لم يعد الحديث الآن في أمريكا عن تطرف ترامب أو عنصريته فقد دخل على الخط الآن علماء نفس من الوزن الثقيل يتحدثون صراحة عن أن الرئيس مريض نفسيا وأنه يندرج تحت تشخيص "النرجسية الخبيثة"Malignant Narcicism وقد صرح بذلك أحد أعلام علم النفس في جامعة جونز هوبكنز وهو البروفسير جون جارتنر John D. Gartner وكان التصريح للـ US News .. وقد كسر بذلك هذا العالم قاعدة مهنية تسمى Goldwater Rule وهي تقضي بعدم إطلاق تشخيص طبي على شخصية عامة دون فحص هذه الشخصية بشكل مباشر وبإقرار منه.
وقد وضعت هذه القاعدة بواسطة الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 1964م حين تقدم للترشح للرئاسة مرشحا يدعى Goldwater ورأى المتخصصون في الطب النفسي أن هذا الشخص مضطرب نفسيا ولا يصلح لمنصب الرئاسة، ولكن يبدو أن البروفيسور جون جارتنر خالف القاعدة المهنية نظرا لما استشعر من خطورة في سلوك دونال ترامب وأيضا لما ظهر من علامات اضطرابه في أحاديثه وتصرفاته ومن تاريخه المليء بالأحداث التي تؤكد ذلك الاضطراب.
وكان من المعتاد أن يعلق علماء النفس والأطباء النفسيين على السمات الشخصية والتوجهات السلوكية لبعض الشخصيات العامة من خلال اللغة اللفظية ولغة الجسد بهدف توقع توجهاته وأدائه حين يتقلد منصبا مهما ولكن دون وصم الشخصية بتشخيص مرضي محدد وهذا التزام بالقاعدة السابقة.
وقد ذكر جارتنر أن "النرجسية الخبيثة" لدى ترامب غير قابلة للشفاء، وأنها تختلف عن اضطراب الشخصية النرجسية، وطبقا لوصفه فإن ترامب مضطرب نفسيا وأن طباعه وحالاته المزاجية لا يسمحان له بأن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فسلوكه يظهر إحساس مرضي بالعظمة Grandiosity وسادية Sadism وعدوانية Aggressiveness وبارانويا Paranoia ونمط سلوكي مضاد للمجتمع Antisocial behavior pattern .
وقد كتب كاري بارون Carrie Barron عن النرجسية الخبيثة في مجلة وموقع Psychology today وذكر أن المصابين بهذا المرض لا يصلحون في منصب قيادي خطير مثل منصب رئيس الجمهورية فهم يشكلون خطورة كبيرة حين تكون بيدهم مقاليد الأمور، وذكر كاري بارون الخصائص التشخيصية للنرجسية الخبيثة كالتالي :
هذا الشخص لا يهمه إلا تحقيق أهدافه الشخصية ويذهب في ذلك إلى أبعد مدى، وقد يتمتع بالذكاء، وقد يكون أداؤه عاليا وقد يتقلد منصبا رفيعا، وحديثه ناعم ودافئ ظاهريا، وساحر، وقد يبدي تأثرا عاطفيا أو حتى يبكي، وهو يبدو متأنقا، وقد يبدو طيبا في ظاهره ودافئا في تعبيراته ويبدي حميمية زائفة وتعاطفا كاذبا، وقد تكون له علاقات واسعة ولكنها غالبا سطحية ومصلحية تنقطع عند أول منحنى تنقضي فيه المصلحة الشخصية. وهذا الشخص يمكن أن يكذب بسهولة، أو يتهم الآخرين زورا، أو يضخم الأشياء في صالحه، أو يخادع، أو يداهن، أو يسرق، أو يتهم، أو يلوم، أو يلوي عنق الحقيقة لكي يصل إلى مآربه ويبرر أفعاله وجرائمه.
ولأن هذا الشخص يكون مرموقا سياسيا أو اجتماعيا أو ماديا، ولأنه متمركز حول ذاته ومنفصل عن الآخرين فإنه لا يشعر بخطأ سلوكياته بل يعتبر نفسه ناجحا ومتألقا. وهو لا يهتم إلا بتحقيق أمانيه الشخصية، ولو لم تتحقق يصبح في حالة مرعبة وقد يضحي بأي شيء وأي قيمة في سبيل تحقيق أمانيه ولو على حساب الآخرين مهما كانوا، وهو يعلي رغباته التي تستهلك طاقته، لذلك يكون تفهمه ضئيلا لاحتياجات الآخرين وقد لا يشعر بوجودهم أصلا. والمصاب بهذا المرض يفتقد للشعور بالذنب، ودائما يلقي باللوم على الآخرين أنهم سبب كل المشاكل. وهذا الشخص يميل للتفرقة بين الناس على أسس عنصرية ومذهبية وطائفية، وهذا الميل يؤدي إلى حالات خطرة من الانقسام المجتمعي، وهو يوظف ذلك لصالحه.
وقد قام بعض علماء النفس في أمريكا بالمقارنة بين ترامب وهتلر ووجدوا أنهما يلتقيان في أمور كثيرة فهتلر استخدم النزعة العنصرية ليصل إلى القوة والسيطرة والتحكم وترامب فعل نفس الشيء، وهتلر كان يؤمن بالتطهير العرقي وترامب كذلك، وهتلر وعد بأن تكون ألمانيا عظيمة وسيدة العالم وترامب وعد بأن تكون أمريكا عظيمة وسيدة العالم، وهتلر اعتمد السياسة الفاشية ضد اليهود وترامب اعتمد السياسة الفاشية ضد المسلمين والمهجرين، وهتلر اتهم اليهود بأنهم سبب الشرور في ألمانيا والعالم وترامب اتهم المسلمون بأنهم سبب الشرور في أمريكا والعالم.
والآن تقف أمريكا في مفترق الطرق فإما أن تسلم قيادها لرئيس منتخب على الرغم من ثبوت اضطرابه النفسي بشهادات متزايدة من متخصصين لهم وزنهم في الجامعات الأمريكية فيقود البلاد إلى كارثة، أو أن تبحث عن مخرج دستوري وقانوني لكبح جماح هذا الشخص المضطرب أو إبعاده عن السلطة خاصة وأنه يمتلك مفاتيح أسلحة جبارة ويتحكم في الكثير من القرارات التي قد تسبب كوارث ليس فقط في النطاق الأمريكي ولكن في النطاق العالمي.
وهذا الأمر يعيد إلى الأذهان مرة أخرى الاقتراح الذي قدم منذ سنوات للجمعية الأمريكية للطب النفسي بضرورة الكشف الطبي النفسي على الرؤساء حيث ثبت أن كثيرين من القادة والزعماء والرؤساء على مستوى العالم عانوا من اضطرابات نفسية وكانوا سببا في كوارث محلية ودولية، ولكن السؤال يبقى:
ما هي الآلية التي تضمن هذا الكشف الطبي النفسي المحايد والنزية والمستقل عن أي سلطة محلية أو دولية .... هل يكون ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة وفي وجود قضاة دوليين، ولجان طبية مختارة بشكل معين بحيث لا تحابي ولا تجامل ولا تخاف .... هذا ما سيتبين في الأيام أو السنوات القادمة.
واقرأ أيضاً:
التحليل النفسي للشخصية الأمريكية2 / زملة هيوبريس أو متلازمة الغطرسة / الشخصيات المثيرة للجدل