الوسواس والقلق والاضطراب
أنا أعاني من أني أحس بخروج شيء مني أثناء الصلاة والوضوء. وأثناء الصلاة أشك في صلاتي دائمًا كلما أركع وأسجد، وأشك في الوضوء. وبأن شيئًا خرج مني، وعندما أذهب لأتوضأ أحس بضيق في صدري، وألم في بطني، وأحس أنه يخرج مني شيء أثناء الوضوء، وأثناء الصلاة، لدرجة أني أجعل والدي يصلي بي حتى أتأكد من صحة صلاتي، ودائمًا أسأله: هل خرج مني شيء أثناء الصلاة أم لا!
وبالمناسبة، كل لما أجلي أحس بشيء في بطني يتقلب ويؤلمني. وأصبحت الصلاة بالنسبة لي حملًا كبيرًا على أعصابي. ولا أستطيع الصلاة لوحدي لأني أحس أني أنسى شيئًا، لدرجة أني أكبر تكبيرة الإحرام 5 مرات لما أصلي لوحدي.
وأدخل الحمام الذي في بيتنا لأني أغسل الجزء التحتي من جسمي لأني أحس أن عليه نجاسة. ولم أدخل الحمام خارج المنزل منذ سنة، وإذا دخلت أغير ثيابي كلها عندما أعود إلى البيت، وأضعها في الغسيل وأستحم. وفي كثير من الأحيان أخرج الريح، وعندي انتفاخات وخاصة في الليل.
ولما أصلي الفروض لوحدي أحس أني نسيت قراءة الفاتحة، وتركيزي يقل بشكل كبير أثناء الوضوء والصلاة، لدرجة أني أصبحت أجعل علامات للركعات بالأرقام وبألوان أتخيلها وأنا راكع. ومابين السجدات أدعو بأدعية مختلفة. وعندما أريد أن أسلم أركز في ذهني لأتذكر ما الذي نظرت إليه وأنا أسلم، من أجل أن أتأكد أن صلاتي صحيحة. الحياة أصبحت جحيمًا بالنسبة لي...
ويأتيني أيضًا وسواس شتم لله تعالى أثناء الصلاة وبعدها، وهذا الكلام يزداد ساعة صلاة الجمعة، ويزداد أكثر في رمضان. كذلك الوسواس يأتيني في الصيام، وأحس أني ابتلعت تراب عرقى رقى، فأقوم وأبصق لأتأكد أني لم أبلع شيئًا. والوساوس تزداد في رمضان أكثر، حتى تركت المضمضة في الوضوء أثناء الصيام. وأحيانًا أحس بشيء من قطرات البول خرجت مني، وأحيانًا خروج ريح. وأنا متضايق من أهلي لأنهم لا يستطيعون تحملي.
يا دكتور، أنا محتاج للعلاج من أجل أن يمر رمضان على خير. وعلى فكرة أنا ذهبت للدكتور "......" وبقيت معه ستة شهور. والدواء كان يقلل التركيز كثيرًا ويجعلني أنام كثيرًا. ولم تذهب الوساوس. ولم يكن الطبيب يفعل أكثر من كتابة الأدوية لي.
أنا محتاج لطريقة في العلاج،
أو أن حضرتك تدلني على دكتور تثق فيه في الإسماعيلية.
9/8/2010
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا "محمد"، وأعانك الله على بلائك، وسارع في شفائك؛
أولًا دعني ألخص لك وساوسك:
1- وسواس انتقاض الوضوء، وخروج الريح وكذا قطرات بول أثناء الوضوء والصلاة.
2- وسواس في صحة الصلاة، وأداء أركانها.
3- وسواس الطهارة والنجاسة.
4- وسواس شتم الذات الإلهية.
5- وسواس في صحة الصيام، وحصول مفطرات.
إجمالًا أقول:
ليس أمامك إلا علاج واحد وهو أن تتجاهل كل هذا، وتمضي في عملك كأن شيئًا لم يكن، إضافة إلى العلاج الدوائي الذي أظنه لازمًا في حالتك حيث شدة القلق قد تكون غير محتملة بالنسبة لك مع هذا العدد الكبير من الوساوس. وآثار القلق ظاهرة عليك وما تشعر به من انتفاخ في البطن، وضيق الصدر هو من أعراض هذا القلق.
فأما التفصيل، فالأفضل لك طبعًا أن تعود إلى مقالات منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري لتعرف الأحكام بالتفصيل مع أدلتها وتورثك اطمئنانًا يعينك على تنفيذ العلاج، وكذلك إلى مقالات الدكتور محمد شريف سالم في العلاج السلوكي المعرفي، غير أني ألخص لك ما يتعلق بحالتك تحديدًا:
1- بالنسبة لانتقاض الوضوء، فاطمئن،
أولًا: لا ينتقض وضوؤك، -ولا وضوء غير الموسوس- حتى تتيقن يقينًا لا شك فيه بأنك أحدثت (أي 100%). بحيث لو قيل لك أن تحلف على أن شيئًا خرج لحلفت دون تردد. أما والحال أنك ما زلت تسأل نفسك ومن حولك: هل خرج مني شيء، فوضوؤك معك، وذلك لأنك متيقن من الطهارة، وشككت بالحدث، واليقين لا يزول بالشك.
وثانيًا: لو أن إنسانًا شك بخروج شيء منه، فهو ليس بمكلف أن يذهب ويفتش ليتحقق من صحة شعوره. لكن لو وجد شيئًا على ثيابه بعد ذلك، إن تأكد (100%) أنه خرج قبل الصلاة أعادها، وإذا كان هناك أدنى احتمال بأنه يمكن أن يكون بعد أدائه للصلاة، فلا تجب عليه الإعادة، وأقول: بالنسبة للموسوس، يجب عليه عدم الإعادة!
