أسئلة دينية
بداية أود أن أشكر القائمين على هذا الموقع الرائع. فهوبحق متنفس أفادنا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ثانيا أرجوأن أجد الإفادة من لدن وائل أبوهندي، ورفيف الصباغ، وعلاء مرسي في سابقة لهذا الموقع، كل بإفادته. وفضلا وليس أمرا: أمام الأسئلة التي سأطرحها والتي ستصيب المجيب بنوع من الفتور لصعوبة الأسئلة لأنه يعلم بأن السائل يحتاج إلى علاج نفساني أكثر من الإجابة على أسئلة منفلتة وطائشة،
فيعمد المجيب إلى الجواب التالي:أنت تحتاج إلى علاج. فإنني أبشركم بأنني سأفعل ذلك. ولكن أمام هذا المعطى أقول بأنني أحتاج إلى إجابة عن كل سؤال مطروح، من دون تجاوز أي سؤال، وأنا أعلم علم اليقين بأنها ستكون مفيدة. وأنا أعدكم بذلك إن شاء الله مثلما كانت إفاداتكم دائما. ولعلي أستدل بإفادة الدكتور وائل أبوهندي في قضية وسواس خروج البول. والتي دعا فيها صاحبها إلى تجاهل الوسواس. فلا تتصورون كم أفادتني إلى درجة الشفاء وبدون أي مبالغة. وفي هذا الخضم أود أن أشير إلى أنني سأطرح مجموعة من الإشكالات العميقة التي ترتبط بالعقيدة، ولكنني لا أطرحها من باب الطرح، ومن باب أن أظهر بمظهر المتنور الحداثي الذي يبغي التميز والتفرد، ولكنني أطرحها من باب الذي يبحث عن الإيمان العميق والسكينة والهدوء والرضا: رضا الله قبل كل شيء. ولكن للأسف هذه الإشكالات والتي لا أعلم هل هي فعلا أسئلة عادية تجتاح كل مخلوق لا ترتقي إلى الوسوسة. أم هي وسوسة تخرج من ذات مريضة نفسيا. أم تنبع من نفس خبيثة منافقة
خرجت منها هذه الأسئلة لتظهر معدن هذه النفس... أسأل الله ألا أكون كذلك، ويا ويلتاه إن كنت كذلك. وفي هذا الخضم أرجو من القارئ أن يدعو لنا بالإيمان والطمأنينة والسكينة... كما أرجو من المجيب أن يجيبني على كل سؤال من دون أن يتخطى أحدها وأنا والحمد لله من الناس الذين يأخذون بالنصيحة والاستشارة خاصة حينما تكون علمية أكاديمية صادرة من أهل الاختصاص، وفعلا فلقد استفدت كثيرا من إفادات الموقع وساعدتني كثيرا. وقبل أن أطرح ما يعتور النفس من أسئلة، فأنني سأخوض في تركيبة هذه النفس قليلا، فلعل الأمر يكون مفيدا في تقديم الإفادة والمشورة.
مشكلتي تكمن في المعترك النفسي الذي خضته من الصغر، فأنا لا أتذكر نفسي إلا مكتئبا قلقا، مضطربا، خجولا. قد يكون ذلك هذا وأنا في عمر أربع سنوات، وحتى أقل من ذلك. وأنا أظنه من باب الوراثة على الرغم من أن المعالجين والأخصائيين يؤكدون بأنه ليس كذلك ... المجيب الفاضل، أنا عاطفي بشكل كبير جدا فأنا لا أفكر إلا بالعاطفة ولا أتخذ القرارات إلا بالعاطفة، وخجول بدرجة كبيرة جدا ومثلما يقول إخوانا المصريين يصعب علي الغلبان، وفعلا يصعب علي الغلبان ويثيرني الضعيف والمسكين. وحتى أصور مدى المشكلة التي أعيشها أسوق لكم ما حدث معي مؤخرا وهو مثال بسيط عن نمط حياة أعيشه في كل لحظة. مؤخرا جئنا بخادمة ترعى شؤون المنزل وتساعد والدتي. وهي امرأة مسكينة على قد حالها ولا تثير أي مشاكل ومتاعب وهي تعمل لأنها محتاجة وتعيل طفلا صغيرا بعدما مات زوجها، وفي الحقيقة أفراد العائلة يعاملونها بشكل جيد ونحاول بقدر الإمكان الا نشعرها بأنها خادمة. الشاهد في ما ذكرت الآن هو أنها تصعب علي كثيرا وأشفق عليها خاصة حينما تتعب، إلى درجة أنني أحيانا أخرج من المنزل حتى لا أراها وهي مرهقة وكثيرا ما أطلب من والدتي ألا تثقل عليها، وأصبح الأمر يثيرني إلى درجة أنني لا أتحمل رؤيتها وهي تكنس وتنظف وتقوم بشؤون المنزل
أنا خجول جدا ولا أعرف قول (لا) أبدا وتركيزي منصب حول نظرة الآخر والأحرى رضا هذا الآخر وماذا يقوله عني، فإذا ما علمت بأنه أخذ نظرة سلبية وفكرة دونية عني فإنني أحبط نفسيا بشكل كبير ولا أستطيع أن أتجاوزها إلا بصعوبة كبيرة. فتجميل صورتي وتسويقها بشكل جميل أصبح هما أعيشه في كل لحظة، هذا عدا عن محاولة جذب انتباه الآخر إلى أخلاقي الرفيعة وأفعالي الطيبة.. ولكن ما يقض مضجعي ويؤرقني هي مشكلة الغضب التي أعيشها في مقابل الطيبة الزائدة التي حدثتكم عنها، فبقدر الخجل الذي أعيشه وأشعر به بقدر الغضب الذي أحياه ويصاحبني، فأي استفزاز بسيط يثيرني ويجعلني أتصرف بشكل غير متزن، وهنا أعود إلى نقطة نظرة الناس، فأنا حينما أعود إلى نفسي واسترجع الحدث الذي غضبت فيه فإنني أخجل من نفسي وأبدأ في تفسير ما يمكن أن يراه الآخرون عني (سيتهمونني بعدم الاتزان والطيش والجنون) وبالمناسبة هذه أكثر صفة أخشى أن يراها في الآخرون، ولا أدري لماذا... هذا كوم وتأنيب الضمير كوم ثاني، فأنا دائما ما أطلع نفسي أنا الغلطان.
