السلام عليكم
أحبها يا صديقي.. نعم أحبها من كل قلبي وحرصت عليها منذ أول يوم التقينا فيه في الجامعة التي أدرس فيها، وما زلت لا أعرف حقيقة -بعد ما يقارب العام منذ أن تعارفنا- أن الزواج بها سوف يسعدني أم أنه سوف يجعل مني بعد وهلة من عمرنا الفاني أنعي حظي، وأكره اليوم الذي فكرت فيه بالزواج بها.
وهذه قصتي يا سادة، أقصها عليكم هنا علِّي أجد عندكم الجواب الشافي. فقلبي يعتمره الإيمان، الإيمان بأن كل ما في هذا الكون العتيق مسيَّر من الله سبحانه وتعالى، وأن الخيار الأول والأخير هو جزء لا يتجزأ من شريط طويل لأحداث مليئة بالصور والمواقف والذكريات والكلمات والنظرات والحركات والقرارات.
شريط أشبه بذلك الذي يعرض في دور السينما والذي نطلق عليه غالبًا صفة (القدر) في كل مرة حاولنا فيها أن نقرأ جزءًا منه أو نحلل مقطعًا من مقاطعه التي انطبعت في ذاكرتنا، ولكننا وبحكمة منه سبحانه لا نستطيع أن نجد الحكمة الكاملة من وراء استنتاجاتنا أو قراءاتنا.
وعندما علمت أن الاستخارة لا تكفي وحدها دون استشارة، أخذت بعد ذلك أركض بين البشر الذين أرى فيهم النزاهة ورجاحة العقل طالبًا منهم الاستشارة. علَّ الله لا يحاسبني على تقصيري في استشارة أهل الخبرة.
لقد كنت في بلدي الأصلي، بلدي العربي، مهووسًا بالغرب وكل ما يصدّرونه لنا عبر شاشات التلفزيون والإنترنت أو الراديو، والكتب أيضًا، فذلك أمر طبيعي بالنسبة لمراهق لا يرى ما يرونه، ولا يعي ما يعونه، ولا يلتمس ما يلتمسونه، ولا يستفيد من الذي يصدّر لهم من آبار نفطنا العربي، بينما العربي يعذب ليس في أبو غريب وحده وإنما في كل غرفة يجتمع فيها عربيان، ليُصْدِر أحدهما أوامر ينفذها الآخر رغمًا عنه.
وكان ذلك في الحقيقة حال الكثير من بني جلدتي الذين هم في جيلي أو من هم يقاربونني في السن والتفكير. لقد كان ذلك عندما بلغت من المراهقة عتيًّا، أي ما يقارب السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمري. ومنذ أن فتحت عيناي على الدنيا في بلدي العربي المسلم والذي لا توجد فيه طوائف أو مذاهب أو ديانات، عدا الإسلام الذي جاء به النبي الأميّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه أفضل صلاة وأعظم تسليم وأنا أرى أحداثًا لا تمت لإسلامنا أو للمنطق والعقل بأي صلة تذكر، والكل يقلد الكل، وغالبًا ما تكون العادات والتقاليد المتعارف عليها المنديل الذي نمسح فيه جهلنا بأمور خطها الله في كتابه قبل ما يقارب الألف وأربعمائة عام مضت.. فلغة الشارع، وعدم مصداقيته ونفاقه وكذبه وترّهاته واضمحلال الثقافة فيه وانهيار مؤسساته والتي تتضح لكل زائر تطأ رجله مطار عاصمته المتواضع جدًّا، أو بمجرد أن يلقي نظرة سريعة على الجامعة التي تعتبر من أهم المراكز الحيوية لأي مجتمع.
حتى الجامعة التي تعتبر منبع الحضارة والعلم والثقافة والتي من المفترض أن تكون قبلة كل تائه ضاع في الطريق، جُعِلت مرتعًا يباع فيه الضمير، والشرف، والأخلاق، والكلام المعسول الذي لا يغني ولا يسمن من جهل، فبعدما أمضيت فيها عامي الأول بعد حصولي على شهادة إتمام المرحلة الثانوية، اكتشفت أنها ليست لي.. فطفق عقلي يخاطبني، وطفق وجداني يحرضني على الرحيل.. الرحيل إلى وجهة لا يعلمها إلا الله. حزمت حقائبي، وكلّي ثقة في ذلك الذي آوى محمدًا وأبا بكر الصديق. وبعدما نزلت بنا الطائرة أرض أحد مطارات أوروبا أحسست حينها بأنني لست من هذا البلد، وأن غربتي هذه ما هي إلا غربة مؤقتة علَّها تخفف عنّي غربتي التي عشتها في بلدي.
