الخرطوم
السلام عليكم، أنا طالب جامعي عندي عدد من المشاكل النفسية سأدرجها لكم وأتمنى الرد عليها
سأبدأ بالجزء الأول
أنا أصغر شخص في المنزل والفارق العمري بيني وبين والداي كبير وتفكيرنا ليس متقاربا في صغري تعرضت لمعاملة قاسية وعدم تقدير وإهانات متواصلة وكنت أحرم دائما وكثيرا ما يشتم أي شخص أعرفه أو يأتي إلي أو أذهب إليه ما جعلني أرفض الذهاب لأي مكان وأكثر ما كنت أعاني منه هو التحكم الشديد في حياتي والرفض الدائم من أجل الرفض لكل ما أطلب كنت أمنع من الخروج من المنزل وعند الخروج أتعرض للأسئلة الكثيرة التي تتبعها إهانات وإساءات حتى اضطررت مع مرور الزمن لعدم الخروج من المنزل وتعودت على ذلك..
مر الزمن كبرت ودخلت الجامعة وحجم القبضة ابتدأت تضعف وأصبحت نوعا ما أتحكم في معظم حياتي.. لكن ذكرى الماضي ما زالت تؤثر في حياتي حتى عبارة (أين أنت ذاهب) تسبب لي توترا حتى الآن لأن بعدها إساءة وشتم لمن أقابله يمكنني السيطرة بالقوة ورفع الصوت ولكن دائما ما أضعف أمام كلمة (عاق) تجعلني أتقبل الإساءة دون أن أدافع عن نفسي...
قبل سنتين تقريبا طفح الكيل وكنت بين خيارين إما أن أستسلم للإساءة تحت شعار (أن أكون غير عاق) أو أن أفرض نفسي وكلمتي بأساليب جازمة وصارمة وهذا ما قد حدث..
اتفقت مع نفسي أن أكون صارما حتى أثبت نفسي وذلك بالابتعاد ومنعهم من التدخل في حياتي ومنع نفسي من التدخل في حياتهم وكنت دائما أرد عبارة (دعوني وشأني ولا دخل لي بكم) فعلا صرت كالمغترب في المنزل حازما في تصرفاتي بعد أن كنت شخص ضعيف الشخصية
الأمور تسري كما أريد الآن.. استطعت أن أفرض نفسي وأقلل الإهانات بنسبة كبيرة لكن دائما لدي شعور بالعقوق وأني أصبحت سيئا وكذلك تعودت على البعد عن العائلة لأنني اكتشفت أن ذلك أفضل لي
مشكلتي الثانية
هي أنني أعاني من وسواس منذ ٤ سنوات في أجازة قبل الامتحانات ودائما ما ينشط في الأجازات بسبب مكوثي لوقت طويل في المنزل ولا أخرج لأي مكان للأسباب المذكورة أعلاه عقدة من مصاحبة شخص خوف من الخروج من المنزل
قبل ٤ سنوات أتتني وساوس الأحكام الحلال والحرام أصبحت أوسوس في كل حرام وأخشى كلمة حرام وعندما أرى شخص ملتزم (سلفي) أقلق وأتوتر وأحس أني مذنب لأني لست مثله
أصبحت أخاف أي ذنب والوقوع في الذنب ودائما ما أسأل وأطلب فتاوي وفي كل مرة أسمع كلمة حرام تنتابني رعشة وقلق وبؤس وإحباط واكتئاب أحس أن الدين عبارة عن محرمات..
إذا وجدت فتاوي تحليل أقلق منها وأحس أني كافر إذا عملت بها وتركت الأخرى.. بدأت تأتيني أفكار الحادية أن هذا الدين صعب جدا يستحيل التماشي معه وأقول لنفسي إن الناس زمان حياتهم مختلفة وكانوا غير متعلمين مثلنا اليوم وأبدأ أشكك فيهم ثم أعود وأستغفر.. كنت أجتهد في دراستي وبدأت في تعلم لغة أجنبية لكي أسافر إلى أوربا عندما وجدت فتوى تحريم انكسرت عزيمتي وهبطت وأحسست ببؤس شديد وعندما وجدت فتوى أخرى تبيح ذلك بشروط لم أستطع أن أعمل بها لخوفي من الوقوع في الحرام ليس لاقتناعي بفتوى التحريم...