في حقيقة الأمر أحيانا أستحسن هذه الصفة: صفة العاطفة، ولكن انقلبت إلى الحد الذي لا يطاق ... أنا عاطفي بالدرجة التي تجعلني أتعلق بكل شيء أتعايش معه، أما العائلة فذلك شأن آخر، فأنا لا أتصور نفسي وقد فقدت فردا من أفراد العائلة، أتساءل كيف سأتعايش مع الأمر لو حدث ذلك. خاصة مع وقتنا الحالي الذي أصبح فيها الزمن يمر بسرعة كبيرة. صدقوني أصبحت أتحاشى معرفة عمر والدي، ولم أجد لهذا الخوف إلا تسمية فوبيا الزمن. أخشى من اليوم الذي سأفقد فيه من أحب، ولا أتصور نفسي إلا وسأجن ... أما من الناحية الدينية فأنا عشت دهرا من الوساوس والتي استطعت أن أتجاوز الكثير منها عن طريق الإرادة. ولكن ما أصبح يتعبني الآن هي الأسئلة الكثيرة التي تراودني عن نفسي وتعكر علي صفو الإيمان. أعيش فتورا إيمانيا بسببها، وكل مصيبة تذهب بي إلى فتور أكبر. والفتور يقودني بدوره إلى تأنيب مفاده الخشية من قلة الإيمان. وما زاد الطينة بلة حادثة الطفل الصغير ريان الذي مات ردما والتي زادت من وضعيتي النفسية تأزما فلا تتصورون كم تعاطفت معه.
وهنا كل أسئلة الكون هاجمتني من دون هوادة. فما ذنب طفل صغير لا يعرف شيئا حتى يعيش ما عاشه. ( واستغفر الله العظيم في ما سأكتب الآن) أين هو الله من كل هذا. قال رب في محكم تنزيله ولنبلونكم بشيء من الخوف... فهل تطال البلوة الصغار. واذا كان الأمر كذلك فما ذنبهم؟ يقولون لعله خير ومن وراء المصيبة خير لا نعلمه. لماذا الخير والجنة والنعيم يأتي بعد المصيبة ونحن لا نعلم أصلا ما هو الخير من وراء هذه المصيبة. لماذا هذا الثمن الغالي والله عز وجل قال بشيء من الخوف وليس الخوف كله. ما مدى الألم الذي يلم برجل دهس فلذة كبده بسيارته خطأ. لماذا كل هذه الضريبة. جاء في الأثر أن الله عز وجل أرحم من الأم على ولدها. فهل يا ترى ستختبرك الأم بالمصائب ثم تمنحك العطايا ويكون ذلك من باب الحب. الأم تمنحك الخير بالخير. وأنا لا أعتقد بأن الشاهد في مثال الأم التي تضرب ولدها من أجل تربيته تربية صحيحة وحينما تمنعه شيئا من أجل تعليمه، يرتقي إلى محنة الابتلاء بالمرض والموت والفقد أو..... إلخ
معذرة أنا أكتب لكم ما أكتب وأنا أخشى في أنني وقعت في المحظور والجحود، فأنا إذا لم أحمد الله على ما منه علي من نعم ونجاحات فسأكون فعلا جاحدا والعياذ بالله. ولكن بالمقابل عشت معاناة نفسية هي أشد وطأة من الألم الجسدي. سأكون فعلا جاحدا إذا لم أعترف بما منه الله علي من خير وإجابة للدعاء. في مقابل ما لم يتحقق منها. وحتى الدعاء أصبح هاجسا وهما فأنا لا أشعر بالدعاء إلا بعد أن أطيل في الذكر والثناء والسؤال ببعض أسماء الله الحسنى واستحضار حالة نفسية معينة لأشعر بأن الدعاء مستجاب. وإلا فإنني لا أشعر بأنه دعاء، ولذلك فإنني لا أدعو إلا نادرا. فإذا كان الدعاء لا يستجاب إلا بجهد جهيد، فكيف بدعاء عابر. وكأنه نوع آخر من الوسوسة في الدعاء، والذي لا أشعر بأنه دعاء إلا بعد جهد جهيد وتعب نفسي واستحضار بعض أسماء الله الحسنى وتكرارها على الأقل أكثر من ثلاث مرات حتى أشعر بأن الله عز وجل ربما يستجيب السؤال.
