أنا فتاة من بلد عربي ومسلمة وملتزمة بسنة الله ورسوله والحمد لله.. تعرفت على شاب من بلد عربي آخر مسلم ويعمل في بلدي، بعد التعارف بفترة طلب مني أن يتقدم إلى أهلي ليخطبني وأراد الدخول إلى البيت من الباب، أبلغت أهلي بالموضوع وطلبت منهم أن يستقبلوه ويسألوا عنه فإن كان فيه الصفات الجيدة وافقوا عليه، ولكن أهلي رفضوا الموضوع بشدة وبقسوة متمسكين بالخوف من الناس والتقاليد والأعراف وناسين قول الرسول: (من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
المشكلة:
هو مصر عليّ ويريد المحاولة مع أهلي ولكني أرفض لأني أعرف أن أهلي لا يوافقون، أنا أجد فيه إنسانا محترما ومثقفا، فله المركز الوظيفي والسمعة الحسنة في عمله، هو الآن سافر إلى بلده ولكن طلب مني أن أبقى أنتظر فرج الله ويقول: إن الذي بيد الله ليس بيد أهلنا وما كتبه الله ليس له تغيير وأنا وجدت فيه كل ما كنت أريده في زوج المستقبل، علما بأننا نحن الاثنين في عمر بعد الثلاثين يعني متعدين مرحلة المراهقة.
هل أصبر وأنتظر لأني بصراحة ارتاح له عقلي وقلبي وأنا من النوع الجدي جدا، يعني العواطف لا تتحكم في قراراتي، واختياري له كان بعد أن صليت الاستخارة مرتين وكانت النتيجة مطمئنة إلى قلبي.
والمشكلة الثانية أن وجوده كان مع الشركة التي يعمل بها، والآن انتهى عملها ولا يمكن عودته إلا في حالة أن يأتي وحده وظروف بلدي لا تسمح بذلك حاليا، وجزاكم الله خيرا لاهتمامكم بقضيتي.
ملاحظة لا أحب ذكرها للجميع: هو من *** وأنا من *** ولا يمكنه العودة إلى بلدي حاليا، وأهلي طبعا لا يمكن أن يقبلوا، ووعدني أن ينتظرني مهما طال الزمن.
أفيدوني في مشكلتي هذه وجزاكم الله خيرا..
أختكم الحائرة
10/11/2021
رد المستشار
أهلا وسهلا بك يا "فطوم" على موقعنا للصحة النفسية.
أفهم أنّكما تجاوزتُم سن الثلاثين وأنّ قراركما ومنطلقاته النفسية تحتكم لنضج عقلي أكثر من اندفاع عاطفي. لكن هناك معطيات واقعية لا أفهم كيف ستتجاوزونها؟ إن استطعت أنّ تُقدّمي حلاّ لها بعيدا عن "نشعر أننا لبعض" فسيكون ذلك جيدا، وإلا فلا أرى كيف سترتبطان حقيقة.
المعطى الأول هو الرفض الحاسم والنهائي لأهلك، وأشعر أنّهم سيُقاتلوك من أجل التقاليد ونظرة الناس، وأنت الحلقة الأضعف وفِداء ذاك المجتمع وعاداتِه، والثاني هو عجزه عن العودة لبلِدك وإن أراد سيبدأ وكأنّه مهاجر لا يملك شيئا، وأفهم (من تركيزك على هذه النقطة) أنّ شرط زواجك به هو أن يأتي هو وليس أن تذهبي أنت له، مما يجعلنا أمام مُعطى ثالث.
لم تُقدّمي أي حلّ لهذه "المعيقات الثلاث" فما معنى أن تنتظريه؟ على أساس أيّ معطى قابل للتغيّر من بين هذه المعطيات الثلاث؟!
أنت ببساطة أمام حالة من حالات يُجرّبها الكلّ، هو تعارض واقعنا وشروط وجودنا مع ما نحب ونرغب فيه. فحتى لو كُنّا ناضجين وتجاوزْنا سنّ الاندفاعات والمثاليات، إلاّ أنّنا نجد دائما صعوبة في الاعتراف بإحباطاتنا التي يفرضها علينا الواقع، خصوصا إنْ جاءَت بعد طول انتظار، ونُريدُ أنْ نُغيّرها مهما حصل، وفي سياق هذا التغيير قد نكتشف بأننا لم نكُن عقلانيين ومنطقيين كفاية كما كُنّا نعتقد.
إضافة إلى أنّ النضج ليس شيئا نهائيا، فهو عبارة عن أجزاء من بناء ضخم، فقد يكتمل مطبخُنا بكل جماليّة وإتقان، وتبقى العلّيّة مثلا مغبرّة مهترئة إلى حين إصلاحها، هذا ما تعنيه تلك المفاهيم التي تبقى مسيطرة وموجِّه لفهمنا وإدراكنا للواقع، مهما كانت مغلوطة، تأملي المثال الحيّ في قول هذا الشاب الطّيب: (طلب مني أن أبقى أنتظر فرج الله ويقول: إن الذي بيد الله ليس بيد أهلنا وما كتبه الله ليس له تغيير)
ليس المُشكل هنا في الاحتكام لعقيدة وإيمان أو نصوص دينيّة، بل المشكلة هنا في "دورِها" التعزيزيّ لقناعاتنا المُسبقة التي تُشكّل السَنَد الحقيقي لإيماننا الجازم وليس النّصوص القرآنية هي ما تُشكل ذاك الإيمان كما قد نعتقد، بكلمات أخرى ننطلق من قناعة نفسية نحو النّصوص لتعزيزها، ولا نقرأ النصوص لنبنيَ قناعة قد تخالف ما نتمناه أو توافقه.
