وسواس النجاسة: حديث وأحاول اسْتِدْراكه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... بدايةً أنا سعيدة جدًّا بوجود أُنَاسٌ مثلكم، لم أكن أتخَيَّل أبدًا أن أجد من يفهمنا ويحاول مساعدتنا والاستماع لنا بهذه الصورة الرائعة التي تقومون بها... جعل الله ذلك كله في ميزان حسناتكم.
في البداية، أظُنُّنِي في بدايات وسوسة النجاسة، وأحاول جاهِدَةً استدراكه كي لا يَتَطَوَّر، لكن مشكلتي الأكبر تَكْمُن في الجهل، فأنا لا أعرف الحكم الشرعي في أحيانٍ كثيرة مِمَّا يَجْعَلُنِي أُوَسْوِس بها، وإذا بحثت لا أجد كلامًا شافِيًا، أو أجد فتاوى لا أفهمها... وقد حاولت الاتِّصَال ببعض المُخَوَّلِين بهذه الأمور، منهم من استجاب وساعدني، ومنهم من لم يفهمني (أو هكذا أظن)، ومنهم من يُعْرِضُ عَنِّي.
بصراحة قرأت على هذا الموقع استشارات كثيرة قريبة مني، واستفدت منها، ولعَلَّ أكثر من قرأت له د. رفيف، ولهذا أَوَدُّ إذا تَمَّكَنت أن تُجِيبَنِي، وأتمنى من كل من يستطيع أيضًا الاطِّلاع على حالتي، وشكرًا... وأعتذر حقًّا عن التعبيرات الواضحة جدًّا التي سأستخدمها، لا أظن أنكم ستفهمونني إذا استخدمت كِنَايَات ومَجَازات.
بدأ كل شيء عندما أُصِبْتُ بسَلَسِ البول، ومع أنه ولله الحمد خفيف ولا يكون دائمًا، لكنه سبَّب لي تَغَيُّرات كثيرة... في البداية كان كل شيء طبيعيًّا حتى معه، وكنت أُخَصِّص ثيابًا للصلاة وثيابًا لباقي يومي ونومي، لكن مع الوقت بات الأمر صعبًا عندما تعلمت أشياءً جديدة، وبات الغسيل المُتَكَرِّر شاقًّا عليَّ... تعلَّمت عن سلس البول أكثر، وعَلِمْتُ بخصوص الحَفَائِظ الخاصة به، وكنت سعيدة جدًّا لِظَنِّي بأنَّ العَنَاء سينتهي حتى يكتب لي الله _سبحانه_ الشفاء، لكنني ومنذ اليوم الأول راودتني فكرة غريبة تطَوَّرَت لِتَشْمَل أيضًا طهارتي أيام الحيض _أكرمكم الله_.
1. المسألة هي العرق، فأنا أفكر دائمًا بأنَّ العرق (خاصةً إذا كان كثيرًا) ينتشر ويَنْشُر معه البول سواء إلى باقي جسدي المُحِيط أو إلى ثيابي، وتطوَّر الأمر بشكل مُؤْلِم ليشمل الحيض (العَرَق ينتشر ليَنْشُرَ معه هذه النجاسة، جسدي، ثيابي، فرشي، ما أجلس عليه!)؟ ومع أنَّ الأمر بخصوص الدمَّ أخَفُّ لأنني أرى اللون إذا انتشر، لكن البَوْل والصُّفْرَة والكُدْرَة تُدْخِلُنِي في دَوَّامَةِ النجاسة، خاصةً أن ما نَتَحَفَّظ به لا يكون ثابتًا (بالطبع يتحَرَّك يَمْنَةً ويَسرَةً، وأعلى وأسفل، ووقت النوم، ويَنْحَسِر ويَتَّسِع)، وأنا أكاد أُجَنُّ!، وكُلَّما حاولت حَلَّ المُعَادَلَة في رأسي تَعَقَّد الأمر أكثر، و"لا يُحْكَم بنجاسة شيء إلَّا بيقين" لا مكان لها، إذ كيف أتَيَقَّن شيئًا كهذا؟!.. رأيت الصُّفْرَة بعيني تنتشر في أنحاء كثيرة ولا تثبت في مكان واحد، ورأيت أنَّنِي لَمَّا أنام يُقَابِل ثَوْبِي مَوْضِعًا كان مُغَطَّى بما نَتَحَفَّظ به... هذه هي المشكلة الأولى والعَامَّة.
