الحمل فترة حرجة في حياة المرأة وله علاقة بالصحة النفسية في جميع المراحل. هنالك أيضاً أبعاد ثقافية واجتماعية وسياسية تلعب دورها في حمل المرأة وعلى الطبيب النفسي مراعاة هذه الأمور في ممارسته العملية.
منع الحمل
مضى أكثر من نصف قرن من الزمان على استعمال حبوب منع الحمل في العالم ولعبت هذه الثورة الطبية دورها في جميع المجتمعات. ورغم أن هذه العقاقير أصبحت شائعة الاستعمال في كل بقعة على الأرض ولكنها لا تزال مصدر نقاش اجتماعي وديني ولا تلاقي ترحيب الفاتيكان.
كارل جيراسي Djeraasi كان يكره لقبه العالمي أب حبوب منع الحمل طوال عمره.
رحل مع والديه من النمسا هرباً من النازية وبدأ يدرس الطب كوالديه وفي النهاية لم يعشق غير الكيمياء وكره الطب. اكتشف أول مضاد هستامين Histamine وعمره ٢١ عاماً وأول فحص للكشف عن مواد الأفيون في الإدرار والحد من تكاثر الباعوض دون قتله ولكن ضربته الذهبية كانت حين نظر إلى تركيبة هورمون البروجيسترون وقرر تبديل ذرة كاربون بذرة هيدروكسيدOH وأطلق عليها اسم البيضة الجديدة وبالفعل استلمها غيره وصنع حبوب منع الحمل ولكل حبة تم بيعها فيها رصيد له.
كان ينادي بتعدد الزوجات مزواجاً مطلاقاً وتغير مسار حياته بعد انتحار ابنته ١٩٧٨. بعدها توجه نحو جمع التحف ودراسة الأدب مع العلم وأبدع في ذلك. حين رحل ترك أحسن التحف للمتاحف.
إلى رحمة الله الواسعة
ازدحمت النشرات العلمية الطبية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات بمقالات حول الأعراض الجانبية لحبوب منع الحمل. مع زيادة استعمال هذه العقاقير وتوازن مكوناتها الهرمونية يمكن القول الآن بأن هناك إجماعاً طبيا بأن دورها في الاكتئاب والقلق يكاد يكون معدوماً6. هناك الأقلية من النساء يشكين من أعراض اكتئابية بسببها ولكن حتى هذه المجموعة تحبذ الاستمرار في تعاطيها والقليل من النساء من تقرر وقف استعمالها كلياً.
تتولى مراكز أو عيادات تنظيم الأسرة وصف هذه العقاقير وتثقيف النساء حول استعمالها وأعراضها الجانبية على المدى القريب والبعيد.
يتم استشارة الطبيب النفسي حول تفاعل بعض العقاقير المستعملة في علاج الاضطرابات النفسية مع حبوب منع الحمل. بعض العقاقير تثبط والبعض الآخر تزيد من فعالية أنزيمات الكبد وبالتالي قد يؤثر ذلك على تركيز حبوب منع الحمل في الدم. حدوث الحمل بسبب هذا التفاعل يتم إسقاطه على إهمال الطبيب في عدم الاستفسار عن استعمال المرأة لحبوب منع الحمل ويمكن تطبيق ذلك على بقية العقاقير مهما كانت حتى التي يستعملها المريض ويحصل عليها من الصيدلية بدون وصف طبية.
يتصور بعض الأطباء هذه الأيام بأن مهمة تدقيق العقاقير التي يتعاطاها المريض تقع على عاتق الصيدلي ولكن المسؤولية القانونية لا يتحملها سوى الطبيب ويجب مراعاة ذلك. ليس هناك أفضل من إعلام المريض من ضرورة جلب جميع العقاقير التي يستعملها (او وثيقة تعكس ذلك) قبل وصوله إلى عيادة الطب النفسي.
