لدي استشارة بسيطة أتمنى أن تجيبوني عليها: ما هو علاج الفتور في العبادات؟
بمعنى أن الإنسان يتعرَّض في حياته لحالات من الأمل والنشاط الدائم المستمر، ثم بعد ذلك تأتي عليه فترات يشعر فيها بالإحباط والملل، وأكثر ما يؤلمني في ذلك أنني أشعر بأن الصلاة وما إليها من عبادات قد أصبحت مثل العادات، ولم يعد لها أية قيمة روحية أو مادية أشعر بها، وأرى أن صلتي بالله عز وجل قد وصلت لحالةٍ يرثى لها.
فما علاج ذلك؟؟
وجزاكم الله خيرا.
29/06/2022
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد، فإن الفتور أمر يُدلي بدلوه في الكثير والكثير من حياة الإنسان، لذلك أول ما يجب أن نعرفه تجاه أمر الفتور أنه أمر طبيعي جدا، أي أننا عندما نُدرك أنه أمر طبيعي فنكون قد حللنا نصف المشكلة، لأن الضجر والضيق من الفتور يُمثّلُ ضغطا نفسانيا آخر بدوره، فيصبح الإنسان بين ضيقين بدل أن يكون واحدا، فعندما نفهم أنه أمر طبيعي، تهدأ النفس بدل أن تغضب، وعند الهدوء تكون الحلول منتجة جدا، هذا فيم يتعلق بشق الفتور بشكل عام.
أما بالنسبة لكونه مرتبطا بالعبادات، ويدخل فيها، فإنه يمكن أن نتعامل مع مكامن أنفسنا ونفهم بالضبط... ما الذي يجعل أنفسنا تُصاب بالفتور؟!،
- هل أنني أُثقل على نفسي بما لا تطيق وليس في الاستطاعة في العبادات والنوافل؟، فبعد فترة من الحماس يحدث أن ينزل المؤشر الروحي هكذا،
- أم -مثلا- أُدرك أن بداخلي كسلا بشكل ما!.. فأتثاقل في أمر العبادات وأشعر بفتور؟!، وهكذا....، يعرف الإنسان مكنوناته الداخلية، وما الذي يصيبه بالضبط؟!.
- وربما لا يكون شيئا من ذلك، ويكون شيئا طبيعيا جدا كأن يكون الأمر... انخراط في الحياة وأخذها جزء من التفكير والمشاعر، فتتراجع مشاعر الروحانيات في الصلاة على الشكل الذي يريده القلب، وذلك نظرا لوجود واجبات ما! تستدعي هذا تراجع هذه المشاعر قليلا خلف المسؤوليات.
لا شك أن لكل سبب طريقة تختلف عن الأخرى مرتبطة أيضا بطبيعة الإنسان الداخلية التي لفهمها مدخل عظيم في علاج وتقويم نفسه والذي يصيبه بالضبط؟.
- تقولين:- "وأكثر ما يؤلمني في ذلك أنني أشعر بأن الصلاة وما إليها من عبادات قد أصبحت مثل العادات، ولم يعد لها أية قيمة روحية أو مادية أشعر بها"... فتعالي معي ننظر هنا بنظرة إيجابية...
- أليس من الطيّب الجميل أن تصبح الصلاة عادة تتخلل حياة الشخص، فلا يستطيع أن يتخلى عنها؟!، ويصل إلى مرحلة لا يستطيع معها أن يفوته فرض ما!، وأن تؤلمه نفسه إيلاما كبيرا حينما يفوته فرض لسبب خارج عن إرادته،
-أليس معنى العادة هنا جميل إن نظر الإنسان إليها بهذا المعنى، ألا يدرك القلب الآن القيمة الروحية البالغة التي هو فيها، وأن الله لحبه له جعله محافظا على الصلوات حتى وإن تراجع شعوره بها!،
- ألا يكون هذا المعنى كفيلا بتجديد معنى الصلاة والصلة في قلب العبد كلما راودته الظنون بأن عبادته صارت عادة على معنى سلبي؛ أي خالي من القيمة الروحية.
-تقولين: (يغيب الاستشعار واللذة القلبية عن قلبي مع الوقت) فكأنك تسألين عن ذهاب اللذة الروحية، ولكن ذهاب اللذة الروحية ليس هو أبدا انتفاء القيمة الروحية للعمل، بالعكس! .. لو (تصوّرتِ) للحظة أن حياتك خالية عمل العبادات من الأساس، (وتصوّرتِ) يومك يمر من دون صلاة!.. لفهمتِ أنك في قيمة روحية عظيمة؛ لكنك لا تنتبيهن، أو تربطين الأمر بالمشاعر الأولى الحماسية في أول التزام الإنسان بأعمال العبادة فتجعلين من اختفاء المشاعر دليل على انعدام قيمتها.
- تقولين (وأرى أن صلتي بالله -عز وجل- قد وصلت لحالةٍ يرثى لها "جيد أنك بدأت جملتك بقول" وأرى) .. لأن هذه الرؤى قد تكون مجرد ظنون فقط، وليست على حقيقة الأمر، فلربما تبثّ نفسك هذه الخواطر لتصنع الحائل فعلا، وتُصْنَعُ الحوائل عندما نأخذ الخواطر ونجعلها يقين، ولا نبحث هل هي حقيقتي ومشاعري أم لا؟!.. وفي هذه النقطة أودّ أن أذكّرك بشيء عن صلة بالعبد، فصلة الله -جل جلاله- بالعباد قائمة على الدوام، أتذكر كلمة رائعة لشيخي عن صلة الله بالعبد، يقول فيها: "هو تودّد إليكَ في الأزل، وهو على ودّه لم يزل" .. وكان يقول: "لولا أن الله يحبك ما أخرجك من الوجود إلى العدم، الله أحبّك أولا"، أي لا تنقطع صلة الله بالعبد، حتى وإن انقطع العبد، ما بالك بالمحافظ على الصلوات، لذلك مهما ابتعدت ومهما ظننتِ لا تظني بالله إلا خيرا، وهو -جل جلاله- يعاملنا بظنونا فيه، نجده -جل جلاله- حيث ظننا فيه.
لذلك وفي خلاصة لكل ما مضى، يمكن أن نجمع كل ذلك في عدة نقاط كالتالي:
١- فهم أن الفتور أمر طبيعي لا يستدعي ضيقا وغضبا، حتى تهدأ النفس، فتأخذ وقتها الطبيعي في مرور الفتور بها، ثم تعود من جديد، فهذا يُقلص وقت الفتور جدا.
٢- عندما تدرك النفس أنه أمر طبيعي، فتتنفس من غير ضيق.
٣-تبدأ تلقائيا في استدعاء الذكريات الجميلة والمعاني الرائعة التي كانت مصاحبة للعمل، فيبدأ الشوق يتسرّب على مهل من جديد للعبادة والطاعة.
٤-تغيير النظرة تجاه العبادات، وتجاه كل شيء، والبحث عن الإيجابيات الكامنة في المواقف أكثر، لأنها غذاء الاستمرارية.
٥- التدريب النفساني سلوكيا كي تتخلى عن النظرة السلبية تجاه تقييم المستجدات على القلب والمشاعر، ويدفعها عن عقله بالتكرار، وكلما روادته من جديد، حتى تصبح عادة في النفس، وحينها ستترتب رؤى النفس وتعاطيها مع الروح والحياة ومع كل جديد يجدُّ من جديد.
- وفقك الله تعالى، وأفاض عليك من فتوح السلام والجمال والتذوقات ما يرضاه قلبك.