كانت عندي وساوس الوضوء والطهارة ولكن سرعان ما تجاوزتها بعد أن علمت أن أتجاهلها وليس علي ذنب فيها لكن باقي الوساوس لم أستطع التغلب عليها
وسواس الكفر أصبح في حياتي قبل فترة بعد ما رأيت فتوى تكفير تارك الصلاة عندها أتاني إحباط شديد وقلق مع أني أصلي دائما منذ سنين لكن أصبحت أنظر لكل من لا يصلي بنظرة مختلفة عن قبل.. لا أكفرهم ولكن أفكر أنهم في النار.. خوفي من تفويت الصلاة القادمة يجبرني أحيانا على البقاء في المنزل عندما أود الخروج أحسب الزمن الذي أخرج فيه وأرى إن كان يتعارض مع صلاة أقلق وأخاف من الخروج فيه ودائما أفكر في الصلاة القادمة حتى قبل أن تأتي
كنت قبل فترة لا أجد حرج في خروج المرأة ودراستها وعملها وغيره لكن باتت تأتيني وساوس بأني ديوث لأني أقبل ذلك والواجب علي منع البنات من... و..... و.... أرى حياة البنات دائما بائسة خصوصا عند البقاء فترات طويلة في البيت وهذا الإحساس جربته وأجربه دائما ودائما أشفق عليهم ولكن عندما أسمع أن الدين يطلب ذلك أقلق وأتوتر لدرجة أني فكرت في عدم التزوج لخوفي من أن أتسبب لزوجتي وبناتي بظلم مجتمعي وأن أتحكم فيهم مثل ما أرى عند رجال كثر في مجتمعاتنا وكيف تتحطم نفسية بناتهم
خلاصة الكلام
كل ما أسمع كلمة حرام أرتبك... كل ما أرى شيخ سلفي أرتبك كل ما أفكر في مستقبلي أرتبك أفكر دائما بالإلحاد ودائما ما أسمع كلام المشايخ بتكفير الناس أقلق وأخاف أن أكون كافر أقلق من أي فتوة.. أخشى أن أظلم أحدا وخاصة البنات أو أساعدهم في المعاصي
أخشى من أي ذنب وأخاف من أي شيء في الدين أكره التنزه وأي شيء ممتع وأحس دائما بالحرام حولي وفيني وفي اعتقادي وفي اختياري
أدخل لهذا الموقع أتفائل قليلا
وبعد فترة صغيرة أعود لأبحث عن فتاوي في قوقل أقلق منها
2/9/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "علي"، وأهلًا بك وسهلًا شرفت مجانين
مشكلتك الأولى -كما تسردها- مشكلة أليمة ولها آثارها طويلة الأمد كما ترى. يصعب أن تعيش كما لو أنها لم تكن أصلًا، ولكن يمكنك النجاح في أداء حياة متوازنة، من خلال تجاهل المشاعر السلبية قدر الإمكان، والتخطيط للمستقبل بدل العيش في الماضي واجتراره....
أنت الآن أصبحت شابًا، ومؤهلًا لأن تكون أبًا، وتربي أطفالًا.... فخذ عبرة من تجربتك وتعلم الأسس الشرعية والتربوية في التعامل مع الأبناء، وقبلهم الزوجة، لتبني أسرة سعيدة، وبهذا تصبح معاناتك نعمة كبرى عليك وعلى المجتمع....
التفكير بالظلم الماضي تفكير طفولي لم يعد يليق بك، والتفكير الناضج أن تعتبر وأن تصمم على تجاوز كل العقبات، فالدنيا دار بلاء، لا يخلو أحد فيها من بلاء كفيل بتدمير مستقبله ونفسيته، ولكن الاستعانة بالله، والتصميم على عدم الانهزام أمام الضغوط والمحن، تجعل منك إنسانًا عظيمًا.
هذا ما يتعلق بك، أما مسألة العقوق فلا يمكن تقريرها عن بعد، وينبغي أن نفهم من والديك لماذا يفعلان هذا معك؟ وهل يفعلان هذا مع باقي إخوتك؟ وأمورًا أخرى....
