السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أصدق هذا التوافق الزمني بين عرض تلك المشكلة "عقلي مخزن بقاعدة بيانات للمشاعر السلبية" وبين نيتي في الكتابة إليكم حول هذا الموضوع.
فالمشكلة قريبة جدا مما ذكرته صاحبة الرسالة، إلا أنها تأخذ أبعادا أكثر معي، فأنا متزوجة منذ 6 سنوات وأم لطفلتين، وعمري 28 سنة، وهناك فرق أساسي بيني وبين صاحبة الرسالة تلك وهو أن الله هداها إلى صميم المشكلة قبل زواجها، أما أنا فلم أنتبه إلى هذا إلا بعد زواجي.. وبسنوات.
منذ صغري وأنا أرى الخلافات بين والديّ، والتي لم تكن تأخذ شكلا عنيفا أو صاخبا بقدر ما كانت تأخذ شكل خصام طويل وانعزال ممتد قد يطول إلى أسابيع وشهور، وتارة كنت أصلح بينهما، وتارة كنت أتجاهلهما، تارة كنت أقف في صف أبي، وتارة مع أمي، والتي تماما مثل والدة الأخت السائلة دائما تشكو من أنها مضطهدة ومظلومة ولا تلقى المعاملة المحترمة التي تستحقها، مع أن -إحقاقا للحق- والدي لم أر به من العيوب أكثر من أي شخص عادي، فمن الطبيعي أن تكون لديه نقاط ضعف، لكن أمي أيضا لديها ما لديها من المشاكل والعيوب، لكن كنت أرجع المشكلة دائما إلى أن أمي نشأت بين أب متسلط وقاس إلى حد كبير، وأم جافة صلبة، كانت لا تسمع أولادها سوى الشكوى من ظلم وتجبر زوجها الذي هو أبوهم.
وهكذا كبرت أمي لا ترى أي حب أو حتى تقبل بين والديها، بل ترى كل جفاف وتجاهل وكلمات أحد من السيوف، إلا أنني كنت أحسن حظا من أمي، فأبي شخص متفاهم وودود إلى حد كبير، لا يدخر وسعا في إسعاد أبنائه، ودائما يفضل سعادتنا على سعادته الشخصية، فنشأت واثقة بنفسي قوية الشخصية إلى حد كبير، فأنا كنت على تمام اليقين من أن والداي يحبانني، ليس كما افتقدت أمي، ولهذا اعتقدت أن أمي حالة لها ظروفها الخاصة، وأنها لم ولن تؤثر علي، وخاصة أنني كنت متفوقة ونشيطة ومحبوبة من أصدقائي، وتلك الصفات لم تكن تتمتع بها أمي للأسف، ولكن للغرابة بعد زواجي أجد نفسي ومع كل خلاف بيني وبين زوجي أدافع عن حقوقي ورغباتي بشراسة وإصرار، وكأني من داخلي أرفض أن أكون صورة ثالثة من تلك المرأة المظلومة التي رأيتها في أمي وجدتي من قبلها.
والبعد الآخر الذي أخذته مشكلتي هو أنني أصبحت أشعر أني أدافع عن حقوق المرأة ضد الرجل في كل خلاف بيني وبين زوجي، فأجدني أهب مكشرة عن أنيابي عندما أشعر أن رأي زوجي سيسلبني أحد حقوقي أو سيمنعني من حريتي لأني امرأة وهو رجل، حتى أن زوجي أصبح يلقبني بـ(نائبة الدفاع عن حقوق المرأة) بصفه مستمرة، كل هذا ولم أشعر أن الأمر يتعلق بي أنا أساسا، إلى أن تزوجت أختي وأصبحت تنتهج نفس الأسلوب مع زوجها في كل خلاف أيضا، وبدأت أفطن إلى أن العيب ربما يكون في تربيتنا نحن وليس في أزواجنا كما اعتقدت.
أنظر إلى زوجات كثيرات أجدهن متهاونات في كثير من حقوقهن مع أزواجهن من مشاركة في المسؤولية، إلى حقوق الإنفاق، إلى حقوق التواجد مع أهل البيت بشكل كافٍ، إلى.. إلى.. إلى.. فالأمثلة لا تنتهي، ومع هذا فهن مرتاحات البال أكثر مني أنا التي أرفض التهاون في أي شيء، ودائما أرفع في وجه زوجي الكارت الأحمر عند أصغر تقصير.. يقسم لي زوجي كثيرا أنه عندما نختلف لا يقصد إهانتي أو قهري أو فرض رأيه عليّ لأنه الرجل وأنا المرأة، إلا أنني دائما لا أصدقه وأجد نفسي أفكر بعقلية أمي، وأتهمه بلسان أمي، فأصفه بأنه متسلط ويمارس سلطته التي مكنه منها الشرع بغير مراعاة لمشاعري.