2. كيف أُطَهِّرُ الحمام؟
بِتُّ أقضي ساعات كثيرة، إذا أردت غسل ثوب به نجاسة تَطَايَر الماء علي، فأَسْتَحِمُّ وأغسل ثيابي التي عَلَيَّ... وإذا تَطَايَر الماء على أطراف المغسلة والأرض أغسلهم... وإذا أصاب المِرْحَاض نجاسة أغسل أطرافه فينزل الماء (لا أعلم نجس أم طاهر)، وأحاول صَبَّ الماء عليه فيُنْشَر في كل أرجاء الحَمَّام عِوَضًا عن دخول الصَّرَّافَة، وأَقِفُ بِحِذَائي على ماء نَجِسَة، أو أغسل أطرافه فَيَرْتَدُّ على قَدَمِي... كيف أُطَهِّر كُلَّ هذا؟!
3. إذا تحَمَّمْتُ لا أعلم إذا نزل بَوْلٌ أم لا لأن الماء تهيجه، والماء يَتَطَاير مني على كل مكان وعلى الماء في السطول (جسدي به نجاسة الماء المُتَطَاير من غسل الثياب، والبول الذي أظن نزوله)، فماذا أفعل؟
4. هذا سؤال مهم: كنت أغسل ثوبًا من دم حيض، وكنت أحاول غسل المَوْضِعِ فقط، وبعد أن غسلت الموضع رأيت الماء انتشر في مكان أكبر، وحاولت إِمْرَار الماء على المكان الأكبر، ولما انتهيت قُلْتُ "سأغسل احتياطًا مكانًا آخر شَكَكْتُ فيه"، وبعد أن بدأت صَبَّ الماء بات صعبًا عليَّ، فتوَقَفْتُ وقلت أنَّه أصْلًا شك، ثم وضعت الثوب وهو رَطِب بماء كثير على ثوب آخر، ثم وضعته لِيَنْشَف، ولما قارَبَ على الجفاف رأيت في مكان جاء عليه الماء لكنني لم أغسله بُقْعَةً بُنِّيَّة لا أعلم حتى هذه اللحظة إذا كانت دَمًا أم لا (لكن كل المُؤَشِّرات تُشِيرُ لأنَّها دم)، لكنني متأكدة أنني فَحَصْتُه قبل الغَسْلِ جيدًا ولم أرَ أيَّ شيء، المهم قلت سأغسلها، فإذا زالت فهي دم مثل الأُخْرَيَات لأنهم زالوا، وغسلتها مرتين، وكُلَّمَا جَفَّت خَفَّ لونها، وإذا بَلَّلْتُها أصبح اللون أوضح، والآن لا أعرف إذا كنت منذ أول مرة رأيتها بنفس الحجم أم لا (لا أتذكَّر!)... المشكلة في الموضوع أنَّنِي لبست الثوب الذي وضعته عليه وهو مَبْلُول، وكان هناك ماء انتقل إليه، وأنا لبسته لأنني لم أتوَقَّع وجود هذه البقعة، المهم لَبِسْتُه وعَرِقْتُ فيه ونَمْتُ واستيقظت ومسكت أشياءً كثيرة... بحثت فوجدت العَفْوَ عن يسير النجاسة، ولكن لا أعلم هل هي يَسِيرَة أم لا، وهل يُؤَثِّر الماء الذي أصابها؟
تعبت والله منها.