في مرات كثيرة أتوكل على الله حسن التوكل، ولكن أجد في الطريق ما يعكر صفو هذا التوكل من مشكلات ومعضلات، فأعيش إحباطين: إحباط نفسي، وإحباط روحي، لأنني أحبط مما لم أتوقع حدوثه بعد التوكل. فأجدني لست متوكلا على الله كما كنت أبغي، بعدما لم أجد الطمأنية والرضا بما قسمه الله. وهنا أعود إلى نقطة: أن الله عز وجل ليس براض عني ... أخاف من الوقوع في خانة من قال الله عز وجل فيهم وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. فأنا أمام كل مطب وفشل أحبط ولا أشعر بقرب الله ولا رضاه عني، ولا أحتسب ذلك لله فأزداد إحباطا على إحباط. وأشعر بعدم رضاي عن الله والعياذ بالله مع كل إحباط.
مؤخرا وقعت في مشكلة عويصة كنت قد استخرت فيها الله عز وجل أي ما استخارة ودعوته فيها أي ما دعاء، وباجتهاد لا يعلمه إلا الله، ولكنني لم أجد في الأمر أي خير، بل وجدتني أتورط في مشكلة عويصة ليس من السهل أبدا الخلاص منها. انتقلت الآن إلى الدعاء من أجل الخلاص، ولكن لم يعد الأمر من السهولة بما كان. ولذلك أصبحت أخشى من الاستخارة أصلا مخافة ألا يتحقق المراد مثل ما حدث معي في ما حدثتكم به. الأقارب يخففون عني ويقولون : لعل في الأمر خير، وأنا أدعو الله أن يكون الأمر كذلك. وحتى لا أطيل سأجمع الأسئلة في شكل نقاط:
* كيف أصل إلى الإيمان الذي اتيقن فيه بأن الله عز وجل أرحم من الأم على ولدها. وهذه الأم مثلا تقتل ولدها بالخطأ عن طريق دهسه بالسيارة. فأين الرحمة هنا التي تفوق رحمة الأم. بما تعيشه هذه المرأة من ألم نفسي ما بعده ألم؟
* المسلم مطالب بالتفكر والتدبر، ولكن في الأمر الذي يتطلب التدبر، تطالبك العقيدة بالتسليم: سواء أعجبك الأمر أم لم يعجبك أصلا، مثل حادثة الدهس.
* العقل البشري لا يسلم إلا بالمادة والملموس، فكيف تسلم وتؤمن بأن الدعاء مستجاب وأنت ترى عكس ما تدعو به بل ويجب أن تؤمن بل وتتكلف على نفسك بأن الأمر خير. وهنا يجب عليك ألا تتفكر ولا تتدبر، بل وتسلم وفقط
* أعود إلى حادثة الطفل ريان الذي مات بكل المآسي التي لا يتحملها رجل كبير مقتدر في مقابل كل الأدعية البشرية التي رفعت أكفها من أجل أن يخرج سالما. وهنا أعود إلى قضية التسليم، فعقل المؤمن يجب أن يسلم بخيرية الأمر كله، كما يجب على المسلم أن يقحم كلمة (لعل وما يدريك) في معادلة التسليم: ما يدريك/ لعل الطفل لم يشعر بكل الألم الذي اعتقدنا، فلعله عاش في تلك اللحظة جنة النعيم قبل جنة الخلد.... ألا يتعارض هذا مع فكرة التفكر والتدبر. فكيف أترك الواقع الذي يدركه عقلي وجوارحي، وأفكر في اللعليات أي من لعل بل ويجب علي أن أجعله جميلا، بل وأتكلف على نفسي ذلك وأحاربها بكل ما أوتيت من قوة فقط لأجعل الأمر جميلا، ليكون ذلك في الأخير من باب التسليم والإيمان بالقضاء والقدر. كيف أسلم بأن الطفل ريان لم يعش ضيقا في التنفس وخوفا وجوعا وألما، وهوفي سن لا يتحمل ذلك كله.