العقاقير عموما يمكن تصنيفها إلى مجموعتين:
٠ محفزة لأنزيمات الكبد
٠ مثبطة لأنزيمات الكبد
الأولى هي التي تسبب المشاكل مع حبوب منع الحمل والثانية لا أهمية سريرية لها. الكثير من العقاقير المضادة للاكتئاب والذهان نقع ضمن المجموعة الأولى نظريا ولكن فعاليتها في خفض تركيز حبوب منع الحمل في الدم ضئيلة ولا أهمية سريرية لها. ولكن يستثنى من ذلك عقار الكارباميزبين أو التجرتول الذي هو أصلاً عقار مضاد للصرع يكثر أطباء الصحة النفسية من وصفه في اضطرابات الاكتئاب والثنا قطبي. استعمال هذا العقار يستوجب اللجوء إلى حبوب منع الحمل القديمة والتي تتميز بتقارب كمية الأستروجين Oestrogen والبروجيسترون Progesterone فيها مقارنة بحبوب منع الحمل الحديثة التي تتميز بزيادة نسبة البروجيسترون.
الإجهاض
الإجهاض معضلة قانونية ودينية واجتماعية وسياسية في غاية التعقيد. ليس هناك معركة انتخابية في الولايات المتحدة لا تتطرق إلى رأي هذا المرشح أو ذاك في الإجهاض الطبي. هذا الموضوع لا يشغل بال بقية الحضارات الغربية.
الخريطة أدناه توضح شرعية الإجهاض الطبي الاجتماعي في العالم. اللون الأخضر يشير إلى عدم شرعية الإجهاض قانونيا ويستثنى من ذلك سلامة صحة الأم الجسدية. ولكن كيف تعرف صحة الأم الجسدية فهذا بحث آخر ولا تتطرق إليه التعليمات بوضوح ويتم ترك هذا التعريف للجهات الطبية.
أما اللون الأصفر فيضيف إلى شرعية الإجهاض حالات خاصة مثل الاغتصاب، واللون الأحمر إلى جوازه لأسباب اجتماعية أو حماية الصحة النفسية للأم. يأتي بعد ذلك اللون البنفسجي الذي يشير إلى الشرعية المطلقة.
الحقيقة هي أن ليس هناك بلداً في العالم لا يعطي الشرعية للإجهاض بصورة مباشرة أو غير مباشرة والحصول على الموافقة الطبية لإجراء الإجهاض في جميع بلاد العالم ليس بالأمر العسير.
أما حديث بعض رجال الدين الإسلامي عن نفخ الروح في الجنين بعد 120 يوماً من الحمل وجواز الإجهاض في تلك الفترة فهو يتناقض مع الحقائق العلمية.
لم تتغير قوانين الإجهاض منذ فترة طويلة ولكن الحد الأقصى لعمل الإجهاض الطبي بدأ يتقلص بعد التطور الطبي الذي يشهد إمكانية الحفاظ على حياة المولود الجديد الذي لم تتجاوز مدة حمله 28 أسبوعاً. هذه الأيام لا يجوز إجهاض الجنين بعد فترة حمل تجاوزت 24 أسبوعاً وربما سينخفض هذا الرقم في الأعوام القادمة.
معظم عمليات الإجهاض تتم خلال الثلث الأول من فترة الحمل وأحيانا في الثلث الثاني. يتطلب الإجهاض أحيانا وثيقة طبية من طبيب عام أو نفسي لتثبت بأن الحمل أو الأمومة قد تؤثر على صحة المرأة. قد لا يقوى الطبيب النفسي على توثيقها بسبب مبادئه الإنسانية والدينية وعليه إحالة ملف المريضة إلى طبيب آخر.
الغالبية العظمى من النساء تمر بفترة حداد بعد الإجهاض يتم تجاوزها بعد 3 – 6 أشهر ولكنها أحيانا قد تتطور إلى نوبة اكتئاب جسيم. تشعر بعض النساء الحاجة إلى الحديث عن تجربتها مع معالج نفسي أو ممرضة ومن خلال جمعيات تعنى بهذا الأمر. ولكن هناك من النساء من تشعر بالذنب طوال العمر من جراء هذه التجربة القاسية.
ويتبع..............: الصحة النفسية في الحمل والولادة والرضاعة2
واقرأ أيضًا:
من ثقافة التجميل إلى آفاق الجمال / مقاييس باربي في الميزان / استعباد النساء Subjugating Women / أ.ر.ق النساء: الرغبة الجنسية قاصرة النشاط في النساء