أود أن أشكركم أولاً على هذا الموقع.. وسوف أطرح عليك مشكلتي يا د. حنان، فبالرغم من أن الكلمات غير متناسقة فإني أعاني من مشكلة أصبحت بالنسبة إليّ هاجسًا مخيفًا، وربما سوف تقولين لي أنت ضعيف الإيمان، ولكن هذا هو الحال في المجتمعات النامية.
إني أعاني من إعاقة جزئية في جسدي، وعندي أختي تعاني من إعاقة كذلك، وهي في المرتبة الثانية في العائلة، وبالرغم من أني من المتفوقين في الكلية والمحبوبين كذلك فإني أشعر بإحباط نفسي في داخلي، ربما لم يلاحظ عليّ جميع من هم حولي.
والمشكلة الكبرى أن صحتي تزداد تدهورًا يومًا بعد يوم، ووضع أبي المادي قليل، فأنا أحتاج إلى علاج.. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أنا صرت أكره أختي؛ لأني أكره الإعاقة فأشعر بألم داخلي في نفسي، فلا أريدها مثلاً أن تدرس في نفس الجامعة التي أنا موجود فيها، وأصبحت هذه الإعاقة شيئًا مخيفًا في المستقبل فلا أتجرأ مثلاً أن أقول ذلك لأي شخص؟؟
19/8/2024
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
يعمل العاقل على فلاحة الأرض الخصبة؛ كي لا يضيع جهده هباء، والأرض الخصبة لديك هي عقلك الذي يجب أن تحرص على زراعته بأفكار نيرة ومنطقية لتسعد بحياتك.
لن أستخف بأثر معاناتك من إعاقتك، ولكن سأطلب منك النظر لمن حولك من البشر.. فكلهم يعاني، ولكن تختلف الأسباب، ابحث من خلال شبكة الإنترنت لترى عدد من يشاركونك إعاقتك، وانظر إلى نشرات الأخبار لترى ما في الحياة من ويلات يكابدها الناس غير الإعاقة، فلا تبالغ بالانشغال بذاتك عن الحياة والناس من حولك، فالتمركز حول الذات مرحلة طفولية يشعر الطفل فيها بأنه الأكثر أهمية والأكثر تميزًا والحقيقة والواقع يقولان غير هذا، ومع زيادة النضج والوعي يتجاوز الإنسان هذه المرحلة، وعدم تجاوزها يؤدي لاضطرابات في الشخصية ومعاناة نفسية.
بعدما تنجح في تبني موقف أكثر إيجابية عن حالتك الصحية ستكون أكثر قدرة على الشعور بالسعادة وتقدير النواحي الإيجابية في حياتك؛ وهي النعم التي لم يحرم رب العالمين منها أحدًا من عباده، ولكن لا يقدرها سوى الأذكياء فقل مثلاً إن حالتك لم تنل عقلك الذي يمكّنك من الاختيار بين سبل الحياة، وأيها أكثر ملاءمة لك.
رغم تأييدي بأننا محرومون من نظم تأمين صحي كما في الدول المتقدمة، ولكننا نمتاز في دولنا النامية بالنواحي الروحية والنفسية والاجتماعية، فلو بحثت حولك فلن تعدم يد العون في الحياة من الجمعيات أو الأفراد، ولا تنظر لطلبك المساعدة بسلبية، فما تأخذه أنت اليوم من مساعدة يعني أن تكون جاهزًا لتردها في الغد لأي محتاج، وهكذا يكون تطبيق الأثر المشهور "الخير في أمتي إلى يوم الدين"، فابحث يا أخي عن هذه المساعدة في إطار الجامعة أولاً، ثم بين مؤسسات المجتمع المختلفة.
عندما تبدأ في اعتبار إعاقتك صورة من صور الابتلاءات يعاني غيرك مثلها بنسخ أخرى يمكنك التركيز على سبل مقاومتها وعدم الاستسلام، فتجاوزك لها سيقدم ما تحتاجه في الحياة من شعور بالإنجاز، ويكسبك أيضًا ما تحتاجه من تقدير المجتمع من حولك، ولكن عليك السعي فلا أحد يحقق أحلامه ورغباته بسهولة.
صورة أخرى لنضجك النفسي والشخصي بعد التخلص من خجلك من إعاقتك وطلبك المساعدة تكون في مد يد العون لأختك التي تعاني مثلك، وأنت أقدر من غيرك على الشعور بما تعانيه، فاحرص على أن تقدم لها يد العون وشاركها خبراتك في الحياة؛ كي تكتسب أنت إحساسًا بالقيمة يأتي من البذل، فحاجات الإنسان خلقها رب العالمين متوازية، فكما أنك بحاجة للمساعدة والدعم فإن المساعدة والدعم لغيرك سيشبع في داخلك إحساسًا بالقيمة والأهمية وهو أحد دعائم الشخصية السوية، وتعاطفك سيشجعها هي أيضًا على التعاطف والتعاون معك، فهناك ما يعرف باتحاد الضعفاء أو الضحايا، حيث يتوحد من يعانون من نفس الكأس.
ليست القضية ضعف إيمان فهو يزيد وينقص فإن شعرت في لحظة ما أنك بعيد عن الله سبحانه فتقرب منه.. سبب المشكلة الحقيقي هو خلل في التربية نعاني منه نتيجة افتقدانا لفلسفة الحياة الإسلامية التي تقوم على الرضا بأمر الله، والشكر له، واحتساب ما نجده في الحياة؛ لأننا نؤمن بأنها مرحلة نتجاوزها لهدفنا وهو الجنة، ولكن الحضارة الغربية التي تعبد الماديات، وترى بأنك لا تملك سوى هذه الدنيا وما لديك فيها من أيام هي في الحقيقة سبب للمعاناة.
أشكرك على ثقتك، وإن كنت ترى أني أدعو للدين فذلك لقناعتي من خبرتي في الحياة والعلم بأن لا أحد يحبك كما يحبك الله تعالى، وتعلقك بحب عظيم كحب الله عز وجل يعينك على ما يرميك به الناس والحياة، فهم أشبه بمن ترافقهم في رحلة الحافلة وستفارقهم لدارك في الجنة، فلا تبالغ في الاهتمام بما يقولون وما يعتقدون، واكتفِ بأن تصاحبهم بالمعروف.