ما رأيكم ؟ هل من حل ؟
27/3/2021
رد المستشار
الموسوسة الفاضلة "Asamy" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واختيارك خدمة الاستشارات بالموقع.
يعني عند هذا المستوى من المعاناة وتقولين هذا وسواس حديث تحاولين استدراكه ولم تتركي وجها للمعاناة إلا وصفته، أعانك الله، بذمتك حديث ؟؟؟ أعانك الله على استدراكه، مسألة العرق وتصور أن له دورا في نشر النجاسة مسألة تخص الموسوسين فلا أحد من غيرهم يقلقه الأمر أو يستدعي منه التساؤل !! رغم أن الجميع يعرقون وبطهارتهم يهتمون !! من أين تأتي المشكلة إذن ؟؟
تأتي المشكلة من المعايير المختلفة لدى الموسوس والذي حين يتعلق الأمر بأمر مهم كالطهارة (الصلاحية للعبادة أو الصلاة) فإنه لابد أن يحترز جيدا ولابد أن يحسن تخلصه من النجاسة، وتحاشيه ما استطاع أي احتمال للنجاسة وأي شك في النجاسة..... وبينما يرضى الشخص العادي بنتيجة ما يفعله طلبا لنفس الأهداف بسهولة فهو يفعل المتعارف عليه والمنطقي والفطري في تعامله مع النجاسة ويرضى بالنتيجة فإن الموسوس لا يرضى ! لأن معاييره تأبى أن تنحني لإنسانيته فهو لا يقبل الهفوة ويراها كبيرة جدا أن يفرط في أمر كهذا... ويبدو الموسوس وكأنه يبحث عن يقين الطهارة أي الطهارة التي لا شك فيها... والحقيقة أن الوصول ليقين الطهارة وإن نجح فيه من يريد من الناس ببساطة أن الطهارة هي الأصل ولا توجد علامات نجاسة، فإن الموسوس هيهات أن ينجح.
إضافة إلى المعايير المثالية التي يطالب الموسوس بها نفسه فتعيقه وتعذبه، فإن منطقه في التعامل مع النجاسات مختلف عن الأصحاء فهو يعمل طبقا لقاعدة الانتشار اللامحدود Law of Infinite Contagion وطبقا لهذه القاعدة الفكرية السحرية تتوالد في رأسك أفكار تتعلق بأثر وانتشار النجاسة (وكلها مع الأسف أفكار مرضية) مثلا :
1- الجزء يساوي الكل يعني إن تنجست بقعة من الثوب فقد تنجس كله ولابد من غسله كله.
2- "مجرد حدوث الاتصال بين شيء وشيء فالاتصال يبقى دائمًا أبدا" "إذا اتصل شيئان ولو مرة واحدة، فاتصالهما يستمر في التأثير حتى بعد انقطاعه" لأن النجاسة انتقلت من الشيء النجس إلى الشيء الآخر..... وتبقى متصلة وتنتشر النجاسة من الشيء الجديد إلى ما يليه !!
3- قدرة الملوث على التلويث بالانتقال المتتالي للتلوث من ملَوَثٍ لآخر جديد لا تقل لا بالوقت ولا عدد المرات!! إلا قليلا إن حدث.... يعني صارت النجاسة منتشرة انتشارا خياليا كما تتصورين.... ويا عالم ربما يصل بك وسواسك إلى أن مناطق معينة في محيطك قد تنجست نجاسة لا طهر منها والعياذ بالله....
ما وصفته أعلاه كان محاولة لتنبيهك يا إلى مكمن المشكلة... التي اسمها الوسواس التعمقي.... أي تجاوز الحدود في التشدد في أمور كالطهارة والعبادة أو الحلال والحرام... وأنت حتى الآن أو بقدر ما نعلم توسوسين في أمور التهيؤ للعبادة.... تضعين معايير للمطلوب منك ليست هي التي يطلبها الشرع وإنما معايير حضرتك الـ 100% ... وهنا الفخ لو تدركين... ثم أنت تبالغين في الاحتراز من النجاسة ولا تسمحين بأدنى الهفوات لأنك تتوقعين أن الله سيغضب منك وأنك ما دمت تقدرين أن تحسني فلابد أن تحسني... والحقيقة أن ما تفعلينه وسوسة لا إحسان ...