فأسباب سفري لم تكن أسبابًا مادية، أو عائلية، أو أنني مطارد سياسيًّا، وإنما هي غربة اخترتها بمحض إرادتي.. وأنا سعيد بجمرها طالما أنه من أناس لا يأمنون بما أؤمن به، ولا يتكلمون اللغة التي تجرعتها من حليب أمي.. كانت البداية عادية، مثل كل البدايات، لغة جديدة، عالم جديد، أناس آخرون، جنسيات مختلفة، أماكن غريبة، وما إلى ذلك من أمور تعودت عليها بعد أربعة أعوام من إقامتي هنا.. لكن ثمة شيء واحد هو ما كان يضعفني في كل مرة.. شيء واحد أرَّق حياتي، وقلَّل من نومي، ألا وهو الزواج.
فكما تعلمون أوروبا مليئة بالمغريات، وأظن أن بلداننا العربية أيضًا، لكن المجتمع الذي أعيش فيه يرى كل شيء على أساس أنه لا شيء على عكس بلداننا، فالعربي المسلم الذي يقيم ببلده المسلم لا يخجل من أخطائه أمام الله، بل خجله نابع من خوفه أن يكتشف أمره، أو خجل من جار له، أو قريب يعرفه، أو بعيد يظن فيه الظن الحسن أو رفيق لا يعلم ما يخفيه في صدره.
فالنساء هنا متحررات، وما أسهل أن يوقع بك الشيطان سواء كنت تتقن لغة القوم هنا أو (يا دوبك تفك الخط)!.. كنت حقيقة أخطط للزواج قبل أن أكمل عامي الثاني في بلاد الغربة.. ولكن السؤال الذي كان يطرح نفسه دائمًا: هل أتزوجها من هنا أم من هناك؟.. انطلاقًا من مبدأ أنها يجب أن تكون مسلمة من نفس الطائفة، تشهد ما أشهد به، وتعتقد ما أعتقده من عقيدة.. أما الجنسية لم تكن العائق الحقيقي أمام فكرة إكمال نصف الدين، فلها أن تكون عربية، ولها أن تكون أوروبية، ولها أن تكون آسيوية ولها أن تكون من أي بقعة على هذه الأرض، الأهم من كل ذلك هو كيف سوف يكون المستقبل؟ مع العلم بأنه ليست ثمة مخلوق له المقدرة على معرفة المستقبل، من الممكن التخمين في التصور ولكن ليس لأحد القدرة على الجزم في ذلك.
أقنعت نفسي في تلك المرحلة، عندها كنت قد قاربت الحادية والعشرين، بأني لست قادرًا على الزواج في ذلك الوقت، ليس تهربًا من المسئوليات، وإنما ضعف من الناحية المادية والوقت.. فلطالما حلمت بزوجة تشاركني أفراحي وأتراحي، تحس بما أحس، ترى العالم من خلال الزاوية التي أراه منها، أن تكون طالبة مثلي، نعين بعضنا بعضًا، ويعيننا الله من فوق سبع سماوات.. وبهذه النظرة أخذت أنفر من الزواج من بلدي شيئًا فشيئًا.. لا لعيب في بناتنا اللاتي يعشن هناك، وإنما خوفًا من أن أظلم إحداهن فتكون العواقب غير تلك التي تطمئن لها القلوب، وتنام لها العيون هانئة البال.
فإن خطبتها، وتزوجت بها، وجئت بها إلى هنا، يعني ذلك أن أهلها ينتظرون مني أن أريح ابنتهم من جميع النواحي، وأنا الطالب الذي بلغ الثالثة والعشرين من عمره والذي لا يزال لم يكمل طريقه في الدراسة.. فكيف لابنتهم أن تصبر على غربة وهي التي لم تتغرب ولو لأسبوع واحد عن أهلها؟.. وبقي بعد ذلك الخيار الوحيد وهو أن أتزوج بواحدة من هنا، من المكان الذي أقيم به.. بحثت هنا، وهناك، فلم أجد حقيقة العائلة التي أنسجم معها، بالرغم أن ثمة عائلات عربية مسلمة لا غبار عليها، الدين والخلق، لكنني لم أنسجم معها.. لا أدري، فذلك شيء من عند الله.. وبقيت أقتنص الفرصة التي ربما تكون نقطة العبور إلى سعادة القلب والخاطر، وسبب من أسباب إعمار الأرض بما يتماشى مع نهج السنة والصحابة والسلف الصالح، وما يرتاح له وبه القلب والضمير.