* ضعفت همتي في الدعاء أولا. لأنني أجد مشقة في ذلك فهو يستهلك مني جهد نفسيا وفكريا يتطلب مني زمنا طويلا لأشعر بأنه دعاء يستاهل الإجابة. ثانيا لأنني أعلم بأنه ليس من السهل بما كان أن يجاب الدعاء وترى نتائجه بكل سهولة.. أما قراءة القرآن فتلك مسألة أخرى، ووجه آخر من طرح الأسئلة التي لا تكاد تنتهي. وهنا مرة أخرى أذكر بأنني لا أطرحها من باب المعاندة والكبر والعياذ بالله. بل بالعكس أطرحها من باب الرجوع إلى الله. والله يعلم ما في القلوب فاستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.
والأسئلة هي كالتالي:
* لماذا الله عز وجل يركز على أبليس وهو أكبر من أن يذكره في كل مرة؟
* يقولون بأن القرآن مثل الكتالوج الذي يحتاجه المسلم حتى يسير على نهجه، ولكن ألا ترون بأن 80٪ من محتوى القرآن الكريم هو أن أهل الإيمان في الجنة وأهل الكفر في جهنم، هذا عدا عن تكرار القصص بنفس المضمون والشكل تقريبا. إضافة إلى ضرورة الحفاظ على الصلاة والزكاة والصبر على البلاء، ولا يتعداه إلى غيره من المواضيع... فكيف أمتثل آيات القرآن الكريم. وجله يتحدث عمن آمن يدخل الجنة ومن كفر يدخل النار؟؟
* يشير الله عز وجل إلى أن القرآن الكريم معجزة ببلاغته وبيانه: فأتوا بسورة من مثله. وهنا أستغفر الله العظيم استغفارا كبيرا. أجد في بعض من آيات القرآن العظيم بيانا بسيطا من مثل قوله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ". ألا ترون بأنها بسيطة ويمكن للبشر أن يصيغ على منوالها وأحسن، ألا يوجد من شعر العرب ما هو أفضل بيانا. وبعض الآيات تركز على الإيقاع أكثر من المضمون. (قدر، نظر، بسر، استكبر، بشر،تسعة عشر) أرى بأن بعض المواضيع لا تستحق الطرح وتليق بمقام القرآن. مثل قصة البقرة التي أمر الله عز وجل بذبحها.
وقبل الختام أريد أن أستفسر: هل أؤثم حينما أقرأ القرآن وأنا أجد ضيقا وعدم طمأنينة، هل أمتنع، أم أواصل في القراءة. وأتجاهل الأسئلة التي تراودني وعدم الارتياح الذي أشعر به؟
* هل أكتفي بالدعاء فقط في حالة استحضار حالة نفسية مصحوبة بالقشعريرة والطمأنينة، أم يمكن أن أدعو في أي وقت ومن دون هذه الحالة، ومن دون ذكر طويل يستغرق مني وقتا كبيرا، أي يمكن ذلك في خمس دقائق مثلا، ويكون ذلك مدعاة للاستجابة؟
* هل ما أعيشه هو من قبيل سخط الله، فأنا أشعر بعدم الرضا، وبالبعد عن الله، ولا أشعر من الناحية النفسية بأني قريب منه. هل حينما أقرأ رواية وأنتقدها، فأنا بذلك أضعها في نفس كفة كتاب الله الحكيم؟
يقول الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب. وأنا للأسف ما قرأت القرآن إلا وجدت عدم راحة ولا طمأنينة. وكل الأسئلة تهجم على عقلي الصغير من دون هوادة، بل واتخذ مكانة الناقد فهذا يليق وهذا لا يليق... في الأخير يشهد الله بأنني لا أبغي من هذا الطرح إلا أن أكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، فأرجو من المجيب ألا يكون قاسيا في رده بقدر ما يكون كريما ومراعيا للحالة الروحية المتدنية التي أعيشها، فوالله أنا في رحلة البحث عن اليقين والإيمان المفقود.
كما أرجومن الله عز وجل ألا يكون ذلك من النفاق.
وفقكم الله إلى كل خير.
13/9/2022
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك أخي "عربي" على موقعك، شرفت مجانين
أنت مصاب بخليط من الاكتئاب والوسواس والضجر والحنق، وتجاوز الخطوط الحمراء في تفريغ ذلك كله...، وأنت غير معذور في غالب الأشياء. ولعله بسبب إلغائك للعقل وانسياقك وراء العاطفة المتقلبة والمشاعر غير المستقرة. وهذا لا يليق بإنسان كرمه الله بالعقل، فعليك أن تضع حدًا لهذا، مع بدئك بالعلاج فورًا
-تسأل عن الحكمة في ابتلاء الأطفال: ومشكلتك أنك تفكر وتتكلم بوحي من عاطفتك وتخيلاتك الخاطئة للحياة، التي غلبت عقلك وحجبته عن الحقيقة. لابد في الإيمان أن تؤمن بالله تعالى وصفاته وأسمائه كلها، ومن ذلك أنه رحيم وحكيم وعادل هذا لا نقاش فيه، ومن الواجب أن تكون موقنًا بهذا 100%، ويسمح لك أن تسأل لمعرفة الحكمة. أما إن كنت غير مؤمن فأخبرنا لنبدأ معك من نقطة الصفر.