صرح لي زوجي مؤخرا أنه مل الدفاع عن نفسه عند كل خلاف، فهو يرى أنني أحاسبه على أخطاء وتقصير كل الرجال، وللأسف وجدت نفسي أفعل ذلك فعلا في كثير من الأحيان.. فماذا أفعل؟
أطلب منكم خطة عمل حتى أغير من تفكيري بهذا الصدد، وكم أود عناوين أو أماكن أو حتى مواقع لـ(دورات التعامل مع الغضب) هذه التي ذكرت في الرسالة السابقة، كيف لي أن أتقبل الاختلاف في وجهات النظر دون الشعور بالاضطهاد والقهر؟
ولي سؤال آخر: هل للزوج الحق في فرض رأيه دائما وأبدا إذا اختلفنا في الرأي؟.. أعلم أن قوامته تجعل له الرأي الأخير في كثير من الأمور الحيوية التي تخص المنزل والأسرة والأولاد، لكن ماذا عن الأمور البحتة التي تخص الزوجة، كمن تصادق، ومن تجامل ومن لا، من تقوي بهم علاقتها ومن لا، والأمور التي تهتم بها والأمور التي لا تستحق الاهتمام، كأنواع النشاطات أو الهوايات المختلفة، بشرط أن ذلك لا يضر الزوج أو ينعكس على بيته أو أولاده بأي تقصير.
هل يلغي الزواج كل حق للمرأة في أن تقدر ما الذي تريده؟ ومتى تريده؟ ومن تعرف ومن لا تعرف؟ وحتى إن اختلف هذا مع ميول زوجها؟ أشعر بهذا أن المرأة خلقت لأن تعيش تحت سطوة والدها حتى مطلع شبابها، حتى يأتي الفارس الهمام زوجها ليكمل مشوار (الكتم على نفسها) ما قدر الله لها من سنين باقية، وكأن المرأة لا يمكن أن تكون حرة نفسها إلا في حالة واحدة ألا وهي الترمل لا قدر الله، بعد أن لا يكون هناك أب ولا زوج، وبعد أن يكون العمر قد ولى.. أفيدوني أفادكم الله.
والرجاء كل الرجاء ألا تستهينوا بمشكلتي، فعلى الرغم من أن كثيرا سيراها لا شيء فإنها تتسبب في صراعات نفسية لا حصر لها داخلي، وأعتقد أن ذلك يحدث مع عدد لا بأس به أيضا من النساء.
ملحوظة مهمة: أنا متعلمة تعليما عاليا، وكنت أعمل إلى أن أنجبت، ولي صداقات ومعارف وهوايات، أي أني لست الصورة الكلاسيكية للمرأة الضعيفة المقهورة التي تعيش في الظلام، لكني أشعر بأني أفعل كل هذا بصعوبة شديدة وعنوة تحت مقاومة قوية ممن حولي من زوجي إلى أهلي إلى المجتمع وقيوده التي لا تنتهي، أشعر أني أسرق حريتي سرقة، وأنتزع الأوقات الجيدة انتزاعا من بين براثن الضغوط، وأعظم مخاوفي هو ألا أستطيع إيقاف هذا المسلسل السخيف، فأنتج جيلا جديدا من الزوجات المقهورات من داخلهن، وخاصة أنني أم لفتاتين صغيرتين
وأخيرا عذرا للإطالة،
وجزاكم الله عنا خيرا.
4/9/2024
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزتي أنت في حالة دفاع عن النفس ترين أنها مشروعة في مواجهة محاولات القمع التي تتعرضين لها من قبل المجتمع الذي يمثله زوجك بصفة خاصة٬ وكونك تصارعين عدوا وهميا تعجزين عن الانتصار عليه وتصرخين نتيجة الإنهاك٬ ولذا لا يمكن الاستهانة بمشكلتك أبدا فأنت بحاجة لمساعدة في هذه الحرب.
تنشأ مشكلتك من عاملين الأول هو الخوف والثاني انخفاض مفهوم الذات وكي تستطيعي التوافق والعيش بسلام مع نفسك أولا ومع زوجك ثانيا عليك التعامل مع هذين الجانبين في شخصيتك والتوصل لطريقة لوقف تغذيتهما لبعض.