مللت من البحث في المدينة التي كنت أقطنها، والقدر استدرجني إلى مدينة أخرى، إلى جامعة أخرى، ومن هناك رأيت القدر بأم عينه يتمثل لي ببعض التحفظات.. كانت فتاة جميلة، ذات خلق وملامح عربية لا تخفى على عربي مثلي.. لا أقول بأن قلبي قد قرع من أول نظرة وإنما كان ذلك إعجاب من أول نظرة.. تعارفنا في الحرم الجامعي.. كنت أراها تقريبًا كل يوم بحكم أن تقسيم المجموعات جعل اسمينا في قائمة واحدة من إحدى المجموعات الكثيرة.. ومن هناك بدأ التعارف الحقيقي.. حقيقة ولا أخفي عليكم وجدت فيها مميزات وصفات حميدة لم أجدها في بنت بلدي، فهي تصغرني بأربع سنوات.. وبما أنها بشر مثلي، فلها عيوب مثلما لي، وكان لها أخطاء كدرت صفوي وجعلتني أبتعد عنها رويدًا رويدًا، بدءًا من هيئتها التي أوحت لي بأنها من عائلة متحررة، ومن خلال سردها لأخطائها فترة المراهقة، ومن بعض تصرفاتها التي كانت في جوهرها أوروبية، ولكنه اتضح بعد فترة بأنها لم تزر في أي يوم من الأيام بلدًا عربيًّا مسلمًا، وذلك ليس بالسبب الرئيسي الذي اتكأت عليه، وإنما إيقانًا مني أنا الذي ولدت في بلد عربي مسلم بأن محيط أي إنسان قادر على تغييره 180 درجة في الاتجاه الذي لم يكن يتمناه، وهذا ما تأكد لي –ولا يزال- من خلال تجربة أربع سنوات غربة.
ولكنها وبحكم أنها مسلمة مثلي، وهي فتاة فمن السهل الإيقاع بها، كما أنه من السهل الإيقاع بفتى مسلم أيضًا، أحسست بأنني ارتكبت خطأً وأن حمايتها أهم من الخوف من الوقوع في فخ الحب!.. وأصبحت العلاقة تتوطد يومًا بعد يوم بحكم الزمالة. وبغض النظر عن أنها من بلد عربي آخر، ومن أنها من عائلة متواضعة الحال، والداها جاءا إلى هنا لأجل الدراسة وبقيا هنا إلى يومنا هذا، علمًا بأنهما كانا يخططان للعودة من حيث أتيا، لكن الحرب والأوضاع المتأزمة هناك حالت دون تحقيق حلمهم والاستقرار في بلدهم. كنا في فترة التعارف نتناقش في جميع المواضيع، الدينية منها والحياتية والعلمية، ومن خلال ذلك تعرفت على أهلها من غير أن أعرفهم.
عرفتهم أناسًا طيبين، ملتزمين، مثقفين، ولا يرون أن ثمة عيبًا من زواج ابنتهم من مسلم يحمل جنسية عربية أخرى غير التي يحملون.. لم يطمئن قلبي، خوفًا من أنها تكذب أو أنها تتصنع، أرسلت في طلب معلومات عنهم، فهم يقطنون مدينة غير التي نقطن، لا تبعد عنا كثيرًا، وجاء الرد بأن كل ما قالته كان الحقيقة التي سعدت جدًّا لسماعها.. ومن هناك عرفت بأنها صادقة، وأن الصداقة بغض النظر عن الأخطاء التي فعلت وعن الهفوات التي وقعت فيها لا خوف منها.
وحانت ذات مرة الفرصة أن أسألها عن لباسها المتحرر، فقالت بأنها تخطط لارتداء الحجاب منذ مدة، وأن والدتها ترتدي الحجاب، فمثلما تعلمون ارتداء الحجاب في بلد أوروبي صعب نسبيًّا بالمقارنة ببلداننا العربية.. فالعربية عندما تقرر ارتداء الحجاب يصفق لها الكل، ويثني عليها الكل، وتلقى دعمًا من الكل.. أما هنا، فينفر منها الكل، ولا تلقى عملاً، وينظر لها على أنها مسلمة متزمتة.. وعلمت ذات مرة بأنها كانت طوال فترة المدرسة لم يكن لها أصدقاء مسلمون، فهي تقطن في شبه قرية والمسلمون هنالك ليسوا بالكثر، فتأثرت بأشياء كثيرة ربما لا تتأثر بها مسلمة في مجتمع إسلامي، ولكنها ولله الحمد حافظت على عفتها وأخلاقها حميدة ولله الحمد.