مسألة التفكير السحري أي طبقا لـ (قاعدة الانتشار السحري) المتجلي في سؤالك عن العرق وسؤالك عن كيفية تطهير الحمام تكرر الكلام فيها كثيرا جدا على مجانين فاقرئي:
وسواس النجاسة: الثياب والعرق!! م1
وسواس انتقال النجاسة ..قاعدة الانتشار السحري!
وسواس النجاسة : لا للتفتيش تقتل الوسواس لتعيش !
وسواس النجاسة : ماذا لو ؟ ليس في الشرع ماذا لو ؟
علك بعد ما قرأت تعرفين ما سأقول ردا على رقم3 أعلاه (إذا تحَمَّمْتُ لا أعلم إذا نزل بَوْلٌ أم لا لأن الماء تهيجه، والماء يَتَطَاير)......... تجاهلي هذا الموضوع برمته ولا تطيلي زمان الاغتسال من فضلك. أنت غير مطالبة بتحري النجاسة أصلا ولا توجد نجاسة فيما تتهمينه بالنجاسة..... معيار حضرتك عطله الوسواس وأصبح عليك ألا تنشغلي بمراقبة فتحة المبال وما أحسست وما سال... يعني المطلوب هو أن تقولي طظ لكل شك في نجاستك أو نجاسة شيء!
نصل بعد ذلك إلى السؤال المهم رقم 4 !!! حيث يظهر العفريت المسمى دم الحيض.... طبعا أصبحت الآن تفهمين أن كل ما يدور وتصفينه من انتقال النجاسة المتخيل وما انبنى عليه من أحكام وأفعال... هو من التفكير السحري والذي حاربه الفقه الإسلامي من خلال قواعد التعامل المعروفة مع النجاسة مثل "الأصل في الأشياء الطهارة" و"لا تنجيس بالشك" و"لا نجاسة إلا بعلامة" تفرض نفسها وينهى عن تحري النجاسة بالتفتيش.... إن لم يكن يعجبك الكلام فأنت حرة.... لكننا نهديك ما يساعدك من الفقه لتنجي بعبادات صحيحة على الأقل إن أردت... يعني تفعلين في أمور عبادتك ما يطلب منك شرعا في حدود قدراتك كما يقدرها معك المعالج وتصرين على تجاهل الوساوس التي ستحاول ثنيك عن ذلك.
ثم في دعينا نتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يضرك أثره" في حديث خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد وأن أحيض فيه؟ قال "فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه" قالت يا رسول الله إن لم يخرج أثره؟ قال "يكفيك الماء ولا يضرك أثره" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم،.... يعني أنت تحكين عن عفريت انتقل من ثوب لثوب وأصبحت تراقبين الألوان (البَوْل والصُّفْرَة والكُدْرَة) في كل ما اتهمت بالنجاسة من أشياء.... هذا فعلك... بينما رسول الله يقول "يكفيك الماء ولا يضرك أثره"... ألم أقل لك أنت تريدين تطبيق معاييرك أنت لا المعايير الشرعية.... كفي عن التعمق!
استشارتك هذه تأخرت عند المستشارة التي كلفت بها وهي د. رفيف الصباغ والتي تقل قدرتها على إسعافنا بالردود على الاستشارات ولا نستطيع أن نثقل عليها ونحن في العشر الأواخر من رمضان.... لذلك قررت أن أرد ردا عليك دون أن أبلغها لعلها هي الأخرى ترد... وتصبح هديتنا لك أجابتان بدلا من واحدة.
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.
ويتبع>>>>>: وسواس النجاسة : حديث وأحاول استدراكه م