وسواس قهري تعمقي : وسواس الاستنجاء والتطهر! م
استشارة في فقه النَّجَاسات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أَشْكُرُ الدكتورة رَفِيف الصَّبََاغ على إجابتها لِعِدَّةِ تساؤلات سألتها بموضوع النجاسات.
بحثت بموضوع قَوْل السَّادَة المالِكِيَّة في موضوع إزالة النجاسات، ووجدت مثل ما حَكَت الدكتورة قولان مَشُهورَان أَحدُهما يقول أنَّ إزالة النجاسة شَرْط لِصِحَّة الصلاة، فإنْ ذَهَبَ هذا الشرط بَطَلَت صلاتي. والآخر يقول أنَّ الإزالة سُنَّة لجمهور من أهل المالكية، وهو القَوْل الأَقَلّ شُهْرَة عندهم، ويقول بأنَّ الصلاة صحيحة مع النجاسة حتى لو كنت مُتَعَمِّدًا وعالِمًا بها وقادِرًا على إزالتها.
بحثت وحضرت عِدَّة فيديوهات، فوجدت تفسيرات كثيرة، مثل أحد الشيوخ المالكيين في المغرب شَرَح القَوْلَانِ وأَدِلَّتَهُما، وبالنهاية قال الأفضل والأَشْهَر والأَعْقَل أنَّ الإزالة شَرْط لِصِحَّةِ الصلاة، حيث أنَّ القول بالسُّنِّيَّة أَدِلَّتُه غير كثيرة عكس القول بالشَّرْطِيَّة الذي قِيلَ في أَدِلَّتِه "وثِيَابَك فَطَهِّر" والحديث الشريف: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ النبيَّ _صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ_ فَقالَتْ: أرَأَيْتَ إحْدَانَا تَحِيضُ في الثَّوْبِ، كيفَ تَصْنَعُ؟ قالَ: تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بالمَاءِ، وتَنْضَحُهُ، وتُصَلِّي".
وأيضًا تفسير للقُرطُبِيّ، وهو شيخ عظيم شَرَح الأَقْوَال كُلَّهَا في إزالة النجاسة، وقال في النهاية بالحرف "والقول الأَوَّل أَصَحّ، بدليل أنَّ النبي _صلى الله عليه وسَلَّم_ مَرَّ على قَبْرَيْن فقال "إنَّهُما لَيُعَذَّبان، وما يُعَذَّبَان فى كبير. أمَّا أَحَدُهما فكان يَمْشِى بالنَّمِيمَة، وأمَّا الآخر فكان لا يَسْتَتِرُ من بَوْلِه" رواه البخارى ومسلم. ولا يُعَذَّبُ الإنسان إلَّا على تَرْكِ واجب.
وتقريبًا جميع الشَّارِحين والكُتُب تقول نفس الكلام، فأَصْبَحَت الوساوس تُسَيْطِرُ عَلَيَّ مُجَدًّدا، وأصبح لديَّ عُقْدَة من كيف يكون الدين سهل وفي نفس الوقت أهم شيء فيه الصلاة، ولِصِحَّتِها يجب الطهارة من النجاسة التي أَتَعَرَّضُ لها كل يوم عشر مرَّات، وبِكُلِّ دُخول حَمَّام، وممكن بِكُلّ طَلْعَة على الشارع. فأَيُّ تنَاقُضٍ في ذلك! يعني يجب أن يكون عماد الدِّين سَهْل التَّطْبِيق، وكَثِير من هذه الأحاديث في خاطري، والتي لا تَجُوز شرعًا.
ولاحَظْتُ من قراءتي لجميع الاستشارات الخاصة بكِ دكتورة رفيف أنَّكِ دائمًا ما تقولين "طَبِّق قَوْلَ المالكية بالسُّنِّيَّة حتى تَزُول الوسوسة"! يعني هل هذا حَلّ مُؤَقَّت؟ فرُبَّما يُصبِحُ البيت كله نَجِسًا بعد فترة، وربما يتَوَفَّاني رب العالمين وأنا ما زِلْت أُطَبِّقُ قَوْلَ السُّنِّيَّة وأُصَلِّي بمَلَابس نَجِسَة وأُخَالِف الآية القرآنية (وثِيَابَكَ فَطَهِّر)، وبالتالي أموت وأنا صلاتي غير مقبولة على قول أشهر الأَئِمَّة في الفقه.
