التَّلْفِيق
بسم الله الرحمن الرحيم. راسلت كثيرًا من الأشخاص حول قضية من المستحيل فَكُّها أو حَلُّها بمفردي، وهي التلفيق بين أقوال العلماء. أنتم أطبَّاء، ولديكم علم شرعي ولله الحمد، وأنا قد قرأت في استشارة لكم في موقعكم أن التَّلْفِيق جائز للموسوس، ولكن سؤالي عمَا إذا كنت شخصًا غير موسوس وأريد التلفيق (للضرورة طبعًا لا للهو أو العَبَث، ولكن ضرورتي ليست أني موسوس، ربما حقيقةً أنا مُوَسْوِس، ولكن أيضًا هناك ضرورة أريد أن آخذ بها).
أنا شخص أريد أن أرجع لِعَهْدِي القديم، ولكن للأسف راسلت كثيرًا من المشائخ (ربما هم مشائخ)، ولكن كما قال الشاعر "لا حياة لمن تنادي" فهُم ينشرون الفتاوى حول التلفيق، وعندما أتكلَّم معهم أريد حلًّا لمشكلتي لا يَرُدُّون. لا أعلم لماذا! هل هم يهربون أم أنهم لا يريدون الرد وهم يعرفون الجواب؟! لا أعلم حقيقةً ماذا يحدث، وأنا بالطبع أتكلم عن البعض فقط، ولكن للأسف أنا شخص ليس حولي إلَّا هؤلاء البعض الذين يتجاهلون.
لقد رأيت موقعكم، وشعرت بأن هناك أملا لكي أُعَدِّل من حالي وأُخَفِّف على نفسي.
رجاءً لا تتجاهلوني، فهذه رسالة عميقة. لست بحاجة لأشرح لكم حالتي، ولكن سأكتفي بهذا لعَلَّكُم لا تتجاهلوني.
10/4/2021
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا "محمد" وبأسئلتك......
سؤالك هذا ناقص لا يمكنني أن أعطيك جوابًا بشأنه! أعني قد أعطيك الحكم العام للتلفيق، ولكن لا يعني أبدًا أنك يمكن أن تعمل بما فيه! فقد تكون مسألتك الخاصة التي تشغل ذهنك لا ينطبق عليها الكلام لفقدها شرطًا ما.... وحتى يفهم القارئ:
فإن الإنسان حينما يقلد مذهبين أو أكثر: إما أن يقلدهما في أمرين مختلفين: أي يقلد الشافعي في الصلاة، وأبو حنيفة في الصوم، ومالك في الزكاة.... فهذا جائز
وإما أن يقلدهما في أمر واحد: أي يقلد المذهبين معًا في الصلاة، أو يقلدهما معًا في الصوم، أو في غير ذلك....
فالتلفيق هو العمل بقول مجتهدين معًا في أمر واحد، بحيث تنشأ صورة مركبة لا يقول بها أحد منهما. كأن يتوضأ فيمسح بضع شعرات من رأسه مقلدًا الإمام الشافعي، ثم يلمس عورته بدون حائل فيقلد الإمام أبا حنيفة في عدم انتقاض الوضوء بذلك. فتنشأ صورة لا يقول بصحتها أحد منهما، فأبو حنيفة يقول بعدم صحة الوضوء لأن المتوضئ لم يمسح ربع رأسه، والشافعي يقول بعدم صحة الوضوء لأن لمس العورة ينقض الوضوء عند الشافعي.
أكثر العلماء على أن التقليد على هذا النحو لا يصح، بعبارة أخرى: التلفيق لا يجوز
وهناك من قال بجواز ذلك (أي جواز التلفيق)، لأن هذا التقليد في الحقيقة تقليد في مسألتين مختلفتين وإن كان في أمر واحد (الوضوء). فالمتوضئ في المثال السابق قلد الشافعي في مقدار مسح الرأس، وقلد أبا حنيفة في عدم نقض الوضوء بمس العورة، ولا يلزمه النظر إلى الصورة المركبة كلها......، لكن هناك شروط للجواز، وأهم هذه الشروط ألا يؤدي التلفيق إلى الخروج عن مسلمات الشرع، كأن يؤدي إلى تحليل الزنى أو الخمر ونحو ذلك....
المسألة أصولية فيها تفصيل، وهذه رؤوس الأقلام فيها. ومعرفتها إجمالًا شيء، وتطبيقها في الواقع شيء آخر.
فالموسوس يصح إن لم نقل: يلزمه التلفيق، لأن التلفيق يجعله يسير على الاعتدال ويحفظ صحته. بينما ترك التلفيق يخرجه عن الحق ويضر به.
وكل حالة تحتاج إلى عالم يقول هل تبيح الضرورة الشرعية التلفيق فيها أم لا؟
لهذا لا يمكنني إجابتك حتى أعلم الحالة التي تسأل عنها، ولعل نوعية الحالة هي التي جعلت من سألتهم يحجمون عن الرد، وليس لأنهم لا يريدون الإجابة.
بانتظار سؤالك المفصل، وفقك الله