أريد الانتحار من معصية ارتكبتها
أعاني من تأنيب الضمير وأفكر في الانتحار يوميا لقد قمت بذنب عظيم في حق جدتي لكن لم أقصد ذلك كنت مراهقة وقتها حين جدتي مرضت بزهايمر وكانت تعيش عند عمي لكنهم لم يستطيعوا تحملها فقرر أن يأخذها لعمتي لتعتني بها لكنهم أهملوها لم يقدر أحد على رعايتها لأنها كانت تتصرف تصرفات عدوانية فقرر أبي باحضارها لنعتني بها.
نحن كانت مريضة وعدوانية وأحيانا تستفيق في الليل وتبدأ بالصراخ وعند محاولة تهديتها تصبح عدوانية وحتى الدواء ترميه لا تبلعه في يوم من الأيام استفاقت وأصبحت عدوانية فحاول إخوتي صغار محاولة ردعها فأصبحت تضربهم فحاولت إبعادها بدون قصد وقعت وأصبحت مقعدة من يومها حتى توفت بعدها بسنة والله أني لم أقصد ذلك أعلم أني أذنبت ذنبا عظيم ولكن كان قصدي إبعادها لكي لا تضربهم.
أحس بأني أنا السبب في معاناتها ووفاتها والله إن تأنيب الضمير يقتلني وأنتظر دائما عقاب الله لي عما فعلت ولا أستطيع أن أعيش بشكل طبيعي بعد اليوم أنا أحس بأنني مجرمة وقاتلة والله إني تبت إلى الله وأنا كل يوم أدعو الله لها وأحاول أن أفعل أي شيء لأتصدق عليها ولكن مع هذا الذنب يقتلني بشدة أنا أحس بأنني شخص سيء للغاية وأحتقر نفسي ودائما أدعو على نفسي أنا أتمنى الموت حرفيا من فضلكم انصحوني ماذا أفعل ليغفر الله لي فأنا أعاني بشدة وفكرت في الانتحار أكثر من مرة ولكنني لم أستطع فقد خفت على أمي من أن يحدث لها شيء من هول الصدمة.
انصحوني من فضلكم
شكرا لكم
9/12/2021
رد المستشار
أهلا بك يا "سارة" على موقع مجانين للصحة النفسية
الجواب على سؤالك "ماذا أفعل ليغفر الله لي" هو : "أن تغفري لنفسك" ! منذ المراهقة وأنت تعيشين هذا العذاب؟ أليست سنوات طويلة؟ ألم تزوري مختصا نفسيا ألم تستفتني أحدا من العقلاء!!
أولا هناك نقطة مهمة وهي أنّ الله لا يؤاخذ الناس بأي شيء فعلوه دون قصد، يعني الإله الذي تعبدين يقول لك لا تعذبي نفسك فقد غفرتُ لك مسبقا ما فعلت لأنه يدخل في نطاق "الأفعال غير المتعمّدة" وحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" معروف جدا، والخطأ هنا ليس بمعنى الخطيئة، بل هو ما نقصده "بحصل ذلك بالخطأ" أي ما هو ضدّ التعمّد. فهذا لا نؤاخَذ عليه من الأساس تخيّلي؟ وحتى القانون يفرق بين حالة قتل متعمّد مع سبق الإصرار والترصّد وبين قتل غير متعمّد.
يعني دينا وعقلا أنت لست مجرمة تستحقين الموت. طبعا الدين لا يؤاخذنا بغض النظر عن التبعات والنتائج، فبعض الأخطاء يسيرة وبعضها مكلفة، مثل آية القتل غير العمد "وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا" موت أحدهم نتيجة ثقيلة لكن مع ذلك لا يُقتل القاتل غير المتعمّد نفسا بنفس، لأنه لم يتعمّد. هنا نعرف نظرة الدين وتشريعاته، لكن ماذا عن نفسية الذي أزهق روحا وكان سببا في ذلك دون أن يتعمّد؟ هل سيتجاوز الأمر بسهولة؟ كيف سيرى الأمر؟ ماهي درجة حساسيته لأخطائه؟ وهل هو من النوع المنتقد جدا لذاته... إلخ. فماذا عنك وقد تسبّبت في شلل الجدة؟
هذه التساؤلات توضح أن الأمر ينتقل من ساحة مؤاخذة الله ودينه الذي يُفترض أنّها محسومة، ونظرة الله لنا ليست سخطا ولا غضبا، إلى معركة نفسية تخص صاحبها. هذا ما حصل لك بالضبط، أنت غالبا تفهمين بعقلك أن الدين لا يؤاخذك لأنك لم تتعمدي، شيء بديهي عندك وعند الكل، المؤاخذة الإلهية منعدمة في فعلك، لكن نفسيتك تقول شيئا آخر، لم تتقبل كونها "معذورة" فالأمر متعلق بك، رغم أنّك تتحدثين عن الله والدعوات والصدقات، لكن في الحقيقة هذه كلها "أقنعة" تختبئ وراءها أزمة نفسيّة لم تعرف كيف تتجاوز نفسها.
وإلا ما تفسيرك مثلا لأحد يقول له من يستطيع محاسبتَه: "أنا لن أحاسبك على هذا وقد عفوتُ عنك" فيعود المخاطَب إلى بيته فيجلدها ويريد أن يقتل نفسه؟ يبدو الأمر غير منطقي صحيح؟ يبدو الأمر واضحا هنا، الأمر متعلّق به هو وليس بذاك المسؤول حتى إن تمسّح به كتبرير للجلد أو الانتحار؟ فالمسؤول بريء! تفهين الآن معنى المثال؟ أي أنّ الله قال لك قد غفرت لك قبل أن تفعليها أصلا لكنّك تُصرّين على أن تقولي بأنني "أريد أن أنتحر وأتعذب وأدعو وأتصدّق وأكره نفسي وحياتي ومقعدة عن مشاريعي وإنجازاتي في ربيع شبابي..." كل هذا تقولين بأن بسبب الله والدين ومن أجل الله؟!! تأمّلت التناقض هنا والحيلة النفسية.
