كيف أتعامل مع والدتي وأريد معرفة أسباب تصرفاتها !
سأبدأ بسرد قصة والدتي التي تزوجت من والدي المريض بالفصام وهي لم تبلغ الرابعة عشر عاما تربت على يده بالضرب وتلقت عنف نفسي وشك مستمر وعزلها عن العالم الخارجي لسنوات طويلة...
مرت السنين وشفي والدي وتكيفنا مع مرضه والآن هو بخير لكن المشكلة أن والدتي التي كانت مهزوزة خايفة مرعبة ضعيفة أصبحت مع مرور السنوات إنسانة متنمرة غاضبة عنيفة متسلطة تفرغ ما بداخلها على والدي وهو الآن كبير في السن وضعيف مسالم ولكنها مستمرة بتقليل احترامه والصراخ عليه ولكن الأذى لم يصب والدي فقط بل أنا ابنتها الكبرى
تعيش دور المظلومة وأنها ضحية وأنني السبب في تعبها من الحياة! بلا ذنب مني! وليس هذا فقط بل تستمر بالدعاء علي أن تتدمر حياتي! وتعنفني نفسيا ولفظيا صراخ لا ينتهي لا أستطيع التفاهم معها أو الحوار بمنطق لمعرفة الأسباب وعندما أواجهها تتهرب وتصرخ! وتقول أنها تكرهني!
واجهتها مرارا وتكررا أن تعطيني أسبابا منطقية لكرهها لي وعدم احترامها ودعواتها المستمرة وطلبت منها أن تنسى الماضي وتعامل والدي معاملة حسنة وأنه كان إنسانا مبتلى لم يكن يعي ما يفعل ولكن تعطيني ردات فعل تجعلني أخضع بصمت تهربا من صراخها وإهانتها حتى أصبحت أتجنبها وأصمت وأكتم القهر بداخلي علما أنني أعاملها معاملة حسنة وكنت أجلس معها كثيرا ولكن لا أتلقى سوى ما ينفرني
أصبحت تسخر مني عندما أتحدث بلا سبب يدعو لذلك وتتجهم في وجهي وتغلق الباب بقوة عندما تراني وتنفعل علي حتى لو كان حديثا عاديا ومن ثم تقلبه لقصة ظلم وأنها ضحية ومتعبة مني!! إخوتي الذكور هم المفضلين لديها أتعجب تعاملهم أحسن معاملة برغم أنهم لا يحترمونها وتخاف من الرد عليهم وتكون كالطفلة الصغيرة أمامهم!
وتعطيهم جانبا آخر أما أنا أصبحت تعطيني جانبا مسيطرا ومتنمرا بإهانات وتعنيف لفظي وترمي علي كلمات تشكك فيها بقدراتي وتقلل من احترامي و تستفزني بما أكره علما أنني واجهتها أن تصرفاتها تؤذيني ولكنها تكررها مرارا وتكرارا ثم تبتسم ببرود وعندما أغضب تمثل أنني أنا المخطئة بحقها وتبكي أمام الذكور فتعجبت منها
وتقلدني في طريقة كلامي وملابسي وقناعاتي!!! نفذ صبري بدأت أتجنبها في المنزل ولكن الكتمان والقهر أثقلوا كاهلي أصبحت مرهقة ومستنزفة من صراخها المستمر والمزعج وتمثيلها الذي لا ينتهي واتهامها لي بظلمها كذبا واستفزازاتها المتكررة!!!
كيف أتعامل معها؟
وما مشكلتها ودافعها من هذه التصرفات الغريبة؟!
19/7/2019
رد المستشار
الابنة الكريمة:
نغفل كثيرا عن تأثير النظام الاجتماعي، والثقافة السائدة، ونذهب عندئذ إلى تحميل الأفراد مسؤولية المعاناة وحدهم!!
في حالة والدتك تم إلقاء فتاة لم تبلغ أي رشد عقلي، أو سن قانوني لتعيش مع فصامي لا يعترف أهله بمرضه –حينذاك- والفصام مرض ثقيل، وابحثي عن كتاب في سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية عنوانه : الفصامي... كيف نساعده : دليل للأسرة والأصدقاء!!
أي أنه كتاب كامل يتحدث عن فهم الفصامي، وكيفية معاملته، وأمك تحملت هذا وحدها لسنوات طويلة، وأنت كأنك تقولين: تلك مشكلة، وانتهت!!
معاناة الوالدة طوال سنوات تركت آثارا وحده الله يعرف أبعادها وأعماقها، والنظام الاجتماعي، والثقافة السائدة لديك هل يسمحان باستطلاع هذه الجراح، والآلام الدفينة؟! بل هل يسمح حتى بالفضفضة، والبوح، واستلام دعم ومساندة من المحيط، واعتذار مثلا ممن ألقوا بها بجهالة، وحسن نية في زنزانة الحياة مع فصامي حالته نشطة، ودون علاج!!
آثار معاناة الماضي تدوم، وتحتاج إلى علاج طيب..... بماذا يسمح النظام الاجتماعي المحيط بكما؟!
يسمح لها بالاستسلام لدور الضحية، والغرق في مشاعر الرثاء للذات، وضياع أحلى سنوات العمر، وتراكم الإحساس بالمهانة، وعدم الكفاءة، والتعاسة، ونهاية الحياة..... الخ
هذه المشاعر المقبضة من شأنها أن تنعكس على سلوكيات الوالدة الكريمة حاليا، ويملي عليها النظام الاجتماعي أن تكمل مسيرة الانكسار، وتهميش الذات لمصلحة النفخ في ذكور العشرة... حماة الحمى، وفخر الأم، وإنجازها في حياتها الماضية - بحسب الثقافة السائدة!!
إذن.. الوالدة تتحرك وتتصرف في إطار المتوقع والمتاح والسائد، ولا أظنها فكرت في بدائل، ولا أحسبها تجرؤ على مخالفة السائد أو النظام الاجتماعي المحيط!!
تأملي في سلوكك أنت، فهذا هو الأهم!!
في بلدك احتفاء بتعليم المرأة، وظهورها، وتشجيع المبدعات والمتميزات فأين أنت من التعليم؟! وأين أنت من ممارسة أنشطة الحياة؟ ودنيا عريضة متاحة لك الآن أكثر مما كانت متاحة لوالدتك في مثل عمرك!
هل عالمك هو بيتكم حيث أمك تنهرك وتقلدك، وتفضل إخوانك الذكور عليك، وصبرك ينفذ، وبالتالي تشعرين بالقهر، والاستنزاف، هل أنت واعية "باختيارك" الضيق هذا، وتوابعه؟!!
هل حدود عالمك هي جدران منزلك، وغاية المراد أن تتحسن معاملة والدتك لك فتعيشين في سلام!! لا أحسب الوالدة جاهزة لأي تغيير، وليست مضطرة وهي لم تخطو أية خطوة في حياتها إلا مضطرة!!! ولن تتغير البيئة المحيطة بها غالبا لا على مستوى الأسرة، ولا على مستوى المجتمع!! والاختيار أمامك إما أن تستسلمي للحياة داخل زنزانة مع أم متنمرة كما استسلمت أمك للحياة داخلها مع فصامي، أو تتمسكي بحقك في أن تعيشي حياتك أنت تعلما ودراسة، ونشاطا وإبداعا، ووقتها ربما تتغير نظرة أمك لك، ويتغير تعاملها معك.
أرجو أن تنفعك سطوري هذه، وسأنتظر متابعتك، والسلام