زمننا المُعاصِر يكشف حقائق دَامِغَة كانت مُدَثَّرَة بأَرْدِيَة التَّضليل والافتراء والتَّمْوِيه والأكاذيب المُتَرَاكِمَة المُتَفَاقِمَة، فاليوم نعيش عالمًا لا ينستر فيه شيء مهما اجتهد أصحابه المُنْتَفِعِين منه إذ سقطت الأقنعة والباروكات والحجابات والأستار، وأصبح مجرَّدًا من الثياب والتزويقات.
وواقعنا انكشف على حقيقته بما فيه وما عليه، وتَبَيَّن أن الحركات والأحزاب وما شابهها من صنع الآخرين الذين يستثمرون بأبناء الأمة المُغَرَّر بهم والمُضَلَّلِين لإقامة هذا الحزب أو الحركة أو الثورة أو نظام الحكم، فلا يوجد أصيل في مجتمعات الأمة بأقطارها ودولها وأوطانها.
فما يحصل من صنع الآخرين، وبعبارة أوضح مُسْتَوْرَد ومُعَبَّأ بصيروات متنوعة وبأغلفة جذَّابة تخدم المصالح المطلوبة والتَّطَلُّعات المحسوبة... والشعارات البرَّاقة والانتصارات العنترية والخطب الرنانة أكاذيب وخِدَاعات لامتهان الناس وسَوْقِهِم إلى سَوْح الوَغَى والويلات بإرادتهم المُبَرْمَجَة لتنفيذ الأجندات وهم في غفلتهم يعمهون.
لا توجد أحزاب وطنية أصيلة في مجتمعاتنا مهما ادَّعت وتبَجَّحَت وأنجزت وقالت وفعلت، فكلها صناعة الآخرين الذين يُدَرِّبُونها ويُجَهِّزُونها ويُمَوِّلُونها ويتَعَهَّدُونها بالرعاية والحماية حتى ينتهي دورها فيَدُوسُونَها بأقدامهم أو يُلْقُونها في سِلَال المهملات بعد أن فقدت صلاحيتها للاستعمال.
وهذا التَّعَرِّي يُفَسِّر لماذا سَبَقَنا من كان وراءنا بعقود عديدة، فنحن أول الأمم التي نهضت قبل الحرب العالمية الأولى، وانطلقنا مع ثورة محمد علي في مصر، لكننا أَمْعَنَّا بالتراجع، وما تواصلنا كما تُوجِبُ إرادة التحقق والرقاء، فأصبحنا وراء مَن كان خلفنا، ولا نزال نتعَثَّر ونتصارع فيما بيننا، ولا يمكن تفسير ذلك بقناعة وسببية منطقية معقولة إلَّا بتنفيذ أَجِندات الطامعين بنا.
ولا يوجد تفسير آخر مهما اجتهد أصحابه ليأتونا بجوابٍ مُقْنِعٍ، فلكل عِلَّة دواء تُسْتَطَبُّ به، ولكن الطبيب عَلِيل، فكيف يمكن التطبيب؟!.. فالعِلَّة فينا أو في أنظمة حكمنا المَحْقُونة بأمصال التَّعادي والانكلاب ضد بعضها، فهي تُكَشِّر أنيابها، وتَنْشِب مَخَالِبَها في وجوه بعضها، وتتَشَكَّى وتُوَلْوِل وتَتَبَجَّح وهي الفاعل والمفعول به!.
واقرأ أيضاً:
التراث العلمي العربي المطمور / القوة دستور وقانون / التوالد والتخامد والعقل الواعد