنقص الإيمان أو أن الحل في القراءة والانتظام بل هناك مساحات عمل وتعاملات وعبادات أخرى تؤدي لنفس النتيجة إن لم تكن أفضل.