كيف أصحح خطئي؟
أنا فتاة أبلغ من العمر 19 عامًا، قد أكون صغيرة في نظركم، ولكن ما وقعت فيه كبير، قد أكون أخطأت في يوم، ولكن كيف يكون تصحيح الخطأ؟
مشكلتي تكمن في حبي لشخص عن طريق الهاتف، كانت العلاقة في بادئ الأمر لهوًا، ثم تيقنت من حبي له، فعلاً أحبه وأقدم حياتي فداء له، صدقني إني لا أعرف ماذا أريد من هذه العلاقة، المهم لديّ أن أكلمه؛ لأنني أكون سعيدة بذلك.
ولكن الكارثة وقعت عندما تقدم لخطبتي رجل آخر والعائلة موافقة عليه مبدئيًا؛ لأنه شاب على خلق، ولم يراعِ أحد شعوري بالرغم من أني أعلنت رفضي وبكيت وما زلت أبكي. وما يعقد مشكلتي أكثر إحساسي بتأنيب الضمير، دائمًا أحاسب نفسي: لِمَ اقترفت هذا الذنب؟ ولِمَ ولِمَ....؟ ولكن سرعان ما أعود له لقد تعبت من التفكير، فأحيانا أفكر في الشاب الذي تقدم لي: كيف سأعيش معه وقلبي ملك لغيره؟ وكيف سأسامح نفسي على خداعه؟
وباقي يومي أفكر في حبي لهذا الشاب الذي أعتبره مستحيلاً، نعم هو حب مستحيل، ولكن لا أقوى على نسيانه قد تسألونني: لماذا مستحيل في نظري؟ والسبب لأنه من غير المعقول أن يحب شاب فتاة من غير أن يراها أو حتى يعرف ملامحها، ومن المستحيل أن تستمر حياتنا معًا دون أن يدور الشك في ذهنه، فأنا قد خاطبته في الهاتف دون علم أهلي، وبالتأكيد مع مرور الأيام سيراوده الشك بل الشكوك.
أنا في حيرة من أمري، هل أصر على رفض الشاب المتقدم لي ولو أدى ذلك إلى غضب والدتي مني، أو أوافق عليه وأصحو من حلمي الذي أعيش فيه؟ أقسم إني في حيرة ولا أعرف ماذا يجب عليّ أن أفعل، فالفتاة إن أحبت حكمت قلبها ولو كان عقلها يرفض وما أستطيع أن أقوله في هذه الرسالة: إني فعلاً أحبه، ولا أريد أن أخسره، ولو كان الثمن أن أخاطبه في الهاتف بقية عمري دون أن أراه.
ماذا أفعل؟
شكرا لكم
1/12/2021
رد المستشار
أختي الكريمة
إذا كنت ممن يزرن هذا الموقع باستمرار، ويتابعن ما فيه، فهذا يعني أنك قرأت إجابات سابقة تفيدك في فهم أبعاد ما أنت فيه من مأزق.
هناك مغالطات والتباسات تحيط بمسألة الحب في مجتمعنا العربي، خاصة المناطق الأكثر رفضاً لفكرة التعامل الطبيعي بين الشبان والفتيات في المجال العام، وبالتالي يحب هناك لا من يحب في الظلام، وفي السر مع كل ما يحمله هذا من تداعيات وأخطار وتعقيدات لا محل لها إن فهمنا طبيعة الإنسان، وطبيعة الحب.
مجتمعنا ينكر صراحة أو ضمناً على الشاب أو الفتاة أصل الميل القلبي لطرف من الجنس الآخر، ومجتمعنا لا يقبل من حيث المبدأ أن يناقش فتاة أحبت ليصحح لها تصورها، أو يُراجع معها اختيارها، أو يضيف إليها من رصيد الخبرة، وحكمة السنين، والنتيجة معروفة لذلك وواضحة: لن تكف قلوب البنات عن الحب، وعن الخفقات بالميل إلى هذا الشاب، أو ذاك، كما لن يكف الإنسان عن البحث عمن يهتم به، ويسأل عليه هو لذاته، ويلقي على أسماعه بكلمات الإطراء والمديح، أو أسئلة الاهتمام والاطمئنان، أو أشعار الحب والغرام، هذا هو الإنسان الطبيعي السوي.
واتساقًا مع هذه الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها عرف المجتمع المسلم طوال تاريخه المضيء قصص حب ملتهبة، وسمعنا عن أشعار الحب العذري وقصصه حتى قال المؤرخون: إن أوربا قد تعلمت الحب العاطفي الرومانسي من المسلمين عبر الأندلس من نقاط الاحتكاك بين أمتنا والغرب عبر العصور.
كان الحب عندنا شيئاً لا يُعيب، وغير مستنكر طالما بقي في إطار العفة سبيلاً إلى الزواج الذي كان سهلاً وميسوراً، بحيث لم تكن هناك مشكلة حب في المجتمع المسلم؛ لأن من يحب يتزوج دون إبطاء أو تعقيد أو حاجة إلى استخفاء أو تهرب، أو اعتذار أو شعور بالذنب.
هذه الأصول الشرعية والتاريخية اندرست، وأصبحنا في حالة يُرثى لها فلا الزواج ميسور، ولا الحب مفهوم، ولا الحكمة شائعة، ولا الفطرة محترمة. إنما تخبط في تخبط تارة باسم الدين، وتارة باسم المدنية، ولقد عرفنا الدين، وعرفنا المدنية الأوربية فلم نر لما نحن فيه أصلاً أو شبيهاً في هذا أو تلك!!!