فأرجو منكِ دكتورة رفيف الإجابة على هذه التساؤلات:
هل حقًّا سُنِّيَّة إزالة النجاسة صحيحة شرعًا (كَصِحَّة الإفطار في رمضان للمَرْضَى)؟ وهل أنا آثِمٌ بصلاتي لو طَبَّقْتُ هذا الحُكْمِ الشَّرْعي؟ وما هو حُكْم أهلي إنْ كانوا يُطَبِّقُون قَوْل الشَّافِعِي بأنَّ الإزالة شَرْط؟ هل تعَرُّضُهم لنجاسة قد تكون بيَدِي، أو صلاتهم في مكان قد أكون نَجَّسْتُه يُبطِل صلاتهم؟ أم أنا أَتَحَمَّلُ إِثْمَهُم؟ أم ماذا؟
ولا تقولي لي أنَّ حُكْمِي على طهارة الأشياء قدّ يُصِيبُ مَرَّة ويُخطِئ عشرات المَرَّات؛ فهذا القَوْل قَدّ يزيد من حالة الاكتئاب لديَّ. واعتبري أنَّ حُكْمِي بطهاررة ونجاسة الأشياء دائمًا صائِب، فرُبَّما هناك أُمُور كنت دائمًا أَتَعَذَّب من دَلْكِها عشرات المرات، سوف أقوم بِتَرْكِها على حالها، أو طريقتي بالاستنجاء ستكون بدون مُبالَغَة، وفقط بِمَوْضِع النَّجَس، ولا يُهِمُّني أيُّ آثار أخرى أو ما إذا انْتَقَلت لأماكن أخرى. وقِيسِي من هذه الأمور التي كانت تُضايِقُنِي سابقًا، والآن سوف أترُكُها لأنَّ الإزالة للنّجاسة عِنْدِي هي سُنَّة غير واجبة. فما حُكْم صلاة أهلي ومَعَهُم شخص يُطَبِّق قَوْلَ أنَّ الإزالة سُنَّة وليس شَرْطًا؟
وشكرًا جزيلًا للدكتورة.
وأعتذر على الإطالة.
5/7/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "محمد"، وأهلًا وسهلًا بك مرة أخرى على موقعك مجانين
كالعادة.... لابد أن يشك الموسوس في انطباق الحكم الشرعي على حالته، ولابد أن يسأل كل من يعرفه ويصل إليه من الفقهاء، وفي عصر الإنترنت لابد أن يبحث عن جميع الفتاوى الموجودة المكتوبة والمسموعة والمرئية....، ثم يعود كما بدأ، شاكًا في الحكم الذي يناسبه! سبعون فتوى تقول له: لا تهتم وتجاهل، وواحدة تعامله كالأصحاء، فيرمي السبعين ويأخذ بتلك الواحدة، مع أن عقلاء الدنيا تأمرهم عقولهم بالأخذ بقول الغالبية!! ولكنه الموسوس يا أخي...!
وبالمناسبة، أحكام المالكية التي تبحث فيها تخص الأصحاء، ومن المعروف أن الإفتاء بالمشهور واجب. وإذا كان قوم قد رجحوا وجوب التطهير، فلا يستطيع أحد أن يمنع من اتبع القول بالسنية... أكرر: هذا في حق السليم الذي لا تعرف الوسوسة إليه سبيلًا.... بل هؤلاء أيضًا يجوز لهم أن يعملوا بالقول الضعيف الذي لا يفتى به إذا اضطروا.
أما الموسوس يا باشا فيجب عليه اتباع الرخص والعمل بالضعيف، لماذا يا رعاك الله؟ لقد أجبت نفسك بنفسك، وعقلك الحر عن الوساوس اكتشف الخلل، ولكنك لا تعرف كيف تطبق أوامره.