اعلمي أن أساس الغضب هو الخوف من أمور وعلى أمور، ولا تتساوى جوانب الحياة فاجلسي مع نفسك وضعي قائمة بالأمور حسب درجة أهميتها بالنسبة لك فلا يجوز أن تتساوى جميع الأمور من حيث الأولوية لديك فهل استقرارك مع زوجك وطفلتيك يساوي في أهميته قيامك بزيارة ما، تغضبين لأنك تخشين استغلاله لك بالمنع وسيطرته عليك.. فهل نجح غضبك في تهدئة مخاوفك.
عادة ما يلتقط ضحية الغضب نموذج السلوك ويتبعه مع الوقت كوسيلة للدفاع عن ذاته٬ فعندما تقولين إنك غير مستعدة للتسامح وترفعين الكارت الأحمر عند أي تجاوز أو خطأ مع أنك تعرفين أن كل بني آدم خطاء يصبح من الطبيعي أن يمل زوجك من محاولات استرضائك والدفاع عن نفسه لينخرط هو الآخر في دائرة الخوف على مساحته وحقوقه فيبدأ في استخدام وسيلته والتي قد تكون لاواعية في الرد على حدتك ومهاجمتك واستعدادك الدائم لخوض الحروب بفرض المزيد من القيود؛ فأنت تجلبين لنفسك مزيدا من القيود بسبب فشل أسلوبك في المطالبة بحقوقك.
ما رأيك لو فكرت بوضع عنوان لبيتك تسمينه استراحة المحارب؛ فالبيوت جعلت لنسكن أي نرتاح لا لنتشاجر فيها، وكي تصلي إلى هذا ضعي أدوات الحرب جانبا وهي الصوت العالي وسوء الظن وسرعة الانفعال واقرئي كلماتي بهدوء وتعلمي كيف تتعاملين مع غضبك وكيف تتخلصين من غضبك؛ فالغضب يعني التصرف بدون عقل وهو أمر مع تكرره يفقد الشخص الاحترام والثقة ممن يتعامل معهم وسيعملون بالتالي على تجنبه أو مهاجمته.
أفضل وسيلة للتعامل مع خوفك على ذاتك تكون بالمعالجة المعرفية، أي بمناقشة الأفكار التي تتردد في عقلك بطريقة منطقية وذلك حسب صياغتها، ولكن اعلمي أن كل فكرة لامنطقية تحمل في الغالب علامتين مميزتين؛ الأولى "دائما أو كل" والثانية "ينبغي أو يجب" فأي فكرة ترين أنها تشمل إحدى هاتين الكلمتين أو كلتيهما توقفي عندها وناقشيها بالمنطق لأنها غالبا تشمل فكرة لامنطقية تسبب لك المعاناة من خلال توليد الخوف فيك على نفسك وما تعتبرينه أمورا مهمة في الحياة، ومن ثم يستحث فيك الغضب للدفاع عنها.
ابدئي تعديل فكرة أن كل النساء مغلوب على أمرهن، ويشهد الله أن بعضهن كذلك بالفعل ولكن لسن كلهن فهذه مجرد صورة نمطية لا يقع ضحيتها سوى محدودي الذكاء.
الجانب الآخر لمعاناتك أيضا ناتج عن لامنطقية فيما يتعلق بمفهوم ذاتك؛ فترين أن أي تسوية من جانبك تعني ضعفًا، وأن أي تعاون مرفوض لأنه يعني التنازل والامتهان، والمنطق يقول عكس أفكارك؛ فدون تعاون الرجال والنساء سينقرض البشر.
وفي مقابل الأفكار المقولبة الجاهزة لديك عن ظلم الرجال للنساء فهناك مجموعة مماثلة لدى الرجال عن استغلال النساء لحاجة الرجال لهن؛ ولتتأكدي من كلامي راجعي بعض ما يكتب في باب آدم وحواء على الموقع٬ وابحثي عزيزتي عن عمل تفرغين فيه طاقتك النفسية قبل الجسدية كي تتوقفي عن التفكير الاضطهادي.
الإنسان الضعيف وحده يخشى التعاون مع الآخرين ويتقوقع على نفسه أو يبادر بمهاجمة أي هدف يتحرك، وحتى إن لم يكن عدوا، فإن كنت واثقة من نفسك ومن قدراتك على حماية حدودك وحقوقك فلم خضت كل هذه المعارك المستنزفة للطاقة والسعادة مع زوجك دون أن تحققي منها أي مكتسبات٬ بينما النساء اللواتي تشيرين بأنهن أكثر منك سعادة لم يكن كذلك لأن حقوقهن تصلهن غير منقوصة، ولكن لأنهن نجحن في ترتيب أولويات حياتهن، والاستقرار كان اختيارهن الأول وبعض التنازل هو الثمن٬ لا أشجعك على أن تدفعي أي شيء بانكسار وضعف حال، ولكن بوعي وثقة بأن ما تتنازلين عنه الآن ستنالين مقابله في ناحية أخرى؛ فهذا أحد قوانين الحياة أن لكل شيء ثمنا، وأن الحكمة تعني الوعي بمختلف الجوانب.
