قبل أن أبدأ سؤالي فيما يخص أولادي، أسأل الله العلي القدير أن يوفقكم ويثيبكم عنا كل خير وبركة لما تقدمونه لنا من نصح يعيننا على تربية أبنائنا بما يرضي الله عنا. ولطالما استفدت من كل ما أقرأ من حلول لاستشارات ترد إليكم.
لدي 3 أولاد عبد الله 5 سنوات، ويوسف 3 سنوات ومحمد سنة ونصف، أعيش أنا وزوجي وحدنا في الغربة وليس لدينا علاقات اجتماعية كثيرة بسبب الاختلاف بين مجتمعنا وتقاليده وقيمه الدينية التي نتمسك بها والحمد لله وبين المجتمع الغربي الذي نعيش فيه.
مشكلتي أن أطفالي لديهم شخصيات مختلفة تماما الواحد عن الآخر ولا أستطيع التعامل معهم جميعا في نفس الوقت إلا عندما أقرأ قصة لهم فالحمد لله الثلاثة يستمعون مع بعض المشاغبات من الصغير.
أولا سأكتب بعض صفاتي التي للأسف لها دور في مشاكلي مع أطفالي، وأولها العصبية فأنا عصبية أغلب الأوقات ولكني من النوع الذي أستطيع التحكم بعصبيتي ولكن عندما أكون متوترة لا أستطيع ذلك وبالتأكيد فإن الغربة من الأسباب الرئيسية في عصبيتي مع العلم أني للأسف لا أستطيع الرجوع الآن إلى بلدي.
أحب العمل بهدوء وعلى راحتي ولكن للأسف بوجود الأطفال معي مثلا بالمطبخ وطلباتهم وكلامهم وتساؤلاتهم لا أستطيع إتمام أي شيء وأصبح عصبية وأرفع صوتي عليهم وإن لم يخطئوا، وأقضي الكثير من وقتي في المطبخ وترتيب المنزل مع العلم أن والدهم يقضي الكثير من الأوقات معهم ويلاعبهم وهم متعلقون به كثيرا ولكن من المعروف أن صبر الرجل أقل من صبر المرأة فلا يستطيع المتابعة معهم كثيرا خصوصا عندما تبدأ مشاجراتهم وصراخهم مع بعضهم.
عبد الله ويوسف الآن في الروضة، عبد الله بما أنه الطفل الأول فللأسف ركزنا على كل صغيرة وكبيرة في تصرفاته ولم نكن نسمح له أن يخطئ مثل بقية الأطفال في عمره وبما أنه من النوع المطيع أو كما كنا نعتقد فلم يكن يثير مشاكل ولكن الظاهر أنه كان يكتم مشاعره وكنا نظنها طاعة منه لأوامرنا ولكن الآن بدأ بالعناد والعصبية على أبسط المواقف وأخذ الأشياء من إخوته، وفيه بعض من الأنانية، ولديه أيضا نوع من البطء والحذر في تصرفاته فهو لا يفعل أي شيء إلا بعد التفكير به حتى وإن كان شيئا روتينيا ولا أعرف بماذا يفكر وعندما أسأله لا يجيب مع العلم أنه منذ الولادة كان لديه بعض الخمول في تحركاته وقد تم إجراء فحوصات له كاملة ودقيقة في المستشفى والحمد لله لم يظهر لديه أي شيء فقط قال الدكتور إنه طفل خامل لا أكثر ولا أقل.
أحيانا عندما يتكلم تظهر لديه التأتأة في كلامه ومرات تطول كثيرا بحيث يعيد الكلمة الأولى خمس مرات ويستطيع إتمام الجملة وأحيانا يقول لي لقد نسيت ما أريد أن أقول، وأنا أتأثر كثيرا عندما أجده هكذا أحس أنه يتأتئ لأنه يفكر ومن زحمة الأفكار في باله لا يستطيع أن يعبر فكيف أستطيع حل هذه المشكلة؟ مع العلم أن التأتأة ليست صورة مستمرة لديه ألاحظها.
مثلا عندما يكون فرحا جدا أو عندما يتكلم بموضوع مشوق ولكن في الكلام الروتيني العادي يتكلم بشكل جيد والده يلاعبه دائما ألعابا لغوية مثلا على كل واحد أن يقول ثلاث جمل صحيحة بالمعنى ومثل هذه الألعاب تعجبه جدا بصراحة أحس أن لديه مشاكل الطفل الأول خصوصا أني عندما أنجبته كنت وحدي بدون وجود أخواتي وأمي أو أي من الأقارب بقربي ليساعدني ويوجهني في تربيته فكيف أستطيع تخليصه من هذه المشاكل؟.
أما يوسف فهو متسرع دائما أحس أنه ليس لديه تركيز يمل بسرعة يتكلم بسرعة عنيف في لعبه لكن لديه صفات جيدة وهي أنه يحب الترتيب مثلا يضع كل شيء بمكانه ويرتب ملابسه وعندما يرى شيئا غير مرتب مثلا سجادة الصلاة يرتبها ويرجعها إلى مكانها، حنون جدا لكنه يؤذي إخوته بدون قصد أو مرات بقصد المشاغبة مثلا.
