أهمية زيارة الطبيب النفسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا فتاة أبلغ 18 من العمر، أُعَانِي من أعراض اضطراب الشخصية التَّجَنُّبِيَّة.. أخبرني أهلي أنني كنت أخاف الناس منذ أن كان عمري 3 أو 4 سنوات، وأنِّي كنت أركض إلى الداخل عندما يأتي ضيف إلى المنزل، وأنِّي لم يكن عندي أصدقاء في فترة طفولتي (ومازلت) وذلك لأنَّنِي دائمًا أفَكِّر أن زميلاتي لن يَتَقَبَّلْنَ فكرة أن أكون صديقة لَهُن، دائمًا أشعر بأنني مَنْبُوذَة ووحيدة، أرغب بِشِدَّة في التفاعل مع الناس لكنني لا أستطيع وأظَلُّ جَامِدَةً في مكاني لا أدري كيف اتصرف، بل أنَّني اكتشفت في الفترة الأخيرة أنَّنِي لا أعرف حتى التَّصَرُّف في المواقف البسيطة مثل الذهاب إلى السوق أو زيارات الأقارب حيث أنني أَظَلُّ أُفَكِّر أين يجب أن أقف أو أين يجب أن أجلس أو إلى أين أنظر حتى يلاحظ الناس ذلك فَيَفْهَمُ الشخص الذي أمامي أنَّنِي إنسانة ضعيفة.
لقد عِشْتُ في بيئة مُنْغَلِقَة لأنَّ أهلي لا يسمحون لي بالخروج من المنزل إلَّا لِزَيَارات الأقارب معهم أو للمدرسة، ولَطَالَمَا تَرَبَّيْتُ على أن الوقوع في الخطأ عَيْبٌ وأمر مرفوض تمامًا، ثم اتَّضَح لي العكس تمامًا، إلَّا أنني مازلت أُحِسُّ بالإحراج والألم الشديد عندما أُخْطِئ، وأَظَلُّ أفكر في ذلك طوال اليوم، وأبكي أحيانًا (كان هذا الشعور قويًّا جدًّا في الطفولة، لكنه خَفَّ قليلًا الآن)... خروجاتي مَحْصُورَة على المناسبات الاجتماعية في دائرة الأهل الذين كانوا يَتَّصِفُون بأسلوب جارِح في النقد ويُرَكِّزُون دَوْمًا على الجانب السلبي، وأنا أَتَأثَّر بتعليقاتهم السلبيَّة كثيرًا... تربَّيْتَ على يَدِ وَالِدَيْنِ غير واثقين من نفسيهما ويَلْجَآن دَوْمًا إلى الناس في اتِّخَاذ القرارات.
أنا أَحْلُمُ ببناء شخصية قوية مُتَّزِنَة واثقة من نفسها وتعرف جيِّدًا كيف تتَصَرَّف، لكنني مُتَرَدِّدَة في أمر اللُّجُوء إلى الطبيب النفسي.
هل أستطيع حَلَّ مشكلتي عن طريق تنمية المهارات الاجتماعية بنفسي في المنزل؟ أم أن هذا سيُخَفِّف من الأعراض فقط ولن يُعَالِج المشكلة؟
وما هي نسبة نجاح علاج من يعانون من نفس مشكلتي بهذه الطريقة؟
28/3/2021
رد المستشار
الحلول بسيطة لكن ستَتَطَلَّب جُهْدًا منك..... بدايةً إنه لَأَمْرٌ ممتاز أنَّ عندك وَعْيٌ بالأخطاء التربوية التي تَعَرَّضت لها في طفولتك، والآن كَبِرْتِ وأصبح الأمر بيديكِ حتى تأخذي بِزِمَام الأمور وتتحسن حالتك.
لنبدأ بأن تكتبي كل نقاط القوة ونقاط الضعف في شخصيتك حتى تحصلي على رؤية مُتَوَازِنَة لنفسك وتَرِينَ المَزَايا والحسنات في نفسك كما ترين العيوب.... ثم ضَعِي لنفسك خطة لتطوير نقاط القوة لديك وإبرازها، وتَقْوِية نقاط الضعف (وأُكَرِّر أن كل هذا لا بُدَّ أن يكون مكتوبًا وليس فقط ذهنيًّا).
