الموسوس وفتوى تحري الأيسر حكما في العبادات
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
لكم منّا جزيل الشكر على مجهودكم المبذول. كنت أعاني منذ مدة ليست باليسيرة من الوسواس القهري في جميع جوانب الحياة، ولكن بفضل الله ورحمته شفيت من الوسواس خاصة المتعلق بالجانب الديني، بفضل تتبع العلاج السلوكي المنشور في موقعكم، وإرادتي، وهذا بنسبة كبيرة قد تصل إلى 80 بالمئة ولله الحمد، حتى أن الاغتسال كان يأخذ مني وقتاً من 30 إلى 35 دقيقة والآن أصبحت لا أتجاوز فيه ال 15 دقيقة.
لكن المشكلة الصغيرة التي تؤرقني الآن هي النسيان في العبادات؛ إذ أني أنسى هل غسلت هذا العضو أم لا؟ هل أتيت بالركعة الرابعة أم لا؟ قد تجيبني بأن هذا هو عين الوسواس! لكن أنا لا أتردد في هل فعلت ذلك أم لا ولكن أنسى تماماً، فهل أعتبر هذا وسواساً وأكمل الواجبات الدينية غن كان غسلاً أو صلاة... دون الالتفات إلى ما أسمّيه أنا نسيان؟ أم يتوجب عليّ الإعادة؟.
أمّا السؤال الثاني: فأنا أستسمحكم فيه لأنه سؤال فقهي، وهو: هل يكفي في الغسل صبّ الماء على جسمي أم بتوجب تمرير اليد على كامل الجسد دون ترك ولو جزء بسيط؟ وإن حصل ولم أمرر اليد على جانب معين من الجسم فهل يتوجب إعادة الغسل أم يعد صحيحاً؟ خاصة وأن المذهب المالكي الذي نتبعه يشدد على ضرورة الدلك دون ترك ولو لمعة من الجسد، بخلاف المذاهب الأخرى.
وهل الحديث الذي يقول في ما معناه أن كل شخص يتبع السهل من كل مذهب فهو منافق أو ما شابه ذلك، هل هو صحيح؟.
12/04/2009
رد المستشار
السلام عليكم،
الأخ الفاضل محمد ياسر،
إن الجهود المبذولة على هذا الموقع إنما هي واجب علينا، ولا شكر على واجب، والحمد لله أن جعل فيها الفائدة والفرج للناس، والحمد لله أيضاً أن منحك من الإرادة ما تخطيت به مشكلتك ووصلت إلى هذا المستوى من التحسن.
أما قضية النسيان، فهي جزء من أعراض الوسواس، وقد أجبت قريباً عن سؤال مماثل يعاني صاحبه من النسيان أيضاً ويخشى أن يكون حكمه غير حكم الشك، وأكرر لك يا أخي: إن النسيان والشك متلازمان؛ فعندما تنسى ما قمت به، تشك هل فعلته أم لا، فلو أنك كنت في القيام، فشعرت بأن ذاكرتك قد مسحت ولا تعلم هل أنت في الركعة الرابعة أو الثالثة، فهذه حكمها كحكم الشك، فتبني على الأكثر، أي تعتبرها الرابعة وتكمل. وهكذا في الوضوء والغسل....، بمعنى أنك لو نسيت –أو شككت- هل دلكت موضعاً ما من جسدك أم لا؟ فتعتبر أنك دلكته وبلغت الماء إليه وتكمل. وتستطيع أيضاً أن تقلد المذاهب الأخرى التي لا تشترط الدلك في الوضوء والاغتسال، بل الأولى والأفضل لك أن تقلد وتخرج نفسك من وطأة الوسواس.
أما قولك: "وهل الحديث الذي يقول في ما معناه: أن كل شخص يتبع السهل من كل مذهب فهو منافق أو ما شابه ذلك. هل هو صحيح؟"
فأولاً: إن هذا ليس بحديث، ويستحيل أن يكون هناك حديث بهذا المعنى، لأن المذاهب المعروفة جاءت نتيجة لاختلاف الفقهاء في فهم النصوص الشرعية بعد عصر النبوة، فهي إذن لم تكن في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى ينهى عن تتبع الأسهل منها.
وثانياً: هذا المعنى الذي أشرت إليه يشير إلى قول الفقهاء: "إن متتبع الرخص آثم"، ومنهم من قال: "إنه فاسق"، لكن هذا في حق غير الموسوس، أما الموسوس فإن الفقهاء الذين نصّوا على إثم من تتبع الرخص نصّوا على أن الأولى والأحسن للموسوس أن يتتبع الرخص ريثما يشفى من وسواسه!!. والسبب في ذلك أن المراد من المسلم أن يكون عبداً لله مطيعاً له فيما أحب وكره، وحتى يبرهن على هذا عليه أن يتبع الأوامر جميعها سواء كانت سهلة عليه أو شاقة، طالما لم تخرج هذه المشقة عن المعتاد وتبلغ درجة لا تحتمل باتفاق. فإذا وجدت إنساناً يتتبع الرخص ويعمل بالأسهل من الاجتهادات دون مشقة تستدعي ذلك فاعلم أنه لا يريد أن يكون عبداً صادقاً لله، وإنما يريد أن يتخلّص من مشقة التكاليف الشرعية بفعل ما يسهل عليه ودون أن يشعر نفسه بأنه مقصّر أو خارج عن طاعة الله، فيعلل نفسه بأنه لم يخرج عن أقوال العلماء بينما هو في الحقيقة يريد أن يتبع هواه ويستريح من التقيد بالأحكام، وهذا لا شك يوصف بأنه آثم أو فاسق.
أما من وقع في مشقة شديدة –كالموسوس- فهذا الأولى له أن يتتبع الرخص في المسألة التي تشق عليه لأنه عند المشقة يقع بين خيارين: إمّا أن يفعل ما يشق عليه إلى أن تملّ نفسه ويترك العمل نهائياً وإن كان واجباً، وإمّا أن يقلّد الأسهل ويستمر على العمل والطاعة، وإن سألت أي عاقل أي الأمرين يختار؟ فسيجيبك: الأفضل أن يفعل الأسهل ويستمر. وهو لا يعدّ آثماً بحال من الأحوال، لأن تتبعه للرخص يؤدي إلى تمسكه بالدين والتكاليف الشرعية، على عكس من يتتبع الرخص لغير حاجة إذ يؤدي فعله إلى الهروب من التكاليف والعبودية لله. فالشرع لا ينظر إلى ذات الفعل فقط عند إعطاء الحكم، بل ينظر إلى النية منه وإلى ما يؤدي إليه من خير أو شر أيضاً، ولولا هذا لما حرم تتبع الرخص والأسهل في المذاهب إذ لا يوجد نص يلزم باتباع عالم دون غيره في اجتهاده.
فأرجو منك أن تستمر على العلاج السلوكي، وأن تكون فطناً للأقنعة التي يختبئ الوسواس خلفها، حيث إنه لما وجدت حلاً لشكك، جاءك بحيلة جديدة وهي: أنه ربما كان هذا الحكم لا ينطبق عليك. والأصل في الأمرين واحد وهو الشعور بأن فعلك خاطئ وغير صحيح، لهذا فقل لنفسك بحزم: أنا فعلي صحيح مئة بالمئة وتابع عملك، واستعن بالله.
واقرأ أيضاً: