أريد أجوبة...
كنت معجبة بشخص كان لطيفا معي لم يحدث شيء بيننا سوى تبادل بعض الكلمات والضحكات وما تبقى مجرد خيالات اخترعتها وعشت معه فيها لأكثر من أشهر علماً أن هذه المرة الأولى التي أسمح فيها لنفسي بالتوهم والأحلام لهذه الدرجة والتفكير بعاطفية بدعوى الحب وما يخيفني ويحزنني هو أنني كنت مستعدة للتنازل بكل سرور عن كثير من الأشياء لو تحققت أحلامي وتزوجني لكن للأسف علمت حديثاً من أحد المعارف أنه مرتبط وسيخطبها قريباً فشعرت بالخيبة الشديدة وكأنه خانني وأحسست بالاشمئزاز والخجل من نفسي ومن أوهامي وحتى من بعض كلماتي وضحكاتي التي لم أكن لأقولها مع غيره.
لا أعرف كيف سأتجاوز ذلك أريد فقط أن أتوقف عن التفكير به طول الوقت كيف أفعل؟؟
وأريد أيضا أجوبة عن الأسئلة التالية:
-ما هي كيفية التعامل الصحيح مع الجنس الآخر؟وهل يمكن إقامة علاقة صداقة بريئة بين الجنسين؟
- كيف أتجاوز الندم والذكريات الأليمة في طفولتي وحاضري وأثق بنفسي وبالآخرين وما يسمونه الحب والمشاعر بطريقة سليمة بدون إفراط ولا تفريط؟
وأقصد بذكرياتي الأليمة وباختصار شديد أنني لم أحظ بأسرة حقيقية فبدل أن يكون الأهل الملجأ والسند والبنائين والمعينين لأولادهم كانوا عكس ذلك.
-ما الذي يجب أن أتعلمه وأطوره في نفسي قبل أن أتزوج؟ هل من نصائح أو كتب؟
-أشعر أحيانا أنني أخاف النجاح وتحمل المسؤوليات كيف أتخلص من هذا الشعور الذي يدفعني للتراجع رغم اقتناعي بأنني أستطيع تحقيق الكثير لو سمحت لنفسي بذلك؟
شكرا لكم على جهودكم في هذا الموقع
وأتمنى أن أحصل على إجابات مساعدة بأقرب فرصة.
25/11/2018
رد المستشار
السلام عليكم الأخت "تسنيم"، وأهلاً بك وبأسئلتك المهمة على موقع مجانين.
قبل أن أجيب عن أسئلتك التي تتعلّق بالحب، يجب أن نتحدّث عن الحبّ وطبيعته وتصوراته عندنا.. فغالبا ما نصفه بالحب هو مشاعر قوية اتجاه شيء ما، لا نعي بدوافعها ومسبباتها. وإليك جزءً من مقال كتبتُه عن الحب وطبيعته:
"[...] للتعلق دوافع كثيرة يجهلها أصحابه (وهذا من تبعات جهلنا بأنفسنا وتعاملنا بعشوائية وانفعالية مع عوالمنا الداخلية) فمثلًا، لما تتحول الحاجة للأمان والاحتواء (سواء مادي أو معنوي) إلى مشاعر مختلطة ومبهمة، قد تفسّرها المرأة على أنّها حب... بسبب ضعفها في تلك المرحلة وحاجتها لمن يقف بجانبها.
عندما تكون الشخصية اعتمادية جداً (حتى على المستوى العاطفي) تبحث عن تقديرها في الآخر، وفي مواساته كنوع من التوازن والدعم الخارجي لنفسيّتها المهتزّة. فتشعر أنّ اعتمادها على نفسها كارثة وفقْد ووجع.
عندما تفتقد الأنثى للحنان والحضور الذكوري في طفولتها (في اليُتم مثلا)، تكون أكثر ميلاً وأسهل تعلّقا بالرجال من غيرها.
عندما يمر شاب بمرحلة اكتئاب وفراغ وتكون ثقته في الحضيض، ثم يتعرف على فتاة تتفهمه وتقبله كما هو وتشجعه يتعلّق بها لأنها سدّت حاجياته وجاءت في الوقت المناسب.
بل إن كثيراً من حالات الحب والتعلّق ما هي إلا حرب لإثبات الذات أو الانتقام، بعد أن رُفض الشخص، فاعترافه وتراجعه يضرب في ثقته في نفسه، فنجد مثلاً أن فتاة تريد أن ترتبط بخلفية "ردّ الاعتبار والغيرة من الأخريات" وهي لا تدري. محرّكها الأساسي "لماذا لم يقبل بي، لماذا هي ولستُ أنا".. فتبدأ حربا دونكشتوتية مؤذية مع نفسها.
وهناك حالات تملّك مرضيّة تحمل الإنسان على خنق محبوبه والاستحواذ عليه باسم الحبّ، يحسب أنفاسه ويريده كوكبا يدور حوله فيختلط مفهوم الحب بالتملك والقلق من رحيل الحبيب اختلاطا غريبا.
وهذا الارتباك والالتباس هو من أسباب برود العلاقة بعد قضاء النزوة أو تغير ظروف المحبّ واكتشافه "زيف الحب" أو بعد أن يعمل فيه النضج فيعرف طفولية تصوراته عن الحب.
[...] أردتُ فقط أن أشير إلى أن الجهل بهذه الأمور يجعل الناس تقدّس الحب وتجعله أعلى من إرادتهم وتعتبر عدم المساس به وعدم التشكيك فيه نوعا من "الفضيلة" والحفاظ عليه "حربا مقدّسة" والعذاب من أجله "شهادة"... مع أنّ التخلي عنه ومعالجة ذلك التعلق المرضي والوعيْ بدوافعنا ومكامن ضعفنا يجعلنا أكثر عقلانية وقدرة على التحكم في حياتنا ومساراتها لتجنّب العبث وحجم الهبَل الذي نسمعه باسم الحب والعشق.
[...] في حالات عدم الارتباط يجدر تفكيك هذا "الحبّ" وتخليصه من تلك الشوائب والعناصر الدخيلة عليه من أجل فهم أعمق للذات والأحداث، شوائب يكون التخلص منها بمثابة ذكاء ومهارة ونضج..." انتهى.
فأنا أتساءل معك هل الحب هنا عند له علاقة بسؤالك الثاني (أنني لم أحظ بأسرة حقيقية فبدل أن يكون الأهل الملجأ والسند والبنائين والمعينين لأولادهم كانوا عكس ذلك) ؟
ولاحظي أن القيمة التي نعطيها لصفة أو سمة معينة عند الآخر، هي التي تكون ذات أهمية في علاقتنا فقد قلتِ "شاب لطيف" وثمّنتِ هذه السمة أكثر من سماتِه الأخرى. فهل يعني أن هذا ما تبحثين عنه وافتقدته في علاقتك مع أسرتك ؟ كيف تتوقفين عن التفكير فيه... سأضيف هنا شيئاً آخر على ما قلت من المقال فوق، وهو أنّ احتقار النفس وارتباط التجربة مع تأنيب الضمير والشعور بالذلّ والخيانة والغدر..
هو ما يجعلك تفكرين في الأمر كثيراً، وهذا التفكير قد تعتبرينه دليلاً على حبّ لم يمُت ! مع أنها معركة لاسترجاع عزة النفس وفضيلة وطُهر تظنين أنّك فقدتهما، (ولم يحصل شيء حقيقة، إنما هو تصورك عن كرامتك المبالغ فيها) فالحل هو أن تتأملي أعماق نفسك وما يدفعك للتفكير فيه، ثم ما هي طبيعة تلك الأفكار؟ هل هي أفكار ذات طبيعة اجترارية تحاولين فيها إعادة المواقف والتصرف فيها بكرامة وعزة أو أنك تشتاقين له أو أنها غيرة من تلك التي حظيَت به .. وما إلى ذلك..
تصالحي مع التجربة وقد مرّت بسلام، بل لم يقع شيء أصلاً في نظري، سوى ما تجرّعته جرّاء تكسير وانهيار صورتك عن ذاتك وتلاشي إحساس الكرامة عندك. اعتبريها تجربة تعلّمت منها الكثير، وهي ثمن بخس لتعلم شيء مهم في الحياة بخصوص العلاقات وأوهام الحب. اعتبري أنك محظوظة عكس الكثيرات التي يضيع شرفهنّ ويُتلاعب بهنّ وتضيع حياتهن. فأنت رابحة لا خاسرة.
بالنسبة لسؤالك الأول، عن صداقة بريئة بين جنسين، قد تكون بريئة من جهتك لكنّ نسبة البراءة تقل في حقّ "الذكور"، فقد تجدين من يصادقك دون أن يسمح لنفسه بتجاوز الحدّ، لكن السؤال المطروح هنا، هل أنت الذي ستتجاوزين معه الحدّ ولو مع نفسك؟ ! لأن المفارقة العجيبة عند بعض الفتيات، أن التمنّع في حقهنّ يجعلهنّ أكثر تعلّقا ويكسّر دفاعاتهم وحذرهم واشمئزازهم من الرجال، وحتى إن أراد الرجل أن يوضّح لها الحدود بمعاملته البريئة له، فقد تقع هي تقرأ الرسالة مقلوبة. مع بقائي شكي بأن تجدي رجلاً لا يرى فيك "احتمالية علاقة جنسية". فهم قلّة تكاد تكون منعدمة.
فالحدود تكون حسب العقلية التي تتعاملين معها في مجتمعك ووسطك، فمن الرجال من يرى ابتسامتك وضحك معه علامة على أنّك "رخيصة" ومنهم من يرى ذلك شيئا عادياً، ومنهم من يرى أنّ تنازلك معه شيء خاص به، مع أنها أشياء من قناعاتك (كأن تساعديه أو تعزميه على أكلة وما شابه...) أنت من يجب تقييم تلك الحدود، واعلمي أن حركاتك وكلماتك لا تُقرأ بنفس code من قِبَل الرجال عكس قريناتك من النساء. وهذا بحكم العلاقة بين الذكر والأنثى. وغالباً وضع حدود واضحة وصرامة في التصرف مع الرجل الشرقي يعطي المرأة قيمة أكبر، لأن معظمهم قد يلهو وتعجبه شخصيته المتحررة أو الضحوكة، لكنه سيتّهم بأنك رخيصة غير مؤتمنة ! ولن يفكر بك إلا كمحطة لهو ومتعة في حياته.
أما سؤالك عن أسرتك، يجب أن تتوقفي عن تمني أسرة مثالية، تلك أسرتك في نهاية المطاف، لست مضطرة لحبهم ولا لبغضهم. اعتبريهم من واقعك تتعاملين معهم بقدر يؤدي إلى أقل درجة من الأذى لك ولهم. استغلي ظروفك الملائمة معهم وركزي على الإيجابيات لتطوري نفسك وتعدي نفسك أن تكوني زوجة وأمّا جيدة. ألمك يجب أن يبقى كوقود للتغيير والنضج وفهم ما حصل من أخطاء حتى لا تتكرر.
أما عن الحب دون إفراط ولا تفريط، إن كنت تودين أن تعيشي قصة حبّ قبل الزواج، ففيها من المخاطر ما فيها.. فلا شيء مضمون ولا حتى نظرة ذلك الرجل الذي ستحبينه دون علاقة مرضيّة فيتركك كما قلنا.
