لم يدر بخلد الفنان الراحل سيد مكاوي، حين صدح بأغنيته الخالدة «الأرض بتتكلم عربي»، أن مصير العروبة سيصل إلى هذا الابتذال، إذ عبرت دمشق عاصمة العروبة والممانعة ودعم المقاومة -كما يزعم نظام الأسد-، عن خذلان كبير للممانعة والعروبة على حد سواء، عبر تدشين وكالة الأنباء السورية لصفحتها بالعبرية، لغة العدو الافتراضي إسرائيل، وما سبقها من تدشين وكالة الأنباء السورية باللغة الفارسية لغة الحليف المعلن إيران.
وبعيداً عما يحصل على الأرض في سورية، ومدى دموية الواقع على الأرض، وإجرام النظام بمختلف الأسلحة، فقد أولى نظام الأسد اهتماماً منقطع النظير لحملات العلاقات العامة، وتحسين صورته لدى الغرب تحديداً، وللعلاقات العامة مثل كثير من المفاهيم في العلوم الإنسانية تعاريف عدة، ولو أخذنا مثلاً تعريف العلاقات العامة في قاموس أوكسفورد إذ يرى أنها: «هي الفن القائم على أسس علمية لبحث أنسب طرق التعامل الناجحة المتبادلة، بين المنظمة وجمهورها الداخلي والخارجي؛ لتحقيق أهدافها، مع مراعاة القيم والمعايير الاجتماعية والقوانين والأخلاق العامة بالمجتمع»، ومن نافلة القول أن نستبعد الأخلاق من التعريف ما دمنا نتحدث عن نظام بشار الأسد.
والجمهور المستهدف في حال بشار الأسد، هو الجمهور الغربي والسوري والعربي تباعاً، فأما الجمهور السوري فلا حملات علاقات عامة تجدي معه، فقد انقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم له ثأر ودم مع نظام بشار، ولن يقبل ما دام حياً، وقسم مرتبط وشائجياً بنظام الأسد، وهو جزء من النظام، إما بالمنفعة أو بالطائفة، ومن ثم يعتبر أنه وبشار في مركب واحد، والنجاة أو الغرق متلازمة، وقسم تأثر بنفحات العام الأخير من 2014، والتي جعلت شرائح عدة في العالم العربي ترى الأمن والاستقرار مقدماً على الديموقراطية، وأن الحرية لا تستحق الدم ثمناً لها، ومن ثم «خلينا على بشار قرداحة لا يجي اللي أقرد منه».
وعربياً لم يكن الجمهور مستهدفاً كثيراً من حملات بشار، ما عدا الشيعة العرب، ولكن التركيز الأكبر لحملات بشار الأسد كان للتأثير في الرأي العام الغربي ومنه الإسرائيلي، فنذكر منذ بدايات الثورة، إرسال بشار الأسد للبطرك اللبناني بطرس الراعي إلى البرازيل، وتصدير دعاية فحواها «أن نظام بشار الأسد هو الحصن الأخير للأنظمة العلمانية في الشرق الأوسط والحامي الأخير للأقليات»، وقد غذّى هذه الدعاية بمسرحيات منها انسحاب قوات الأسد من معلولا، والسماح لتنظيمات إرهابية بالدخول إلى معلولا وخطف 12 راهبة من دير في كانون الأول (ديسمبر) 2013.
وأسهمت الحملات التي قادها نظام الأسد غربياً، والنصائح التي قدمت له من شركات منها براون لويد جيمس الأميركية، إلى تحول الموضوع السوري إلى موضوع ذي أهمية دنيا لدى المواطن الأميركي، وإسرائيلياً كان رامي مخلوف واضحاً منذ البداية بأن النظام السوري هو الحامي للحدود الإسرائيلية. وفي أبسط درجات محاولة فهم الأسباب خلف إصدار وكالة الأنباء السورية صفحتين باللغتين الفارسية والعبرية، فيتضح أن هذه الخطوة هي محاولة للوصول للجمهور الإسرائيلي والإيراني وبلغة مختلفة، مدركين أن لغة معينة في مخاطبة المواطن الإسرائيلي، ستدفعه إلى الضغط على حكومته، ومن ثم الضغط على الحكومات الغربية لإبقاء الأسد، باعتباره الحارس الأمين لحدود إسرائيل، والمؤجر بالمجان لهضبة الجولان، كمهر بقاء له كما كانت لأبيه من قبل.
أما الذهاب لإصدار وكالة الأنباء السورية لصفحتها بالفارسية، تزامناً مع احتفالات عاشوراء غير المسبوقة في دمشق، فهي رسالة إلى الشعب الإيراني طائفية المحتوى، تقول لهم بأن عاصمة الأمويين السنية على مر التاريخ، أصبحت بفضل توافد المقاتلين الشيعة من إيرانيين ولبنانيين وعراقيين وأفغان، حصناً للشيعة وفتحاً جديداً للإثنى عشرية تحديداً، وأن دعم طهران لبشار الأسد، هو ما جعل سورية تابعة للولي الفقيه، ومنح الإيرانيين نافذة على البحر الأبيض المتوسط، فلا تحزنوا إن متم من الجوع أو القمع فذاك فداء لحلم الإمبراطورية الإيرانية، والتي يمثل صمود سورية حجر الزاوية فيه.
واقرأ أيضا:
شيزلونج مجانين الأرض بتتكــلم عــربـي / مأساة العراق (منذ قيام الدولة الحديثة)