الفتاة تصلي جميع الأوقات، وهي لم تَقُل لي ذلك، ولكنني أراها في أوقات الصلاة في مسجد الجامعة. وهي حقيقة تثق فيّ وتجيب على أي سؤال أسأله، مع العلم أنني اختبرت مصداقيتها في كثير من الأحيان ووجدتها صادقة.. فسألتها عن ماضيها، وجدت -في الحقيقة- أن فيه من العيوب ما غطّى على المميزات، مع العلم بأن نظرتي له كانت نظرة الأجنبي الذي لم تطأ رجله أي مدرسة أوروبية وإنما الجامعة هناك فقط.. وبحكم أنني بشر ولست إلهًا فمن الصعب أن أنسى ذلك وكل ما صارحتني به، وطبعًا بعض ما رأيته، مع العلم بأن لي من الذنوب التي تُبْت عنها ما يمكن أن يجعل أناسا "يتفّون" علي ويصدوني.
لكنني أقنع نفسي في كل مرة بأنها بشر، ومثلما أنني أخطأت وتبت عن خطئي توبة أحسبها نصوحًا فلها الحق أن تخطئ، ولكن ليس لها الحق أن تتهرب من التوبة، بالرغم من أني أراها في كثير من الأحيان نادمة على ذلك. لا أستطيع أن أنسى هيئتها المتحررة التي كانت عليها في بداية تعارفنا.. والتي كانت تجعل مني أحيانًا أنفر منها، ولكنها في الفترة الأخيرة قد تحسنت هيئتها أكثر فأكثر.
السؤال الذي أرّقني ويؤرقني: هل أتقدم لخطبتها أم أنتظرها لترتدي الحجاب اقتداء بالقول: (إذا اكتمل الجوهر، اكتمل المظهر)؟ أم أبتعد عنها، ذلك خير لي في دنياي ومعاشي وعاقبة أمري؟ هل لمصارحتها لي بكل ما فعلت وما تفعل قد يؤثر على مستقبل العلاقة العائلية إن كان النصيب فيها؟ هل لكم أن تسردوا لي عيوب ومميزات ارتباط كهذا؟. آسف على طول الرسالة، ولكنها المشاعر التي لا أستطيع أن أخفيها.
علمًا بأن نصائحكم على صفحة استشارات تزيدني يومًا بعد يوم جرعة خبرة
أشكركم جزيلاً لوقتكم الثمين، وأتمنى منكم ولكم كل خير ومودة.
18/2/2022
رد المستشار
الأخ الكريم.. قرأت رسالتك عدة مرات حتى أستطيع التمييز بين ما تحتويه من مشكلات محورية وأخرى فرعية.. فوجدت أن كل ما ورد بها هو من النوع الثاني (الفرعي / البسيط) ما عدا مشكلة واحدة جوهرية محورية، ونبدأ بالبسيط أولاً:
أنت تسأل: هل مصارحتها لك بأخطاء الماضي يمكن أن تؤثر على علاقتكما.. والإجابة: نعم، ستؤثر لبعض الوقت، ثم من الممكن أن يزول هذا التأثير بمرور الأيام، عندما تنبني علاقة طيبة بينكما، وعندما ترى من محاسنها ما يمحو أخطاءها، وعندما تؤكد على نفسك في حوارك الذاتي أن كل بني آدم خطاء، والعبرة بالتوبة، وأنك أنت نفسك قد وقعت فيما وقعت فيه هي.. وكما قال المسيح عليه السلام عن تلك المرأة التي ارتكبت الفواحش: "من كان منكم بغير خطيئة فليرجمها بحجر".
