ثاني خطوات التعامل مع النفس هي الالتزام والمسؤولية تجاه النفس وتجاه الآخرين (وكانت أولى خطوات التعامل مع النفس كما نشرنا في مقال سابق هي حب نفسك شوية).
الالتزام والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، والمعنى أنه على الإنسان واجبات يؤديها ويكون ملتزم بأدائها أمام نفسه وعليه رقيب يكون ملتزم بأدائها أمامه.
مثلا دائما أسأل الشباب الصغير في المراحل التعليمية ما هي وظيفتك فأجده محتار كأنه لا يفهم السؤال فأقول له أنا دكتور وهذا مهندس وهذا محامي وهذا....... فما هي وظيفتك؟ فيرد وظيفتي طالب. فأقول له لماذا لا تقوم بوظيفتك وهل لك وظيفة غيرها فيقول لا فلماذا لا تذاكر وتتحمل مسؤولية حياتك، وكذلك للحرفي أي حرفي لماذا لا تقوم بحرفتك وتصبح ماهرا فيها وتتحمل مسؤولية حياتك ولنرجع للطالب وتستمر المناقشة، من الذي سيتحسن حياته إذا قمت بأداء دورك على أكمل وجه فيقول أنا من الذي سيصبح عظيما أو لا من الذي سيصل إلى مركز مرموق في الحياة أو لا فيقول أنا فأرد لماذا لا تهتم بحياتك ولا تذاكر وتهرب من الدروس وتضايق أهلك بعدم سماع الكلام وأصدقاء السوء وأخذ المخدرات والبنات وسلوكيات كثيرة خاطئة أين وجودك في الحياة فنجده يسكت ولا يستطيع الرد.
ومثلا مدمن مخدرات أقول له لماذا ترضى أن تأخذ لقب مدمن ويتجنبك الناس ويحذرون أولادهم من الاقتراب منك وإذا ذهبت إلى فتاة تحبها لتخطبها وتتزوجها فيقول لك أبوها لا أزوج ابنتي لمدمن، فأين مسؤوليتك تجاه نفسك؟ فنجده يسكت وليس عنده رد. وتتعجبون عندما يقول مدمن لا أنا محترم وأصدقائي من الناس المحترمين والكل يقدرني فأقول له أن أصدقاءك الذين يقدرونك هم مثلك مدمنين.
الأب والأم يريدون مقابل تعبهم وتربيتهم لك، وهو في نظرهم، أن تكون طالبا مجتهدا تحصل على درجات جيدة ويكون لك مستقبل جيد ويريدون إنسانا ذا أخلاق جيدة يتعامل مع أهله باحترام لا أن يسبب لهم المشاكل كل فترة والمشكلة الكبرى أنه يفعل السلوكيات الخاطئة وكأنه لا يفعل شيئا خاطئا، أين المسؤولية تجاه آباؤك، أين مسؤوليتك تجاه نفسك عندما تكبر وتنتهي من الدبلوم أو الكلية ولا تعمل وليس معك حرفة، أين نظرتك لنفسك باحترام عندما تجلس على المقاهي وتأخذ من أمك أو أبوك ثمن علبة السجائر يوميا وتنام معظم اليوم وتؤذيهم بجلوسك بدون عمل ومعاملتهم بسوء وتتعلل بعدم وجود عمل.
وهنا تظهر سلوكيات الفاشل ومحاولة تبرير الفاشل لفشله ونضرب مثال أمامنا رجل أعمال تقدم للعمل لديه في الشركة شاب لا يزال في كلية ما وهذا الشاب تمت التوصية عليه وعند المقابلة سأل صاحب العمل الشاب ماذا تملك من مهارات وهل عندك لغة أجنبية أو أكثر وهل عندك خبرة في الكمبيوتر فأجاب لا فقال له صاحب العمل سأسألك سؤال ويا ليت تجاوبني عليه بصراحة لماذا سأعطيك مرتب وأنت ليس عندك مهارات والمفروض نظير عمل تقدمه للشركة وليس لجمال عيونك فاذهب وتعلم لغات وتعلم كمبيوتر وإدارة أعمال ثم تعال وستجد وظيفة مناسبة.