ويقال إن العدالة المطلقة في الأرض وهم، وأن الموجود هو مجرد تسويات أو ملاءمات compromise بين حاجات الناس المختلفة وحتى بين الدول٬ وعلى الرغم من متانة رباط الزواج لأنه يتم بمشروعية من الله فإنه لا يلغي المرأة كما تشكين وتخافين، بدليل أنها تبقى مستقلة ماديا ومن حقها خلع زوجها على الرغم من مفهوم القوامة الذي ترينه مجرد سلطة بينما هو تنظيم وحماية يرغب الكثير من الرجال في أحاديثهم الخاصة في التخلي عن مسؤولياته.
تعلمي أن تعززي ثقتك بنفسك فلا يعود تعاونك مع زوجك يعني تنازلا.. بل يعني انسجامًا وتكاملا٬ وكي تبني مفهوم ذات راسخ تذكري إيجابياتك ونجاحاتك واقرئي عن التوكيدية assertiveness فالتعليم قد يزودك بالمعرفة ولكنه لن يزودك بالذكاء والحكمة في كيفية توظيف هذه المعرفة لتسهل حياتك.
تسألين عن حدود سلطة الزوج على زوجته فأجيبك بأن الزواج عقد مشاركة تتراجع بعد توقيعه مساحة الخصوصية؛ فلا يصبح هناك الكثير مما تقولين عنه "أمور بحتة" تخص الزوجة، وتزيد مساحة المشاركة فينفق الزوج على الزوجة عملت أم لم تعمل، وشاركت بمالها أو لم تشارك٬ وإن أخذنا من شكل ولون شعر الزوجة مثالا فيا ترى يخص من منهما٬ مظهرها أمر يعنيه فمن حقه أن تكون جميلة في نظره كما أنه من مصلحتها أن يجدها كذلك لتحافظ على ارتباطهما٬ فلا يقوم الزواج فقط على قضية الحقوق بل تتقدمها قضية الشراكة في الحياة والحرص على الطرف الآخر لأن وجوده يدعم وجودنا.
تعرفي على طريقة تفكيرك غير العقلانية التي ترى أنك متميزة وعلى حق دائما وأن الأمور يجب أن تكون على هواك.. اكسري دائرة الاضطهاد ليس كرامة لزوجك ولا نفسك ولكن للطفلتين اللتين تختزنان ما تمرين به؛ وبالتالي تعملين على خلق مزيد من الضحايا بينما تعتقدين أنك تدافعين عن نفسك، وأنت تعلمين أن دفع الضرر أولى من جلب المنفعة حسب القاعدة الشرعية.. فإن سلمنا بأنك مهضومة الحق فضياع حقك أسهل من تشويه نفسيتين بريئتين أخريين من إناث هذه العائلة.
تعانين عزيزتي من درجة من عسر المزاج والاحتراق النفسي نتيجة غضبك وتدني مفهوم ذاتك، مما جعلك تضعين جميع الرجال في خانة واحدة من المتسلطين، ناسية أنك في بداية سطورك وصفت والدك بأنه إنسان محب لأسرته يقدم سعادتها على نفسه، ولكنك مع اجترارك لأفكارك السلبية ومشاعرك الاضطهادية نسيت أن تستثنيه من بين الوحوش المسيطرين، لن أقول إنهم ملائكة فهذا محض افتراء، ولكني سأقول إنهم مختلفون عن النساء بلا شك، ولكن منهم الصالح ومنهم دون ذلك، وهي النقطة التي يجب أن تبدئي بها في التخلص من أفكارك المعممة والتي هي أفكار لاعقلانية.
ولنناقش اقتراحك بأن سعادة المرأة تكون في ترملها.. من قال إن فقدت والدها وزوجها لن يكون هناك رجل شرير آخر في أي زاوية من زوايا الحياة قد يكون ابنها أو عمها أو خالها أو مجرد جار.. الحل الوحيد كي تسعدي هو أن تعودي لكوكب الزهرة الذي يزعم كتاب ما أنه كوكب خاص بالنساء.. غيري طريقة تفكيرك فإن لم تجدي للرجال في الحياة أي دور إيجابي فقولي ألا يكفي أن الحياة دونهم تصبح مملة؟ فمن سنلوم على ضيقنا ومصاعب حياتنا ومن تراه يشحذ هممنا نحو العمل باللوم أو المديح.