غير أن هناك قاعدة تريحك: إذا قام الوالدان بالظلم، فيحق للولد إزالة الظلم عنه، بشرط أن تكون الطريقة لطيفة، وحكيمة ولا تكسر خاطر الوالدين....، قد تكون بحوار هادئ.... قد تكون بوساطة من المعارف.... قد تكون بكثرة الكلام اللطيف مع الوالدين حين يغضبان لتخفيف حدة هجومهما.... وهناك طرق كثيرة تنتقي منها ما يناسب والديك.... مع الالتجاء إلى الله أن يسدد خطاك وأن يليّن قلب والديك ويرضيهم عنك....
وهذا يحتاج إلى صبر وإلى وقت قد يمتد لسنوات، ويحتاج إلى قناعة تامة بأنك أنت الذي عليك تعلم كيف تتعامل مع ما حولك بما فيه من حلو ومر، وليس عليك أن تعلم من حولك كيف يتعاملون معك!! أي اجعل نفسك جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة.... وهذا سيعطيك إيجابية ودافعية ونجاحًا.... ضع بين عينيك عبارة (أريد أن أتعلم كيف أعيش سعيدًا رغم الظروف، وكيف أتجاوز الصعاب وأنجح). لا تتوقع أن تتغير الظروف من حولك....، تعلم أن تعيش سعيدًا ضمن ظروفك التي أنت فيها.
أما مشكلتك الثانية فهي أثر من آثار مشكلتك الأولى في التربية المتشددة والملاحقة على الصغيرة والكبيرة.... وإذا كان بعض البشر يعاملون الآخرين بهذه الطريقة، فالله تعالى ليس كذلك!!
ألا ترى أنه سبحانه وتعالى افتتح كتابه بالبسلمة، وعرّف نفسه فيها بـ (الرحمن والرحيم)؟ ونحن نقول البسملة عند كل حركة نقوم بها، قبل الأكل، قبل الشرب، لركوب السيارة، والوضوء، ودخول المسجد.... قائمة طويلة لا تنتهي، لنتذكر أننا نتعامل مع (الرحمن الرحيم)!
ولو أن إنسانًا لا يعرف الإسلام، فتح المصحف ليتعرف من هو رب المسلمين، لعرف من أول سطر أن المسلمين يعبدون خالقًا رحمانًا رحيمًا. نعم.... له صفات وأسماء أخرى، ولكنه لم يعرف نفسه بها في أول كتابه، ولم يطلب منا أن نكررها طوال اليوم، لأن الأصل أنه خلقنا ليرحمنا، وليس ليعذبنا.... ليرحمنا بمعرفته، ليرحمنا بلذة طاعته، ليرحمنا بدخول جنته.... هذا هو الأصل....، طالما أن العبد لا يستكبر، ولا يجحد ولا يعاند، وإنما يرتكب الخطأ نتيجة الضعف البشري الذي لا يخلو منه أحد، فالله رحمن رحيم، غفور حليم، ستار، يعامل عبده بجميع أوصاف الرحمة واللطف...، أما من استكبر وعاند، وجحد وتطاول على الله تعالى، فلابد أن يربيه الله بجبروته، وأن يقهره بقهره، وأن يريه قدرته الإلهية، ليعلم أنه عبد ويعود إلى رشده فيتوب فيرحمه الله.... ومن أبى أن ينصاع ولم يفهم لا بالترغيب ولا بالترهيب، فهو الذي اختار خزي الآخرة بمحض إرادته، والله يعطيه ما أراد....
ونحن بفضل الله ممن يحب طاعة الله تعالى، ولكنه يتعثر بين الفينة والأخرى، ولا يتكبر على الحق، ولا يعامل الله تعالى معاملة الند للند، فنحن بإذن الله داخلون في دائرة الرحمن الرحيم الغفور الحليم الذي يجازي بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، ويجازي بالسيئة سيئة واحدة ويعفو عن كثير....
هذا هو الله الذي نتعامل معه، وهكذا يجب أن نعرفه، أما الناس فهم يخطئون ويصيبون، ويظلمون ويعدلون، وليست تصرفاتهم قاعدة نبني عليها فهمنا للحياة....
حتى عندما يقول الله لنا: إن هذا حرام، وهذا تعاقبون عليه، فهو لأجل مصلحتنا ولأجل أن يرحمنا....