ولو كنت تودين أن تعيشي قصة حب مع زوجك المستقبلي أيام الخطبة فيجب أن تفكري أولاً في إمكانية كونه زوجك قبل أن تفتحي صنبور المشاعر. وإلا تأزّمت وشككت في كل رجل بعد ذلك وأعطيت لنفسك صفة حق الاستعلاء بدعوى أنك أقدر على الحب والوفاء منه ! فليس هناك سؤال تفريط أو إفراط قبل إتاحة فرصة ترتضيها أنت وعائلتك. السؤال قبل هذا هو: ما هو الحب وكيف أتصرف وأنا هائمة محبة ؟ ! ومن يستحق حبي وكيف هي صفاته؟
سؤالك عن التعلم، ثقفي نفسك في كل ما تستطيعين، اقرئي عن الحب بشكل علميّ وليس رومانسي وروائي حتى تخرجي من مثاليات وكذب الدراما إلى عقلنة العلم والحقائق، وتنزعين من الحب قداسته وهالته démystification ، حاولي فهم نفسك ودوافعها، حاولي التفكير بشكل نقدي في معايير زوجك المستقبلي، ومن أين أتيت بها، دون دروشة دينية مغلوطة (يكفي أن يكون متدينا كما تقول بعض المتدينات، وهذا خطأ !) ولا عقلانية ميكانيكية تطالبين بها برجل يحسب كل حركاته وكلماته، بين "مادية وشاعرية" (يجب أن يكون قادراً مادياً ومعنوياً ولا يغني أحدهما عن الآخر)
طوري من شخصيتك وعالجي اضطراباتك إن كانت (توكيدية ضعيفة، ثقة مهتزّة أو رهاب اجتماعي، قلق أو اكتئاب) حتى تكوني أفضل ولا تتشوّه أي تجربة عاطفية بإحدى هذه المشاكل، فلئن تواجهي هذه التشوهات وحدك أفضل وأيسر من مواجهتها في علاقة عاطفية ثنائية.
ثقفي نفسك أيضا في المواضيع الجنسية واخرجي من قوقعة المحافظة التي تعتبر الجهل فيها فضيلة، واخرجي أيضا من مستنقعات الكذب والدعاية الجنسية غير الواقعية. وكونك محافظة لا يعني أن تكوني جاهلة، فالمحافظة تكون في السلوك وليس في المعرفة والوعي بالمشاكل والإمكانات.
واعلمي أنّ المشكلة الرئيسية في التعامل مع الحب، وسبب انتشار أكاذيبه وحبّ الناس للدراما الخاصة به، هو أن البشر يتعاملون مع مشاعرهم وعواطفهم كدليل ملموس وقويّ على صحة خطواتهم وقراراتهم، مع أن هذا غير صحيح، بل يكاد ذا علاقة طردية، كلما زادت المشاعر وصارت أقوى، كلما كانت القرارات أكثر تحيّزاً وأقل منطقية وأكثر تجاهلاً للتبعات السيئة للقرار. لذا عندما "يصرعنا" الحب يجب أن نطرح على أنفسنا سؤالاً قبل ذلك السؤال الشهير "كيف يمكن أن ألتقي حبيبي في أقرب وقت ! " بل : "كيف أعرف أنّ هذا الحب صحيح وفي محله !".
أما عن الكتب سمعت أن كتاب "مثلث الحب" جيد في هذا المجال، واقرئي عن آليات الحب وإفرازاته في الجهاز العصبي، أبحاث وورقات علمية، اقرئي لأصحاب التجارب الواقعية وركّزي على التفاصيل المملة والتي لا تعكس ذلك الشغف والعشق في علاقات من حولك، فلما ترين فتاة تحب شابا، حاولي ألا تنساقي وراء جمال العلاقة وروعتها (لأن هذا يدغدغ مشاعر البنت غالبا) بل اهتمي بأشكال النقص التي تقبلها كليهما، وتأملي عيوبهما، حتى تعي أنه ما من علاقة كاملة، وما من شريك ربح كلّ شيء.
أما عن سؤالك الأخير عن التراجع والمسؤوليات لا يمكنني أن أفيدك فيه إن لم أعرف سبب ذلك بالتفصيل.
وتمنيّاتي لك بالتوفيق