بالنسبة لنقطة أن "شخصيتك تجنبية" فهذا يَدُلُّ على أنَّك بحثتِ كثيرًا حتى تَصِلِي لحُلُول، وهذا بحد ذاته يُسَرِّع تَشَافِيكِ (بشرط البحث في المكان المناسب)، لذا لا بُدَّ أن تعالجي الموضوع بِوَعْي.... ما أراه أنا كاختصاصية أنَّ ما تعانين منه هو "رُهَاب ااجتماعي" منذ الصغر، ولم يتم علاجه وكَبُرَ معك، وتَفَرَّعَت منه مشاكل ثانوية كَتَدَنِّي تقدير الذات ونقص الثقة بالنفس، ولرُبَّما اكتئاب.
ولتسهيل البحث ستجدين الكثير من القنوات على اليوتيوب تناقش الموضوع، وكذلك إذا كنتِ من مُحِبِّي القراءة هناك كتاب اسمه "أَيْقِظْ العملاق النائم" وغيره من كتب بناء الذات ممكن أن تساعدك لتفهمي أفكارك كيف أصبحت تُهَاجِمك أو ضِدُّك، وكيف يمكنك مع الوقت أن تُعِيدِي برمجتها بطريقة صحيحة وواقعية لتخدمك.
ولكن سأضع لك بعض النصائح التي قد تساعدك:
• النصيحة الأولى: تحدِّي الأفكار السلبية، حَدِّدي الأفكار السلبية التِّلْقَائِيَّة التي تَكْمُن وراء خوفك من المواقف الاجتماعية، ثم حَلِّلِي وتحدي هذه الأفكار.... لا داعي لوضع التَّكَهُّنات والافتراضات لما قد يحدث، أو أن الجميع يُراقب تصرفاتك.
• النصيحة الثانية: رَكِّزي على الآخرين وليس على نفسك.... عادةً عندما نقلق فإنَّنا نَنْغَمِس بداخل ذَوَاتنا في عالم داخلي مُرعِب.... في المرة القادمة ركزي على الآخرين وليس على نفسك، ركزي انتباهك على الأشخاص الآخرين (ولكن ليس على ما يفكرون فيه)، واستمعي إلى ما يُقال حقًّا (وليس لأفكارك السلبية)، ركزي على اللحظة الحالية بدلاً من القلق بشأن ما ستقولين.
• نصيحة 3: تعلَّمِي كيفية التحكم في تَنَفُّسك، وذلك عن طريق تعلم تمارين التنفس للاسترخاء، وستجدين الكثير من المصادر.
• نصيحة 4: واجهي مخاوفك، حاولي وضع نفسك في مناطق خارج منطقة راحتك، لا أن تتجَنَّبِي وتهربي من المواقف التي تُسَبِّب لك إزعاجًا، فمثلًا: إبدئي تفاعلات صغيرة مع الناس كحوار قصير مَدْرُوس، وسَجِّلِي التفاعلات في دفتر، وكيف أحسست وقتها، وكيف يمكنك أن تفعلي حتى يكون شعورك أحسن المرة القادمة... من المهم هنا التنبيه على ضرورة ألَّا تكوني قاسية على نفسك، وأن تؤمني بقدرتك على التغيير، وألَّا تحاولي مواجهة أكبر أو أصعب الأمور أولًا، بل ابدئي بالأصغر ثم الأكبر وتَدَرَّجي مع نفسك.
• النصيحة الخامسة: ابذلي مجهودًا لتكوني نشيطة اجتماعيًا بشكل أكبر، فالبحث الفَعَّال عن بيئات اجتماعية داعِمَة هو طريقة فَعَّالَة أخرى لِتَحَدِّي مخاوفك والتَّغَلُّب على القلق الاجتماعي، فمثلا اشتركي في نشاطات اجتماعية أو نوادي أو حتى تَجَمُّعات عائلية تُنَظِّمِينَها.
في الخِتَام: ما تَمُرِّين به كان نتاجًا طبيعيًّا لتَنْشِئَتِك مَعْزُولَةً نوعًا ما عن العالم الخارجي، وهذا ما خلق لديك هذا القُصُور في المهارات الاجتماعية، ولكني واثقة بأنك تستطيعين أن تتجاوزيه بنفسك بدون طبيب، فقد بدأتِ فعليًّا طريق التغيير، وبإرادتك وعزيمتك ووعيك، ويمكنك الاستمرار حتى تصلي لمرحلة ارْتِيَاحِك مع نفسك... تذكَّرِي أنه ليس من المطلوب مِنَّا أن نكون كاملين، ولكن أن راضِينَ ومرتاحين مع أنفسنا.
نسبة الشفاء تعتمد على قَدْرِ عَزْمِك وسَعْيِك واستمرارك.
واقرئي على مجانين:
نفسي عصابي رهاب اجتماعي Social Phobia
الرهاب الاجتماعي : خطوات لبداية الع.س.م
اضطراب القلق أو الرهاب الاجتماعي