المؤمن يقول: أنا موقن تمام اليقين أن الله رحمن رحيم، فما هي الحكمة من ابتلاء الأطفال؟ عندنا مثال صغير جدًا: بكاء الطفل الصغير، ليس في ظاهره إلا أن الطفل غير مرتاح، وأنه يحتاج إلى الرضاعة، أو النوم، أو التنظيف...، ولكن اذهب فاقرأ عن فوائد البكاء للطفل، من تقوية العضلات، وطرد السموم، ومساعدته على التنفس الطبيعي، وغير ذلك...، فقس على هذا المثال الصغير باقي الأشياء مهما عظمت. ليس من الضروري أن تعلم الحكمة من كل شيء، قد لا تظهر لنا بعض الحِكَم، ثم يعرفها من بعدنا.
إن الحياة بدايتها هنا ولا نهاية لآخرها، إنما الموت انتقال من عالم إلى آخر، فلا تحكم على الأشياء من منظور قاصر ترى فيه الدنيا فقط... سأعطيك مثالًا دنيويًا بدايته ونهايته في الدنيا، تقيس عليه ما كانت بدايته في عالمنا ونهايته في عالم الآخرة: استيقظت متأخرًا، وعليك أن تصل بسرعة إلى عملك، وإلا سيحرمونك من راتب أسبوع؛ وقد فاتتك الحافلة المناسبة، وعليك أن تنتظر مدة طويلة قبل أن يأتي غيرها. فأخذت تتسخط وتعترض، لماذا الله لم ييسر لك الذهاب بسرعة، وسيتم خصم راتبك، وهو يعلم حاجتك للمال، ولماذا جعلك تغط في النوم أصلًا؟!! وإذ بك تعلم بعد قليل أن هذه الحافلة التي فاتتك، قد سقطت من أعلى جسر فمات من مات وأصيب من أصيب. وإذ بك ينقلب تسخطك واعتراضك إلى حمد وشكر أن نجاك الله تعالى، وجعلك تغط في النوم كي لا تركب هذه الحافلة.
ولا يذهب عقلك بعيدًا لتقول لي: أنا نجاني الله، فما ذنب من ماتوا في الحافلة؟ هنا اقرأ على عقلك السلام، فهو يحتاج إلى إعادة برمجة من أساسه. نحن نتكلم عن الحكمة من نومك، لا عن الحكمة من موتهم...، هؤلاء لموتهم وإصابتهم حكمة أخرى يعلمونها في الآخرة، ويُؤتَون من الثواب الكبير، والمنزلة الرفيعة في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ففي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: (يوَدُّ أهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ حينَ يُعطَى أهلُ البلاءِ الثَّوابَ لو أنَّ جُلودَهم كانت قُرِضَت في الدُّنيا بمقاريضَ)، يتمنى أهل العافية لو أن جلودهم قد قطعت بالمقصات في الدنيا، كي ينالوا أجر أصحاب البلاء.
وهنا نأتي لتصورك الغريب العجيب بأن الأم تعطي ابنها بعد العطاء، لا بعد العقوبة! وعدم اقتناعك بمثال الأم التي تضرب ابنها لتربيه! قل لي يا متفكر، إذا تركت الأم ابنها يفعل ما يشاء من الأفعال السيئة، وهي تعطيه وتغدق عليه ما يشتهيه، فماذا تكون قد قدمت له؟ قدمت له مستقبلًا فاشلًا، وجعلت منه شخصًا تعود أن يأخذ فقط ولا يعطي، شخصًا أنانيًا لا أخلاق له، يهجره الناس لسوء تصرفه وثقل دمه. كتر خيرها!، وكأني أسمعك تقول: لماذا لم يخلق الله الأطفال يتمتعون بأخلاق حميدة منذ ولادتهم؟ لماذا لا يحصّلونها إلا بشيء من القسوة؟ أقول: لأنك تفهم الحياة على غير وجهها وغير طبيعتها! من أهم علامات الصحة النفسية، أن تفهم أين تعيش وتتأقلم مع واقعك، وتعرف كيف تتصرف بما يتناسب مع الظروف. هذه الأم التي تقسو، تعرف واقعها، وتعرف ماذا عليها أن تفعل ليكون ابنها إنسانًا جيدًا. أما إذا لم يعجبك هذا القانون الذي خلق الله عليه الكون، فاذهب واخلق حياة أخرى على مزاجك! نحن هنا دار امتحان وابتلاء، وبقدر ما تكون إجابتك صحيحة بقدر ما تنال من الدرجات عند توزيع النتائج في الآخرة. شهادتك الجامعية هل أخذتها بغير معاناة؟؟ ألم تكن معاناتك هذه سببًا لحصولك على المكانة والمال؟ أين عقلك يا هذا؟ ألا ترى غير اللون الأسود في الحياة؟!!