ومن هذا المثال نفهم أن سوق العمل هذه الأيام اختلف عن سوق العمل سابقا وأن سوق العمل هذه الأيام لا يعتمد على الشهادة فقط، نعم الشهادة لابد منها وهي البداية ولكن يجب أن يكون معها أشياء أخرى مثل أكثر من لغة والكمبيوتر باحترافية وإدارة الأعمال أو يكون ذا حرفة يدوية ما أو مهارة (المثل القديم يقول :- من له صنعة لا ينضام أي أنه سيعمل بحرفته في أي مكان وأي ظروف ولن يمد يده للناس في أي لحظة)، بدلا من التحسر على عدم وجود عمل ومع الأسف الشديد ما زال شباب كثير جدا عندنا مازالوا مصرين على أن يصلهم العمل إلى أماكنهم وهم ما زالوا في التفكير القديم ولذلك تجد كثيرا من العاطلين والجالسين على المقاهي وهم لا يملكون مقومات العمل.
ثقافة قيمة العمل المندثرة في حياتنا:- قيمة العمل وكيف أنه يحمي الإنسان من الفراغ والحاجة لسؤال الناس, إحساس رائع أن يأكل الإنسان من عمله ولا يقول لأحد وكلني، رأيت أحد الشباب كنت معه في دولة عربية من حوالي 18 عاما وهذا الشاب خريج كلية تجارة ولا يفهم إلا في الحسابات وأبوه فلاح فقير وكان يقول أنه سافر إلى هذه الدولة ب 900 ريال في الشهر فكل من حوله استغرب وقال له كيف أن هذا المبلغ لا يكفيك فقال أب كان فقيرا ولا أجد ثمن القميص فسافرت على هذا المبلغ حتى لا أقول لأبي هات وأنا الآن أستطيع شراء متطلباتي، وظل يعمل بجد واشتهرت أمانته وأخلاقه زاد مرتبه زيادة كبيرة وبعد مدة أصبحت له شقة مستقلة ويدخر من النقود الكثير، فهذا الإنسان عنده إحساس بقيمة العمل وإحساس بأنه يريد أن يأكل من عمل يده وسافر بعقد بسيط ولم يسافر بطريقة غير شرعية فانظروا إلى المستوى الذي وصل إليه، قيمة العمل هذه اختفت من حياة معظم شبابنا فيا ليت ينتبه الآباء والأمهات والمدرسين إليها.
وهناك فئة أخرى هي فئة الحرفيين أي أصحاب الحرف وفئة أخرى هي فئة العمالة التي لا تملك تعليم أو حرفة وهل تذكرون مسلسل لن أعيش في جلباب أبي وعبد الغفور البرعي وكيفية صعوده من الصفر إلى التاجر الكبير. فجميع من يعمل يعلم أن الكل يبدأ صغيرا ثم يكبر ولابد أن يتعب في بداية حياته ليصل إلى فترة الثبات المادي في الحياة ولابد من الصبر لتكوين الاسم ذو الشهرة وأنه من المهم أن يبدأ الإنسان في العمل حتى لو كان صغيرا فسيكبرP
وهناك مثل دائما أضربه:- وهو الشاب الذي ذهب للعمل في الساحل الشمالي بعيدا عن أهله بمرتب 200 جنيه وهو يعلم أنه مبلغ لن يكفي مواصلاته ولكنه قبل لكي لا يقول لأبيه هات وعمل فرد حراسة في أحد الأماكن ولم يكن يسافر إلى بلده لتوفير المواصلات وقام بعمله على أتم وجه وعندما رأى أحد رجال الأعمال همته وأخلاقه الحسنة وحسن تعامله طلب منه أن يعمل معه ومع الوقت ازدادت ثقته فيه بل ورفعه إلى السكرتير الخاص به وأشركه في التجارة معه فهل تتخيلون الدرجة التي وصل إليها هذا الشاب. المهم أن يبدأ الإنسان لا أن يجلس مكانه ليصله عمله حتى عنده والأمثلة كثيرة لا تحصى لنجاح شباب حولنا في مجتمعنا.