ولأبيّن لك ما أقصد، فلنتأمّل قليلا في قوله "إن ما بيد الله ليس بيد الأهل" "وما كتبه الله لن يتغيّر" كيف عرفتُما أنّ ما بيد الله مخالف لما قرّره الأهل، فقد يكون القدر موافقا لقرار الأهل وليس لمشاعركما، كما قد يكون القدر هو نفسه قتل وتعذيب الجلاّد للناس، يُمكن للناس أن يحاربوا الجلاد بكل ما استطاعوا لكن لا يعني هذا أن ينتصروا عليه. فلماذا نفترض أن مقادير وإرادة الإله ستكون لجانبنا؟! هنا تظهر الحيلة النفسية التي تجعل من الأمنية واقعا وشيكا يضمنُه التدخّل الإلهيّ الذي سيغيّر كل شيء من أجلنا دون اعتبار الظروف الاجتماعية التي نعيش فيها والإكراهات التي ستلاحقنا إن أصررنا على الزواج.
أما عن الفرج فليس عهدا اتخذتماه عند الله، حتى يكون معلوما لديكما فقد لا يكون هناك فرج بمعنى "زواجكما" بل بمعنى آخر ومخالف لإرادتكما، كأن يكون "فتحا بينكما" ويتّخذ كلّ واحد مساره المستقل عن الآخر بدَل بقاء الأمر معلّقا غامضا، "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق" لا تعني انتصارا بالضرورة على القوم. فهمتِ عليّ؟
لذا يجب الانتباه لتلك الحيل النفسية التي تجعلنا نُسقط أمانينا ورغباتنا على مفاهيم إيمانية وظيفتها مختلفة عن التي نعطيها لها، مع ما تحمله هذه الطريقة من مخاطرة، لأنه إن لم يكن ما نُريد سيتسرّب الشك إلى "تلك العقدة التي أبرمناها مع الله" وإلى إيماننا ومسلّماتنا وإلى العهد الإلهي الذي ما هو إلا انعكاس لأمانينا.
ربما يعتقد القارئ أنني أدعوا لنوع من الجبرية والاستسلام والسلبية إزاء الظروف، لا أبدا، بعيدا عن هذا، الأمر متعلّق بمعرفة الآليات الشعورية واللاشعورية التي تختبئ وراء نظرتنا للعالم والأحداث، هذا ما يجب أن نعي به، وأن نعي حدودنا وقدرتنا، وبدَل أنّ يكون الصراع صراعا فرديّا ضد المجتمع، نحوّل صراعنا إلى صراع الله القدير الذي نفترض فيه الانتصار لرغبتنا، ضدّ مجتمع، وهنا لا نستطيع أن نُدرك قدرتنا على التغيير والتعايش بشكل منطقي مع ظروفنا، إذ لو كان الأمر دائما عبارة عن نقل عجزنا إلى قدرة الله وإرادته، لما كان أيّ معنى لاعتبار الظروف والملابسات حتى في النظرة الدينية نفسها، سيكون هذا عبثيا نوعا ما.
ومن اعترض على رأيي ويرى إمكانيّة أن ترتبطا، فليقدّم سيناريو بديلا، فأما عن السيناريو الذي أتخيله فهو انتظار سرمديّ، لأن الشاب لن يتخلى بسهولة عن وظيفته الجيدة ليستقر في بلد مغتربا فقيرا لا يملك شيئا، مما يعطي لأهلك سببا إضافيا لرفضه مجددا مع شعورهم أنّهم كانوا محقين فعلا، فضلا عن المشاكل المادية التي ستواجهانها. وحتى إن تمرّدت على الأسرة والأهل (ولا أعلم كيف يمكنك ذلك) فهل ستتزوجينه دون إذن أسرتك؟ هل ستهربين معه، وكيف ستكون علاقتك مع أهلك إن فعلت ذلك، بالعقلية التي توحي بها سطورك سيتبرؤون من امرأة اسمها "فطوم". إذ لو كُنت أهمّ من المجتمع لناقشوا على الأقل رغبتك في الزواج منه بدل الرفض النهائي والقاسي كما تصفينه، مما يبدو أن رغبة المجتمع أهم من رغبتك.
أما لو كنت تريدين أن تتزوجي به والمشكلة الوحيدة هي رفض أهلك، فكيف سيُغيّر الأهل رأيهم في نظرك؟ من ردّة فعلهم يبدون من النوع الذي لا يتحاور ورأيهم يشكل معيارا للحق والباطل، فهل هناك من إمكانيّة؟ لا يمكن لأحد أن يجيب عن هذا السؤال إلا أنت، عشت معهم وخبرتهم في محطات حياتك المختلفة وجرّبتهم في مواقف متعددة وستعرفين هل هم من النوع المتسلط الذي يُمضي قراراته بغض النظر عن المعنيين بالأمر، ويرون أنفسهم فوق السؤال والنقد، أم من النوع الذي يمكن التحاور معه وإقناعه. وحاولي أن تجيبي عن هذا السؤال بصدق مهما كانت تبعاته قاسية ومحطبة لك، لأنه لا فائدة من التهرّب من رفض أهلك لأنه سيكون مثل ذلك الباب الحديدي في آخر نفق الأمل.
لستُ ضدّ زواجِكما مبدئيا فليس شيء أفضل للمُحبّيْن من الزواج، لكني أنبّه لصعوبة ذلك واقعيا بسبب بيئتك وأسرتك وظروفه أيضا. وإن وجدت حلاّ عمليا لارتباطِكُما بعيدا عن الأماني، والاستماتة في تجنّب انفصال مؤلم، فاضربي بما قلتُ عرض الحائط وتوكلا على الله. ونُرحب برسالة أخرى إن أحببت مشاطرَتنا بالمستجدات.