أحيانا عبد الله يعجبه اللعب بدون إخوته وبهدوء لأن طبيعته أهدأ منهما ولكن يوسف يتضايق ويبدأ بتخريب لعب عبد الله وتبدأ المشاكل والصراخ ولا أحد يستمع لما أقول أهم شيء أريد معرفته عن يوسف هو كيفية التعامل مع عدم تركيزه وملله بسرعة من أي لعب.
أما الصغير محمد فهو دائم الصراخ وعصبي جدا جدا وبما أنه صغير فهو لا يفهم كثيرا من لعب الأطفال ومع ذلك يريد اللعب مع إخوته وهم لا يريدون ذلك لأنه يخرب لعبهم فكيف أستطيع التوفيق بين أعمال المنزل وبين طلبات الأطفال وأيضا اللعب معهم وتنمية قدراتهم.
وسؤالي أيضا: كيف أستطيع التعرف على نوع ذكاء كل منهم في أعمارهم هذه حتى أستطيع تنميته لأني كنت قد قرأت مقياس الذكاء على صفحتكم. وقد استطعت نوعا ما تحديد ذكاء عبد الله ولكن ليس بشكل دقيق ولكن إخوته لحد الآن صغار .
وكثير من الأسئلة في مقياس الذكاء لا أستطيع تحديد إجابتها بالنسبة إليهم..
وجزاكم الله ألف خير.
16/1/2022
رد المستشار
شكراً على استشارتك الموقع.
هناك ثلاثة أبعاد في الاستشارة لا بد من التطرق إليها سوية وهي الأطفال، البيئة والوالدين. هناك تفاعل ديناميكي مستمر بين الأبعاد الثلاثة، والتي في نفس الوقت تؤثر على مسيرة الأطفال في الحياة ونموهم النفسي والعصبي.
الأطفال جميعهم دون عمر الستة أعوام، والطفل نفسيا يسعى إلى طاعة الوالدين من خلال ممارسة الكبت لكي ينال رضاهم. لكي ينموا الطفل نفسيا بصورة صحية فعلى الوالدين أو من يتولى رعايتهم خارج البيت السماح لهم باستعمال خيالهم من خلال اللعب مع الأطفال الآخرين. هذا التحول يبدأ بين عمر عامين وأربعة أعوام ومن بعدها يتم تهيئة الطفل للتفاعل السليم مع أقرانه في بيئة خارج البيت حيث هناك الميل أى أسقاط ما هو سلبي في داخله على غيره وتدريجياً يبدأ بتعريف نفسه مع من هم خارج بيئته المنزلية. هذا النموذج النفسي المبسط يصور ما يحدث للطفل مع فراقه البيت تدريجياً فعليا ونفسياً ولا مفر من ذلك. أي محاولة لبرمجة الطفل من قبل الوالدين لتغيير هذه المسيرة عملية عقيمة نتائجها سلبية على المدى البعيد.
الأطفال وهم في بيئة المنزل في تفاعل مستمر مع الوالدين والتعلق بهم. هذا التعلق قد يكون آمناً، غير آمناً ، قلق متوتر، أو مرتبك. كذلك الأطفال في هذا العمر في عملية تنافس مستمر بينهم من أجل الحصول على رضى الوالدين والتعلق بهم. هذه الحقيقة تفسر سلوك الأطفال الذي تتحدثين عنه في رسالتك، والصراحة لا يوجد ما هو غير طبيعي فيهم والتأتأة التي تشيرين إليها لا تستحق أي مراجعة طبية.
البعد الثاني يتعلق بالوالدين. سؤالك عن قياس ذكاء الأطفال ليس في محله وكان الأحرى بك التركيز على احتياجات الأطفال وتلبيتها. قياس الذكاء عملية لا قيمة إلا في المصابين باضطراب عصبي تطوري، ومحاولة تقييم ذكاء الطفل في هذا العمر من قبل الوالدين أو غيرهم، أمرٌ في غاية القسوة لا يؤدي إلا إلى وصم هذا الطفل وذاك بمصطلح ذكي وغير ذكي أو غبي. ما هو الأهم أداء الطفل نفسياً، عملياً، لغوياً، يدويا، وعاطفياً وكل ذلك يخضع لعوامل بيئية أكثر قوة من عامل مستوى الذكاء. ما دام نمو أطفالك طبيعيا فلا حاجة للقلق، والخدمات الصحية التي تشرف عليهم تتولى مسؤولية مراقبة عملية النماء العقلي.
ما هو أيضاً في غاية الوضوح في رسالتك هو الجانب السلبي العصابي في شخصيتكم حيت تم وصفه بكل وضوح. كذلك هناك مشكلة في انفتاحك على الآخرين والانبساط معهم. لم تتأقلمي بعد مع البيئة الجديدة، وهذا ليس بالغريب مع وجود ثلاثة أطفال دون عمر الستة أعوام في مجتمع لا تتفقين مع مبادئه وقيمه. قد يتغير الحال مستقبلاً أو لا يتغير، ولكن هناك حقيقة واحدة عليك القبول بها وهو أن سيطرتك على الأطفال في طريقها إلى الزوال تدريجياً مستقبلاً، ومستقبلهم هو في البيئة الجديدة التي يعيشون فيها، وخير ما يمكن أن تفعليه القبول بذلك والتوقف عن محاولة برمجتهم.
وفقك الله.