وأضرب لك مثالًا ولله المثل الأعلى: عندما ترى في الطريق شاخصات مرورية، تقول لك: ممنوع تجاوز سرعة كذا.... والطريق مراقب بالرادار.... ومن يتجاوز فعليه غرامة كذا وكذا.... هل لأن دائرة المرور تكره المواطنين وتريد أن تمص دماءهم وتبقيهم في السجون؟!! وهل ذلك لأجل أن يموت السائق من الرعب عندما يقرأ تلك الشاخصات، فيقف جانبًا ويترك السير لشدة الخوف؟!! بالطبع هذه القوانين إنما وضعت لمصلحة السائقين، لتعينهم على السير، كي لا يعرّضوا أنفسهم وغيرهم للخطر، وتطبيق هذه القوانين يمنح السائق راحة تجعل العاقل يحب الانصياع للوائح حتى لو لم يكن هناك عقوبة على المخالفة....
فأنت خلاصة ما تفعله: إذا رأيت الشاخصات المرورية تظن أن مجرد سير السيارات في الشارع ممنوع، فتكتئب وتترك ركوب السيارة بالكلية فلا تصل إلى وجهتك ولا تنجز شيئًا....، وإذا رأيت شخصًا ماهرًا في القيادة، ترتبك وتقول: سوف يضحك علي ويحتقرني لأني لست مثله! وكأنه نزل من بطن أمه فورًا إلى خلف المقود ولم يكن مثلك في يوم من الأيام!! وعندما تفكر في تعلم القيادة تتخيل نفسك قابعًا في السجن المركزي أو تدفع غرامة لا طاقة لك بها فتلغي الفكرة من أساسها.... وعندما ترى سيارة معطوبة تقول: لن أشتري واحدة خشية أن أخدشها!!! وعندما تفكر في الخروج من البيت تبقى خائفًا حتى لا تقع في حادث أليم لا سمح الله!
نعم، هذا ما تفعله!! ترى الحرام يحيط بك، بينما أكثر الأشياء مباحة، فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد ما يحرمها. والقضية قضية تنظيم لسيرك في هذه الحياة لا أكثر، من أجل سلامتك في الدنيا والآخرة.... وترى من ظاهره الصلاح أفضل منك بكثير، ولا يمكن أن تكون مثله، وتشعر بالذنب والصغار عندما تقترب منه، وتنسى أن الله أخرجه من بطن أمه مثلك لا يعلم شيئًا....، تخشى أن تخطئ وتريد أن تعيش مثاليًا، وهذا مخالف لقانون البشرية! فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وكما يقولون: من لا يخطئ يعني أنه لا يعمل. وهذا الذي حصل معك.... تترك السفر الذي فيه تطوير ذاتك وتأمين مستقبلك، خشية أن تخطئ!!، تفكر في الإحجام عن الزواج كي لا تخطئ!!
وما المشكلة في ارتكاب الخطأ إذا كان يتم تصحيحه باستغفار وتوبة، ثم محاولة التصحيح؟ المهم أن تحاول التصحيح حتى إن انتهى عمرك قبل أن تستطيع فعل الشيء كما ينبغي....
ثم أليس من الخطأ أن تفعل بنفسك هذا؟ ارحم نفسك، فهي بحاجة إلى أن تحنو عليها....، إن قسى الناس عليك فلا تكن عونًا لهم بقسوتك عليها أنت أيضًا
ولا ترهق نفسك بقياس حال البنات عليك....، البنت تحب المنزل أكثر من الشارع، وتشعر فيه بالسعادة، هكذا خلقها الله، لكن بشرط أن تتركها هي التي تختار ذلك، أقصد لا تقل لها بفظاظة: يمنع منعًا باتًا أن تخرجي، ويجب عليك أن تلازمي البيت! لا أحد يتحمل الإكراه والتسلط، ولو أنك أجبرت إنسانَا على أكل طعام محبب إليه لوجد مذاقه مرًا! اترك لها مساحة من الحرية، وستجدها اختارت المنزل لوحدها.
وأخيرًا: أهنئك على تجاهل وساوس الطهارة والصلاة والنجاة منها، فحاول تطبيق نفس الطريقة على باقي الوساوس ولا تيأس.... ومن المؤكد أنك ستستفيد كثيرًا إذا استعنت بالطبيب
أخذ الله بيدك وملأ قلبك بالسعادة والأمل وفتح أمامك سبل الخير كلها