في العُمق هذه الحيلة النّفسية اللاواعية تُشرعن اعتداءك على نفسك واكتئابك وأفكارك السوداوية، فهي أفكار خاصة بك لكنّ نفسيتك تعطيها طابعا أو صبغة دينية وربانيّة، وهي بعيدة كلّ البُعد. من هنا إن فهمت قصدي جيدا بهذا الجزء الأوّل ننتقل للجزء الثاني.
يجب أن تعرفي أنّ نفسياتنا لها آليات معيّنة تارة تعمل بشكل صحيّ وتارة تعمل بشكل مرضيّ، مثل الحزن في حالة موت قريب لنا، الحزن طبيعي وصحي ومرحلة نمرّ بها بشكل ضروري بعد فقد أحدهم، وكلما كان عزيزا على القلب كان الحزن أكبر، لكن مراحل الحداد تتناقص حدّتها وتتوالى لتنتهي ونعود لطبيعتنا (من حسن حظّنا!) هذه الآلية قد نفسها لها وجه آخر، هو الحداد المرضيّ الذي يعلق صاحبه في مرحلة من المراحل ولا يتخطّاها إلا بتدخل علاجي، وليس الأمر متعلقا بكونه متدينا أو غير متدين بل هو عطب نفسي يحتاج لتغيير أفكار وسلوكات وتصورات معينة قد تدخل في الدين أو تكون خارجه.
هذا المثال يُمكن إسقاطه على حالتك، فنحن نملك ضميرا يؤنّبنا إن أخطأنا، هذا الضمير الأخلاقي شيء صحيّ بل ضروري في حياتنا، لكن آلية "وخز الضمير" هاته والمحاسبة قد تتحوّل لآلية مرضيّة تدفع بصاحبها إلى الاكتئاب والأفكار الانتحارية. هي حالة متضخمة من الحساسية اتجاه الأخطاء، نفقد فيها القدرة على عُذر أنفسنا ومسامحتها، لا نستطيع أن نغفر لأنفسنا ما فعلناه لا نملك تلك السماحة التلقائية التي يميل لها الناس في العادة لمسامحة أنفسهم وتقديم التبريرات التي تخفف عنهم المسؤولية والذنب. هذا ما حصل لأولئك الرجال الذين فهموا من آية أن الخمر مباح فشربوا حتى التّخمة مرات ومرات، فلّما فهموا الآية تسرّب اليأس إلى نفسوهم بأن الله لن يتوب عليهم. لم يستطيعوا تقبل أنهم أخطأوا وتأوّلوا وهم معذورون ولم يكونوا من أهل المعرفة بالشريعة، هي حالة من التأزّم النفس.
والخطير في هذه الآلية، أي عدم القدرة على مسامحة أنفسنا، أنها تُخفي وراءَها آلية أكثر فتكا منها، وهي لعب دور الضّحيّة المُعذّبة بشكل لاشعوري من أجل التكفير عن ذنوبها، أي أنّك تتقربين لله بجلد ذاتك وتعذيبها (وقد قلنا أنه بريء من هذا سبحانه) لأنك ترين نفسك تستحقين العقاب وقد قلت أنّ تترقبين عقابه! هذا التعذيب الذاتي هو آلية تعويضيّة للتخفيف من مشاعر الذنب، بمعنى أنّنا نقسو على أنفسنا ونقبل بكل شر وسوء يحصل لنا بل قد نسعى له، لأنّ أي شعور بالسعادة والراحة والانعتاق نعتبره محرّما علينا لأننا "مجرمون" وهو ترف لا يليق بنا ولا نستحقه، أو نذير شؤم واستدراج وأنّ شيئا أسوء سيحصل... بهذا نُدخل أنفسنا لدوامة من التعذيب الجلد والاكتئاب وتمني الموت ونتمنى ألا نخرج منها في أعماقنا! نتلذّذ بها لأنها وسيلتنا الوحيدة للتكفير عن خطيئتنا ودنسنا وإجرامنا... ولأن فكرة أن ننسى "ذنبنا وجريمتنا" ترعبنا ونريد أن نبقى مدينين لمبادئنا أو ديننا بإحياء الذنب والعار في أنفسنا بشكل أبديّ إلى أن نتحطّم، أو ننتبه لهذه الدائرة الخبيثة فنخرج منها.
أعتقد أنني وضحت الكثير من الخبايا، ويبقى أن تزوري مختصا نفسيا للتتعافي، فلو صدّقت مثل رمال البحر ذهبا، أو لهجتُ بدعائك كل ليلة من لياليك لما تجاوزت الأمر لأن القضية بعيدة عن هذا، تصحيح المفاهيم الدينية سيُعنيك لكنه لن يشفيك، لأن ما قلنا عن الدين أنت في الغالب تعرفينه لكنّك لم تستطيعي الاستفادة منه أو استشعاره. لذا اذهبي عند مختص نفساني حتى تخرجي من هذه الدوامة.
تمنياتي لك بالشفاء
واقرئي على مجانين:
متاعب شاب عادي بضمير غير عاديّ
وسواس الشعور بالذنب !