فأين مسؤولية الإنسان تجاه حياته عندما يستقل مركب توصله إلى دولة ما وهو يعلم تقريبا أن 50% قد يصل و50% قد لا يصل ويغرق أي يعلم أنه ممكن أن يموت فهل فقدان الروح سهلة؟؟؟ ولماذا يأخذ أطفاله معه ليموتوا فأين المسؤولية إذا حتى هانت عليه نفسه فكيف يعرض أطفاله للخطر، ويعلم أيضا أنه من 50% وصول ممكن أن 50% يدخل هذه البلد و50 % قد يتم القبض عليه ودخوله السجن لمخالفته شروط الدخول لهذه البلد وحتى إذا دخل هذه البلد فهناك 50% يعمل و50 % لا يعمل ويتم ترحيله وبعد ذلك إذا عمل سيغسل صحون أو يعمل في جمع الثمار في أي مزرعة فلماذا لا يجتهد ويبحث عن سوق العمل ومتطلباته.
أين مسؤولية الآباء تجاه الأبناء وتربيتهم فأصبحت مهمة الآباء والأمهات الأساسية هي حصول ابنهم على الدرجة بأي وسيلة فأين تكوين شخصية الابن وجعله يتعلم الاعتماد على النفس وسأضرب لكم مثلا لأب حاول تعليم ابنه المسؤولية من صغره فعندما كان الابن 9سنوات قال له الأب ستسافر إلى الإسكندرية لتحضر لي بعض الطلبات من تاجر معين وشرح له المكان في محرم بيه وكيف أنه حجز له تذاكر القطار ذهاب وإياب وسيجد الشخص بداخل المحل ينتظره وسيسلمه بضاعة يحضرها، وهنا صرخت الأم خوفا على ولدها ورفضت ذهابه فنهرها الأب وهددها، وفعلا سافر الابن وعاد وقد أتم المهمة وكانت المفاجأة عند الأم عندما علمت أن الأب كان مكلف شخص لمراقبة الابن طوال الرحلة حتى لا يحدث له مكروه وهنا كان هدف الأب تكوين شخصية الابن واعتماده على نفسه وفي نفس الوقت كان خائفا عليه.
أمثلة لأخطاء التربية فعندما يتعود الطفل أن كل شيء مجاب وعندما يصرخ الطفل في الشارع يريد شيئا معينا في الفاترينة لأي محل يحضره له الأهل فورا والأصل أن لا يحضره له الأهل ويتم التنبيه عليه كثيرا أنه إذا صرخ في الشارع لطلب شيء فإنهم لن يحضروه وأنه يجب أن يتعود على الطلب حين يعود إلى المنزل، وعندما تأتي الأم بابنها في الإعدادي أو الثانوي إلى العيادة لأنه لا يذاكر ويهرب من الدروس ويتضح أنه مدمن مخدرات من زمن بعيد وأنها كانت على علم بأنه يأخذ مخدرات ولكن لم تتحرك لعلاجه إلا لما أصبحت دراسته سيئة ويهرب من الدروس ويرسب في الامتحانات وكان الأولى أن تتحرك من بداية أخذه للمخدرات، والمخدرات مثلها مثل أي سلوكيات خاطئة من كذب وسرقة وخداع وعلاقات خاطئة مع بنات أو شباب.
أين مسؤولية الآباء والأمهات في تربية الأبناء وتوجيههم ويكونوا قدوة حسنة لهم. حدث أمامي ذات مرة عندما كنت أشتري بعض الفاكهة، وكانت إحدى الأمهات معها بنتها تقريبا 5 سنوات وتقف وتشتري تين وبعد ما اختارت التين وزنه لها صاحب المحل ودخل صاحب محل الفاكهة إلى داخل المحل لإحضار الفاكهة التي أريد أخذت البنت تينة من الفرش ووضعتها في كيس التين وأمها تنظر إليها ولم تقول لها أمها شيئا أو تنهرها وهنا لم أستطع السكوت فقلت للأم هذا غلط وكده البنت ممكن تسرق أي حاجة وممكن تسرق من زمايلها لما تدخل المدرسة فما كان من الأم أن صرخت في وجهى وأنت مالك فقلت لها أنا أقول النصيحة فقط وبعدت عنها، ما رأيكم في هذه القدوة الجميلة.