هذه مقدمة رأيت أنه لا بد من التذكير بها قبل أن أجيب على سؤالك يا أختي.
بداية أشكرك؛ لأنك تنبهت إلى أن العلاقة بينك وبين صديق الهاتف ليست حباً بالمعنى المعقول والمعروف، وهو ما كررناه هنا أكثر من مرة، وبالتالي فإن تفكيرك في هذا الشاب الذي تحادثينه في الهاتف ليس حلماً في الحقيقة، ولكنه وهْم لذيذ يدغدغ مشاعرك، ويلبي حاجتك المشروعة أصلاً، ولكن بطريقة فيها من الخطأ والخطر الكثير.
تقولين من غير المعقول أن يحب شاب فتاة من غير أن يراها، فهل من المعقول أن تحب فتاة شاباً دون أن تراه، وتعرف شكله وعلمه وخلقه؟
أنت تحبين صوتاً في الهاتف، بل تحبين هاتفاً هو أقرب إلى الشبح منه إلى الإنسان الحقيقي من لحم ودم!! أنت خلقت هذا الوهم ووضعت فيه كل آمالك وأحلامك، فتاة في سنك تحب الحياة، وتطمح إلى حقها في الاهتمام والحب؛ فصار هذا الشاب الذي تحادثينه كياناً نورانيًّا لا عيب فيه، غير أنه لا يمت إلى عالم الواقع إلا بصوت عبر الهاتف.
ما أجمل الأوهام اللذيذة، والخيالات الرومانسية البريئة!! ما أحلى أحلام العذارى، وهي تتخيل فارسها على جواده الأبيض يأخذها إلى حيث الحب والأمان والسعادة!
آفاق رائعة، وتحليق في عالم نوراني لا يشبع منه إنسان، ولا تكتفي منه نفس، ولكن ما علاقة هذا بالواقع؟!! هذه أشياء للروح والذهن والوجدان، فما علاقتها بالعقل أو حتى بالقلب!!!
لو كان ما بينك، وهذا الشاب "الهاتفي" حباً حقيقياً لاتخذ مساراً آخر من البداية، أو بعد البداية مباشرة، ولو كان هذا حباً فذلك كفيل بأن يتقدم هذا الشاب للارتباط بك، ولا عبرة بالفكرة المتناقضة التي تثار غالباً عن أن الشاب لا يرتبط بمن حادثته في الهاتف؛ لأن الشاب الجاد المسؤول المحترم يعرف أن هذه الأحاديث كانت في إطار وعد ضمني بالزواج رغم عدم التصريح بذلك، وحتى إذا اعتبره خطأ فهو خطأ مشترك يتحمل فيه نصيباً كما تتحمل فيه الفتاة نصيبًا.
وتقولين أختي:
"فعلاً أحبه، وأقدم حياتي فداء له"، وهذا تفاني ووفاء محمود، ولكنه في غير موضعه بالمرة!! إنما يكون التفاني والوفاء من علامات الحب، وهذا الذي أنت فيه مع هذا الشاب الهاتفي محض أوهام!! وعليك أن تحسمي أمرك يا أختي، هل يبدو كافياً لك أن تعيشي حياتك محلقة في عالم الأوهام مستعينة على تغذية خيالاتك بصوت مجهول لشخص مجهول في الهاتف؟!
أليس من حقك أن تعيشي حباً حقيقياً في العلن، لا تستحين منه، ولا تعتذرين عنه؟! سواء مع هذا الشاب الجاد الذي تقدم إليك أو مع غيره؟! إن الفارق بين الوهم والواقع هنا هو – من زاوية ما – فارق بين مرحلة المراهقة حيث العواطف متأججة عمياء، ومرحلة النضج حيث العواطف راشدة وحقيقية.
فهل في هذا الاختيار شبهة حيرة؟!
أفيقي من الوهم إن كنت تريدين حقك في الحب، وتوقفي عن الرضا بالسراب بديلاً عن الماء، واحسمي أمرك مع رجل الهاتف، إن شاء تقدم إلى عالم الواقع، أو يبقى في عالم الأوهام وحده. لا توجد مقارنة من الأصل بين وهم صنعه خيالك، وواقع ينبغي أن تحصلي على نصيبك من السعادة فيه، ولن تحصلي على هذه السعادة إلا بجهد وإرادة.
احسمي أمرك مع "الهاتفي"، وخذي وقتاً لتقرري بشأنه، إذا تقدم لك فحينئذ تعرفينه حقيقة لا وهماً، وإذا لم يتقدم فتوقفي عن معانقة الوهم، واحتضان السراب، وخذي فترة تبرأ فيها نفسك من طعم الأوهام اللذيذة التي كنت فيها، وبعدها انظري في شأن هذا الشاب المتقدم لك بحياد وموضوعية، انظري إليه بعقلك، وأطلقي العنان لقلبك في عالم الواقع هذه المرة، وعندها تقررين هل يصلح لك، وتصلحين له، يناسبك وتناسبينه أم لا.
وكفي يا أختي عن القول:
إن قلبك كان مع غيره، وكفي عن أحاديث الخيانة والتمزق فليس لها هاهنا موضع، فلم يكن قلبك يوماً مع أحد، ولم تقع منك خيانة، والله لا يحاسبنا على الأوهام والظنون.
تمنياتنا لك بالسعادة الحقيقية... معنا على الأرض، وكوني على صلة بنا.