2- وساوس الصلاة:
أولًا: استعذ بالله تعالى من شيطان الصلاة خنزب، واتفل على يسارك ثلاثًا قبل البدء بالصلاة.
ثانيًا: كلما شككت في فعل، تعتبر نفسك أنك أديته وتكمل الصلاة، أي إذا شككت أنك أتيت بتكبيرة الإحرام تقول: قد أديتها وهي صحيحة، وتكمل. وإذا شككت هل صليت ثلاثًا أم أربعًا، تقول: قد صليت أربعًا. وإذا شككت هل سلمت أم لا، تقول: قد سلمت وأديت الصلاة على أكمل وجه. وتصرفك على هذا الأساس واجب عليك، كما صرح بهذا فقهاء المالكية، غير أنه لو غلبتك نفسك مرة وخالفت ذلك فصلاتك صحيحة، باختصار: مهما فعلت، ومهما شككت أنك فعلت مبطلًا فصلاتك صحيحة ولا إعادة عليك.
ثالثًا: خفف من مدة الصلاة ما استطعت، واقتصر على أداء الأركان دون السنن –على الأقل- ريثما يزول عنك الشعور بثقلها عليك، وإن وجدت وساوسك قد خفت بهذا فاستمر على ذلك.
3- وساوس الطهارة والنجاسة، الحكم الشرعي: أن الأشياء تكون طاهرة في أصلها، ومنها جسمك، ولا تعتبر نجسه تحتاج إلى تطهير إلا إذا رأيت النجاسة بأم عينك، فعليك أن تجبر نفسك على دخول الحمام دون أن تغسل نصفك الأسفل، كذلك لا بد لك من معاكسة وسواسك، وإجبار نفسك على دخول الحمام خارج المنزل، وأنصحك أن تفعل هذا حتى وإن كنت لا تشعر برغبة في دخول الحمام، وذلك فقط لتعرض نفسك لهذا الموقف دون أن تستجيب للوسواس الذي يأمرك بتطهير جسدك.
4- وساوس السب داخل الصلاة: اعلم أنها لا تؤثر على إيمانك ولا على دينك، وغاية ما فيها أنها تزعجك بورودها على ذهنك، فحاول أن تشغل نفسك عنها وتلهيها بشيء آخر، إلى أن تزول وحدها بإذن الله تعالى.
5- وساوس الصيام: كذلك في هذه الوساوس لا بد لك من معرفة أمور: أولها كما قلت لك في الصلاة: أنك ما لم تتيقن أن صيامك فسد فهو صحيح، أما ما دمت تقول: هل يا ترى صيامي صحيح أم أنه فسد فهو باقٍ على الصحة، ولا تحتاج لإعادته.
وثانيها: أنه كل ما عسر التحرز عنه، فلا تفطر به: فلا تفطر بدخول الغبار إلى حلقك، بل ولو دخلت ذبابة إلى حلقك لا تفطر. ولا بما يبقى في فمك من أثر المضمضة بعد أن تمج الماء، وقال الشافعية: لو أن الصائم كان يتمضمض أو يستنشق بشكل عادي ودون أن يبالغ ويتعمد إيصال الماء إلى أقصى فمه، أو أعلى أنفه، فجرى الماء ودخل إلى جوفه دون قصد فلا يفطر بشرط ألا يزيد على ثلاث مرات في المضمضة والاستنشاق. ولا تفطر ببقايا الطعام التي تكون في الفم ولا تستطيع إخراجها، ورخص الحنفية بابتلاع البقايا –ولو عمدًا- إذا كان حجمها أقل من الحمصة،وأعتقد أنه نادرًا ما يصل حجم البقايا إلى هذا المقدار، وخاصة إذا نظفت أسنانك بعد السحور...
قلت لك هذا كله، لتعلم أنك غير مكلف بالتدقيق على كل شاردة وواردة، فالأمر أيسر مما تظن، فحاول ألا تشغل نفسك بقضية أنك صائم، وأن عليك أن تراقب نفسك من أذان الفجر إلى أذان المغرب...
استرخِ قدر الإمكان أثناء أداء عباداتك، لأنك كلما تشجنجت وقلقت كلما زاد وسواسك، وترى الوسواس يجر الآخر إلى ما لا نهاية...
طبعًا هذا ملخص كما ذكرت لك، وأنصحك -إضافة إلى قراءة مقالات منهج الفقهاء وما ورد فيها من نصوص وأدلة-، أن تقرأ ما ورد في قسم الوساوس الدينية من استشارات، ففيها كلام كثير عن وساوس شبيهة بحالتك، وفي بعضها برامج معرفية سلوكية مفصلة جاهزة للتطبيق.
وبعد أن تقرأها، حاول أن تبدأ بعلاج الوسواس تلو الآخر، ولا تيأس، إذا فشلت مرة، فستنجح مرات، بإذن الله، وإياك واليأس بل ابقَ دائمًا متفائلًا بأنك ستشفى، فهناك حالات كثيرة قد من الله تعالى عليها بالشفاء بعد المثابرة على العلاج السلوكي، حاول أن تشجع نفسك، لأنه قليلًا ما تجد من يشجعك. وقليل من يقدر معاناة الموسوس أو يفهم عليه... وسر الشفاء بالتفاؤل والمثابرة والدعاء...
أسأل الله تعالى أن يعينك ويشفيك، وتابعنا بأخبارك.