ثم كيف تسأل أين الله من هذا؟ وهل يحصل شيء في الكون إلا ضمن إرادته وعلمه، حتى تقول له: (ألا ترى هذا؟ لماذا لم تمنعه؟). لقد أراد الله تعالى أن يجعل الدنيا دار ابتلاء فيها الخير والشر، فكيف يمنع الشر؟! أنت لست في الجنة حيث الخير الذي لا تشوبه شائبة لتعترض على وجود الشر! وكما قلت لك، إن لم يعجبك نظام الكون فاذهب واخلق واحدًا آخر.
-تشددك في الدعاء وسواس، وليس عليك إلا أن تدعو بما يتيسر لك حتى لو لم تشعر بشيء، والله يعلم ما في قلبك. قال القرطبي في تفسيره، بعد أن ذكر الأقوال في مسألة رفع اليدين في الدعاء: (قلت: والدعاء حسن كيفما تيسر، وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى الله عز وجل، والتذلل له والخضوع)
وفي الحديث: (قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: "كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ؟". قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. أَمَا إِنِّي لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ"). يعني سواء أحسنت ما تسمع من همهمتنا بالدعاء في الصلاة أم لم تحسن، لا فرق، المهم هو المضمون الذي هو سؤال الله الجنة والتعوذ به من النار. (الدندنة: الصوت الخفي. وهو أن يتكلم بما لا يسمع نغمته ولا يفهم. ومعاذ كانَ إمامًا لقوم هذا الرجل).
-مسألة التوكل والمشكلات التي تأتيك رغم توكلك: لا تقلّ فيها خيالية وإغراقًا في عالم الملائكية عن سابقاتها من المسائل... يا أخي لسنا إلا بشر، نخاف ونطمئن، ونغضب ونرضى، وتعترينا سائر الانفعالات. إذا شعرت بالخيبة وعدم الرضا فأسكت نفسك وقل لها: أنا توكلت على الله، وفي ما اختاره لي الخير وانتهى. ولا يهم ما تشعر به بعد ذلك.
-- قولك: (المسلم مطالب بالتفكر والتدبر، ولكن في الأمر الذي يتطلب التدبر، تطالبك العقيدة بالتسليم: سواء أعجبك الأمر أم لم يعجبك أصلا، مثل حادثة الدهس): يا سلام عليك!! التفكر يكون بالعقل وليس بالعاطفة والمشاعر البشرية المتقلبة، وغاية التفكر أن تعلم أن هناك إلهًا عظيمًا حكيمًا عالمًا، وغير ذلك من صفاته تعالى...، وتصل بعدها إلى التسليم بوجوده وصفاته وحكمته في تدبيره... ما تفعله وتعتقد أنه تدبر وتفكر، ليس تفكرًا في الحقيقة، وإنما طفشان ومشاعر حزن وغضب تسلطها على الكون والأحداث من حولك ثم تعود فتجعل ما تراه دليلًا على صحة مشاعرك! المشاعر موجودة لأسباب مرضية، أو على الأقل غير طبيعية وإن لم تصل إلى حد المرض، ولتبريرها تبحث عن أي شيء يمكن أن يصلح سببًا لهذه المشاعر. اعترف بأن ما بداخلك من مشاعر سخط واعتراض ليس إلا علة منك، ولا سبب لها آخر وعالجها، وسترى الحكمة وتتدبر بشكل سليم حينها.
-قولك: (العقل البشري لا يسلم الا بالمادة والملموس، فكيف تسلم وتؤمن بأن الدعاء مستجاب وأنت ترى عكس ما تدعو به بل ويجب أن تؤمن بل و تتكلف على نفسك بأن الأمر خير. وهنا يجب عليك ألا تتفكر ولا تتدبر، بل وتسلم وفقط) ،، من قال بأن العقل لا يسلم إلا بالمادة والملموس؟!! ألم تسلم بوجود قارة اسمها أسترالية بمجرد إخبارك بوجودها فقط؟ لماذا لا تسلم بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم لك بأن الدعاء خير وإن لم يحصل ما تريد؟ هل أخبار وسائل الإعلام عندك، أصدق من إخبار الأنبياء؟!! ثم من قال بأن تأملك هو تدبر أصلًا؟ التدبر يقوم على التفكير الصافي المنطقي، وليس على المشاعر المضطربة التي تبحث عن متعلقات لها في هذا الكون!
-قصة ريّان وغيره: أنت تفكر فيها تفكيرًا مقلوبًا! في الأصل أنت موقن مؤمن بإله حكيم، فعليك أن تتهم عقلك بالقصور وتبحث عن وجه الحكمة، وهذا المقصود ب(لعله). أي ربما تكون الحكمة كذا وربما كذا، وهو ليس تفكيرًا في اللعليات، وإنما التماس للحكمة من أفعال إله عادل رحيم حكيم. أما إذا لم تكن تؤمن بصفات إلهك فهذا شيء آخر.
-قولك: (ضعفت همتي في الدعاء أولا. لأنني أجد مشقة في ذلك فهو يستهلك مني جهد نفسيا وفكريا يتطلب مني زمنا طويلا لأشعر بأنه دعاء يستأهل الإجابة. ثانيا لأنني أعلم بأنه ليس من السهل بما كان أن يجاب الدعاء وترى نتائجه بكل سهولة) .. الدعاء أولًا: لا يحتاج كل هذه المشقة والتكلف اللذين تتخيلهما، كما بينت لك، فادع الله على كل حال، وليس من شروط إجابة الدعاء أن تفعل كل هذه المقدمات التي تفعلها قبل الدعاء. فما رأيك بما ورد في صحيح مسلم: أنَّ أَرْوَى بنْتَ أُوَيْسٍ، ادَّعَتْ علَى سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ أنَّهُ أَخَذَ شيئًا مِن أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إلى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَقالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِن أَرْضِهَا شيئًا بَعْدَ الذي سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؟!! قالَ: وَما سَمِعْتَ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: (مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ). فَقالَ له مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هذا. فَقالَ (يعني سعيد): اللَّهُمَّ، إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا في أَرْضِهَا. قالَ: فَما مَاتَتْ حتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بيْنَا هي تَمْشِي في أَرْضِهَا، إذْ وَقَعَتْ في حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ، فهل ترى في دعاء الصحابي سعيد بن زيد رضي الله عنه الذي استجابه الله له، كل هذه الطقوس التي تذكرها؟!!
وثانيًا: أنت أخطأت في فهم معنى الدعاء وروحه. الدعاء إظهار العبودية والفقر إليه سبحانه وتعالى، لهذا كان مخ العبادة. ثم بعد ذلك يستجيب الله لك الأصلح إما في الدنيا أو الآخرة. فإما أن يعطيك ما تطلب، أو يبدلك خيرًا منه، أو يدخر لك الأجر الجزيل في الآخرة عوضًا عنه. قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ)).
-سؤالك عن: لماذا الله عز وجل يركز على إبليس و هو أكبر من أن يذكره في كل مرة؟ أو لماذا يذكر أشياء غير مهمة كقصة البقرة؟! أجابك الله تعالى عليه كما أجاب عن اعتراض المشركين على ذلك بقوله: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ.)) (البقرة:26) ،، لا يستحيي الله منك حينما يذكر ما يذكر، ذكر إبليس لتحذيرك أنت منه، وليس لعظم قدر اللعين عنده. وذكر قصص الحيوانات وأسمائها لتعتبر وتتعظ...، يا أخي عندك خلل من الجذور، في فهم الإله والدين بل الحياة كلها، فاعكف على تصحيح ذلك، وهذا سيعينك كثيرًا على العلاج النفسي، لابد من علاج الجانبين معًا لديك، العلة النفسية، والتصور الخاطئ للحياة كلها وللدين خصوصًا، ولن تستفيد من الاقتصار على أحد العلاجين فقط.
-قولك: (يقولون بأن القرآن مثل الكاتالوج الذي يحتاجه المسلم حتى يسير على نهجه، ولكن ألا ترون بأن 80٪ من محتوى القرآن الكريم هو أن أهل الإيمان في الجنة وأهل الكفر في جهنم، إلخ...) أترى أسلوبك في التفكير العاطفي المعتمد على مشاعرك دون عقلك والدليل؟ هل أنت تتسلى لتزيل بعضًا من ضجرك؟ أم أنت ممن رفع الله عنهم التكليف جملة وتفصيلًا!! لو بحثت في برنامج مصحف على الحاسوب عن كلمات: (جنة، جنات، وجنة، الجنات، النار، والنار، نارا)، لوجدتها في مجموعها حوالي (269) كلمة (وليس آية فقد يجتمع ذكر الجنة والنار في آية واحدة، وكذلك ذكرت كلمة جنة في أكثر من موضع بمعنى البستان). فأين نسبة 80% التي تتكلم عنها وعدد كلمات القرآن الكريم هو (77439)كلمة؟ إن النسبة لا تتجاوز 0,38% من كلمات القرآن!!!
ثم: كل هذا التفكر والتدبر الذي تفعله، ولم ترَ أحكام الطلاق ولا الزواج ولا البيع ولا الحرب ولا السلم ولا سائر الأخلاقيات ولا غير ذلك كله؟!!! أرأيت أن الخلل نابع منك وليس من الأشياء، اعتراضك على أن القرآن غير معجز، وأن من الشعر ما هو أكثر إعجازًا منه!!! يا أخي لقد أبدعت في هذا التفكر!! هؤلاء الشعراء البلغاء الذين تتكلم عنهم، لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وأبدوا عجزهم صراحة، واعترفوا بأن القرآن ليس بشعر، وقال الوليد بن المغيرة: (لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَهُ وَهَزَجَهُ وَقَرِيضَهُ وَمَقْبُوضَهُ وَمَبْسُوطَهُ، فما هو بالشعر). فأين بلاغتك من بلاغة هؤلاء، وأين علمك بالعربية من علمهم، حتى تحكم بأن القرآن ليس فيه إعجاز ولا بلاغة؟ من الأجدر بك أن تحكم على نفسك بالهبل والجدبة وعدم معرفتك بلغتك، وقلة فهمك لها. وكيف ستفهم مع جهلك بالعربية أن قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)) فيه من البلاغة والمناسبة لسياق الآيات ما ليس في قولك: أيها المؤمنون عليكم بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر؟!!