هذا ما أجبت به نفسك: (كيف يكون الدين سهل وفي نفس الوقت أهم شيء فيه الصلاة ولصحتها يجب الطهارة من النجاسة التي بتعرضلها كل يوم عشر مرات وبكل دخول حمام وممكن بكل طلعة عالشارع فأي تناقض في ذلك يعني يجب أن يكون عماد الدين سهل التطبيق؟! وكثير من هذه الاحاديث في خاطري التي لا تجوز شرعًا). لقد اكتشفت خطأك بنفسك..
الدين سهل + ما تفعله ليس بسهل = ما تفعله ليس من الدين في شيء، وعليك أن تتبع أسهل الأحكام لتتسق أفعالك مع الدين السهل. لأن (الأمر إذا ضاق اتسع) و(المشقة تجلب التيسير). أليس هذا الكلام شرعًا؟ ما رأيك؟
وصفت تفكيرك هذا بأنه لا يجوز شرعًا، ولكنه قمة الصواب وعين الشرع!
كفّ عن هذا العناء في البحث في أحكام الأصحاء، وابحث في أحكام الموسوسين فهو أنفع لك...
سؤالك الذي يقض مضجعك: إذا طبقت سنية النجاسة فما حكم صلاة أهلك؟ حكم صلاتهم كحكم صلاة الشافعي الذي يعيش مع آخرين من المذهب المالكي، أو المذهب الحنفي (مثلي أنا مثلًا). كل من في البيت حنفي المذهب، وأنا تعلمت الفقه الشافعي، وأولاد أختي تعلموا المالكي، وهذان المذهبان لديهما من رخص الطهارات ما يستحيل أن تجده عند الشافعية، وتخيل الوضع!
الصحابة كان لكل واحد منهم اجتهاده، في الطهارات وغيرها، وكانوا يعيشون سوية، ويصلون سوية، ويأتم بعضهم ببعض....، فما رأيك؟ عملك صحيح فلا يجعل أعمالهم باطلة. هذا أولًا.
ثانيًا: النجاسة (المتخيلة) التي تنشرها أنت، ويجب عليك عدم تطهيرها، هي بالنسبة لمن يخالطك نجاسة يشق التحرز عنها، فيعفى عنها بالنسبة لهم.
ثالثًا: أهلك بالغون راشدون عقلاء، يحاسبون على أنفسهم واعتقادهم، إذا اعتقدوا أن المكان نجس فهم المسؤولون عن تطهيره، أما إذا رأوا أن المكان طاهر (رغم اعتقادك أنه نجس ولكنك لم تطهره) فلا يجب عليهم تطهيره، وصلاتهم صحيحة.... هم المسؤولون عن طهارتهم لا أنت.
ثم ماذا في أن تبقى مالكيًا في الطهارات إلى أن تموت (بعد عمر طويل)؟ ماذا يضر المالكي أن يموت مالكيًا؟ أو الحنفي أن يموت حنفيًا؟ أو الحنبلي أن يموت حنبليًا؟؟ هل هناك مشكلة؟
أظن حان الوقت لأن تترك السرحان في الوساوس، وكذلك الاستسلام لها، وأن تقتنع أنه لا تكليف عليك في الطهارات لأنك مريض. حتى لو لم يكن هناك تيسير عند المالكية للأصحاء، فأنت كموسوس يسقط عنك وجوب التطهير! لأنك إذا أردت الصراحة وليس ابنة عمتها ولا خالتها، وسواسك أخرج أفعالك عن عالم العقلاء إلى عالم المجانين، وهذا مسقط للتكليف! ويحضرني هنا قصة موسوس ذهب إلى عالم فقال: أنا أتوضأ وأحس بأني لم أتوضأ. فأجابه: سقط عنك الوضوء. فتعجب الموسوس وسأله: كيف هذا؟!!! قال: لأنك مجنون والمجنون سقط عنه التكليف.
أرح بالك، وشد همتك على التطبيق، وكفاك بحثًا في أحكام الأصحاء
عافاك الله
ويتبع >>>>>>> : وسواس قهري تعمقي : وسواس الاستنجاء والتطهر ! م2