تسأل أيضًا عن الحجاب.. هل تتقدم لخطبتها أم تنتظر حتى ترتدي الحجاب؟ وهذا استنادًا للقول: (إذا اكتمل الجوهر.. اكتمل المظهر)، وهذا القول من حيث المعنى العام غير مرفوض رفضًا مطلقًا إلا أنه أيضًا غير مقبول قبولاً مطلقًا.. فالجوهر لا يكتمل أبديًّا!! كما أن اكتمال المظهر ليس دالاًّ بالضرورة على اكتمال الجوهر.. وكأني أريد أن أقول إن (الحجاب) هو أحد مظاهر الإسلام، ولا يحمل دلالة مطلقة على صلاح الفتاة أو فسادها.
وهذا ينقلنا للمشكلة (الجوهرية) في رسالتك وهي: (صراع الهوية والمرجعية) هذه هي المشكلة الحقيقية.. أنت شاب مسلم قادم من الشرق إلى الغرب، وما زالت هويتك ومرجعيتك هي: الإسلام.. قد تخطئ ثم تتوب، قد تميل ثم تستقيم، ولكن ما زال الإسلام هو الدستور والمرجع الذي تقيم سلوكك وتصرفاتك وحياتك ومستقبلك في ضوء تعاليمه وأوامره ونواهيه.. فهل لتلك الفتاة التي ستتزوجها لتصبح شريكة لك في حياتك وقراراتك وتربيتك لأولادك.. نفس المرجعية؟! أم أنها لم يَعُد يربطها بالإسلام سوى بعض الطقوس والعبادات؟.
هل لديها الإيمان والرغبة في أن يكون الإسلام مرجعًا لها مَهما كلَّفها هذا من جهد ومقاومة أم أن مرجعيتها قد أصبحت غربية، وأنها قد أصبحت جزءًا من هذه البلاد تستسلم لأعرافها وعاداتها السائدة التي اعتادت عليها منذ طفولتها ولا تجد داعيا أو ضرورة لتغييرها؟! هذا هو السؤال المهم الذي لا يمكن أن يجيب عليه أحد سواها.. ولا يملك أحد أن يملي عليها أو يستدرجها لإجابة غير التي تؤمن بها.
فهناك فارق كبير بين أمرين:
أن تتزوج من فتاة عربية تؤمن بالإسلام مرجعًا في كل مسارات الحياة وتحتاج فقط لمن يعينها على الاستمرار في هذا ومقاومة ما يصرفها عنه، وبين فتاة تحتاج جهادًا طويلاً لتقنعها بهذه المرجعية أصلاً.
إذا تزوجت فتاة من النوع الأول فإنكما تتعاونان معًا على إنشاء بيت إسلامي، وتربية أبنائكما بما يرضي الله ومحاولة التوازن بين الانفتاح على الغرب بعلمه وأدواته مع المحافظة على الهوية والمرجعية الإسلامية بقيمها وتشريعاتها وسلوكياتها، أما إذا تزوجت الثانية فهناك ثلاثة احتمالات:
إما أن تستقطبك هي لمرجعيتها، وسيتعاون معها في ذلك كل العوامل والبيئة المحيطة، وإما أن تعيشا في صراع دائم، وإما أن تنجح أنت في إقناعها بمرجعيتك وهذا هو الاحتمال الأضعف. وكأنما أريد أن أقول: تأكد من مرجعية الفتاة من الداخل، فإن كانت مثلك فهذا يبشر بزواج ناجح، أما إن كانت لا تشترك معك في مرجعيتك فإن التعايش سيكون عسيرًا بينكما... أنا أعلم أنني هكذا لم أساعدك المساعدة الكاملة كما كنت تتمنى، ولكن لعلّي أتعمد أن أضع لك عنوانًا عريضًا وهو:
الهوية والمرجعية، وأترك لك التفكير في الوسائل التي يمكنك بها قياس هذا المعنى.. سواء من خلال حواراتك معها، أو قراءاتكما عن الإسلام وأحكامه وتشريعاته وملاحظة مدى إقبالها أو إدبارها الحقيقي والصادق.
الأخ الكريم.. من الصعب جدًّا أن يتفق شخصان على نفس الفهم للإسلام بشكل فيه تطابق تام فإن هذا لم يحدث حتى في عصر الصحابة، ولكن حتى تكون بينهما علاقة ناجحة -وخاصة إن كانا زوجين- لا بد من الاتفاق بقناعة ورضا تام عن الخطوط الأساسية لإدارة الحياة.
أشعر أنك حريص غاية الحرص على تقوى الله عز وجل في اختياراتك؛ لذلك فإن الله تعالى لن يضيعك نحسبه كذلك فهو الكريم الحكيم الواسع العليم.