ويا سلام عليك!! ألأنك ترى فواصل الآيات في القرآن الكريم كالسجع تحكم بأنه يهتم بالإيقاع أكثر من المضمون؟ ماذا فهمت من مضمونه إذن؟ ألا قلت أيضًا أن الشعر كله بلا مضمون باعتباره يجري على قافية واحدة؟!!
ثم آتي لأسئلتك الأخيرة: قولك: (هل آثم حينما أقرأ القرآن وأنا أجد ضيقا وعدم طمأنينة، هل أمتنع، أم أواصل في القراءة. وأتجاهل الأسئلة التي تراودني وعدم الارتياح الذي أشعر به؟) لا تأثم بالقراءة مع الضيق، تجاهل وتابع القراءة، واقرأ تفسيرًا مبسطًا أيضًا كتفسير الجلالين
-قولك: (هل أكتفي بالدعاء فقط في حالة استحضار حالة نفسية مصحوبة بالقشعريرة والطمأنينة، أم يمكن أن أدعو في أي وقت ومن دون هذه الحالة، ومن دون ذكر طويل يستغرق مني وقتا كببرا، أي يمكن ذلك في خمس دقائق مثلا، ويكون ذلك مدعاة للاستجابة) نعم اكتفِ بالدعاء فقط كيفما تيسر كما شرحت لك.
-قولك: (هل ما أعيشه هو من قبيل سخط الله، فأنا أشعر بعدم الرضا، وبالبعد عن الله، ولا أشعر من الناحية النفسية بأني قريب منه) ما تعيشه هو حالة نفسية من الحنق، وتفريغ الغل بما يتعلق بدينك، وعليك أن تكون حازمًا مع نفسك وتضع حدًا لهذا، فحالتك تجاوزت حد الوسواس والاكتئاب، اذهب ففرغ غلك وحنقك بأي شيء آخر غير الدين، إنك لن تضر بهذا إلا نفسك.
-قولك: (هل حينما أقرأ رواية وأنتقدها، فأنا بذلك أضعها في نفس كفة كتاب الله الحكيم) هذا السؤال وسواس أهبل، وليس تفريغ غل كغيره!! الأمة الإسلامية كلها كانت وما زالت تنتقد الروايات والأشعار، ولم يقل أحد أن ذلك يعني وضع الرواية في مصاف القرآن!!! ثم من قال أن المؤمن يجوز له انتقاد القرآن؟!! يسمح له بأن يلتمس الحكمة بعد أن أيقن بصدق القرآن، ليزداد إيمانًا مع إيمانه ويزداد قلبه طمأنينة. أما الانتقاد فيستحيل أن يجتمع مع الإيمان.
-قولك: (يقول الله ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)). و أنا للأسف ما قرأت القرآن إلا وجدت عدم راحة ولا طمأنينة. و كل الأسئلة تهجم على عقلي الصغير من دون هوادة، بل واتخذ مكانة الناقد فهذا يليق وهذا لا يليق) كف عن انتقاداتك السابقة واستغفر الله، وتجاهل ما تجده، وتابع القراءة، فالقرآن شفاء من الأسقام سواء النفسية أم الجسدية أم الروحانية (السحر والعين).
وأخيرًا، انظر يا عربي، إنك قد تجاوزت حدود الوسوسة، وحدود البحث عن الحقيقة وإزالة الشبهات، إلى حدود التسلي وتفريغ الحنق بكلام لا تحمد عقباه، إنه اعتراض مبطن (لماذا فعل الله كذا...، طيب لماذا كذا..، جوابكم لا يقنعني...)، هل نقول لك: (عمرك ما تقتنع)!! ولا تخدرنا بقولك: (يشهد الله بأنني لا أبغي من هذا الطرح إلا أن أكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، فأرجو من المجيب ألا يكون قاسيا في رده...) أنت تعيش حالة من الميوعة الفكرية واللامبالاة والطفولية، إضافة إلى عللك النفسية.
أنت رجل، وعليك أن تكون عاقلًا وحازمًا مع نفسك، تعرّفها حدودها، وتمنعها من تجاوز تلك الحدود، ما دامت تعجبك تلك الاعتراضات غير المسؤولة التي تسترسل في التفكير فيها، وفي نطقها، فلن تقتنع بشيء، ولن تصل إلى شيء.. كن صريحًا وصادقًا مع نفسك، فلا توجد أي رائحة لطلب الحقيقة في أسئلتك، وإنما هي ميوعة وعدم مسؤولية وفقط.
هداك الله.
ويتبع>>>>>: أسئلة دينية لأكثر من مستشار م