أين مسؤولية البنت تجاه نفسها وتجاه أسرتها والمجتمع عندما تتعرف بشاب في الحرام وتخطئ معه والزواج العرفي المنتشر بين الشباب فما الذي استفادته البنت من تدمير نفسها عندما يمزق الشاب الورقة العرفي ويقول لها روحي والقلب داعيلك ويتنصل منها ومن الطفل الذي في بطنها وتدمير أهلها عندما لا يستطيع الأب رفع عينيه أمام الناس في الشارع عندما ينتشر خبر خطأ ابنته وتدمير طفل قادم لا تستطيع أن تكتب اسم أبوه في شهادة الميلاد ولا تستطيع استخراج شهادة ميلاد له أصلا وتبعات ذلك من عدم تعليمه.
مسؤولية الكلمة ويا لها من مسؤولية!! أتدرون ما معنى كلمة رجل؟؟؟ وليس ذكر فالرجولة غير الذكورة، فصفة الرجولة لابد أن يكون فيها صفتان أساسيتان هما تحمل المسؤولية وأن يكون الشخص على قدر كلمته أي لا يرجع في كلامه ولا يرجع عن وعد قطعه أو اتفاقية قالها ولا ينكر أنه قالها ويتحمل تبعات ومسؤولية كلمته، وأيضا الالتزام بالميعاد فإذا اتفق على ميعاد يلتزم بالحضور في الميعاد المحدد بالضبط وإذا حدث له أمر طارئ سيؤدي إلى تأخيره أو عدم حضوره فليتصل بالشخص الذي ينتظره ويخبره أنه حدثت ظروف أدت إلى تأخيره أو عدم حضوره ويتفقان بعد ذلك على موعد آخر وليذهب هذا الشخص المنتظر لمصلحة أخرى.
أما الذي يحدث كثيرا عدم حضور الشخص للموعد ولا يعتذر بالموبايل ليذهب الشخص الآخر إلى قضاء مصلحة أخرى، أو يحضر بعد الموعد بفترة ويترك الشخص الآخر ينتظره ويؤدي إلى تأخير مصالحه، وكثيرا ما يحدث أن يتحدث شخص مع آخر ويطلب منه طلبا ولا ينفذ الشخص الآخر الطلب برغم موافقته عليه وأنه سيقوم به مما يعطل الطرف الآخر وعندما يتقابلان وكأن لم يحدث شيء ولم يوعده بشيء بلامبالاة، وكان الأولى والأجدر أن يقول لن أستطيع عمل هذا الأمر ولا يحرج نفسه أو يعطل الآخر.
المسؤوليات كثيرة والكلام عنها كثير وهذه أمثلة فقط وهذا يتيح لنا التفكير وتطبيق المسؤولية في جميع خطوات حياتنا.
نصائح في سطور:
**** للآباء
- عود ابنك على الاعتماد على النفس فمثلا عود ابنك على الاستيقاظ بنفسه من صغره.
- علم ابنك أن يذاكر لنفسه وليس لك ولا تدعه يضغط عليك بعدم المذاكرة.
- علم ابنك أن الحياة لا تعطي كل شيء.
- علم ابنك ثقافة العمل وأهميته وأنه حفظا لماء الوجه من الاحتياج إلى الناس.
**** للأبناء
- ادرس سوق العمل جيدا وتعلم اللغات والكمبيوتر وإدارة الأعمال أو أي حرفة وستجد الوظيفة تطلبك ولست أنت من تجري ورائها.
- انجح من أجل نفسك ولا تعبأ بآراء الآخرين عنك فطريق نجاحك قد يعرقله الفاشلين.
- افعل ما تراه صائبا ويرضي الله سبحانه وتعالى ولا تنتظر النتائج.
- حياتك أمامك فارسمها كما تشاء في حدود المتاح.
- التعامل مع الواقع أفضل من التذمر منه.
نقلاً عن: جريدة البلاد لشهر أكتوبر 2016
واقرأ أيضاً:
دور الآباء في تطور شخصية الأبناء / كراهية الأبناء للآباء / التوتر وفن تربية الأبناء / الاهتمام بأماني وأحلام الأبناء / عقوق الأبناء