السلام عليكم،
بدأت ألتزم منذ 3 سنوات، ولكن بعد التزامي بشهور كنت أتأخر في الوضوء والطهارة؛ حتى إني عندما كنت أقرأ في كتاب فقه عن أي شيء يخص الطهارة -مثل المذي أو الاحتلام- كنت أظن أني دائما مصابة به، وكنت أيضا أسمع شتائم في ذات الله وفي الإسلام؛ حتى إني كنت أضرب برأسي في الحائط. ثم بدأت هذه الأفكار تبدو معقولة مثل الفتوحات الإسلامية ومكانة المرأة في الإسلام، فهل ما زلت مصابة بالوسواس أم أن أفكاري عادية؟
علما بأني أحيانا أحب التقرب إلى الله، وأحيانا أفكر في صحة الإسلام أصلا، علما بأني قرأت في مقارنة الأديان والإعجاز العلمي في القرآن، وما زلت أشك، فهل هذا مرض أم أنه تأرجح بين الكفر والإيمان؟
علما بأن الحالة أحيانا تشتد وأحيانا تقل، فبم تنصحني؟
وشكرا لكم
20/1/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة، أهلا بك.. الحقيقة إن رسالتك تشير ربما من بعيد إلى عدة أعراض من أعراض الوسواس القهري، وكان من الممكن أن نكتفي بأن ننصحك بمراجعة إجابات تفوق الخمسين إجابة تعرض مستشارو صفحتنا فيها لمختلف الأشكال والألوان للأفكار التسلطية والأفعال القهرية وطرق العلاج المختلفة والعقاقير وآثارها العلاجية والجانبية والمآل العلاجي، وغير ذلك؛ حتى إننا توقعنا أننا غطينا الموضوع من كل جوانبه، لكننا اكتشفنا في رسالتك ما يستحق أن نشير إليه.
ونحن نفترض أنك قرأت إجاباتنا السابقة حول موضوع اضطراب الوسواس القهري، قبل أن تكتبي لنا، لكننا بالرغم من ذلك ندعوك إلى قراءة الإجابات التالية:
الوسواس القهرى: أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعي
وسواس القولون عند المسلمين: نموذجٌ أوضح
أنواع الوسواس خناس ولا خناس
التفكير السحري عند الموسوسين
الم.ا.س والم.ا.س.ا واحتمال الخطأ
الصبر على الم.ا.س يمحو الوسواس
نعم هو الوسواس القهري بحذافيره
وأما ما يستوجب أن نكتب فيه لتوضيحه فهو أولا تسجيل ملاحظتنا للشكوى المتكررة التي نسمعها من عديد من المرضى المسلمين وهي جديرة بالاهتمام فعلا، وهي التي تستنبط من السطر الأول من إفادتك (بدأت ألتزم منذ 3 سنوات ولكن بعد التزامي بشهور...)، وبدأت تظهر عليك الأفكار التسلطية المتعلقة بالوضوء والطهارة، وبدأت أفعالك القهرية في التطهر وتكرار الوضوء، وذلك رغم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الشريفة التالية:
عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَيَكُونُ في هَذِهِ الأُمّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ في الطّهُورِ وَالدّعَاءِ" (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة بسند صحيح).
وأما الحديث التالي ففيه نهي صريح عن الزيادة عن غسل العضو أكثر من ثلاث مرات أثناء الوضوء، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، وأخرجه أيضا أبو داود وابن خزيمة). كما روى الحاكم في الكنى وابن عساكر عن الزهري مرسلا: قيل: "يا رسول الله وفي الوضوء إسراف" قال صلى الله عليه وسلم: "نعم وفي كل شيء إسراف".
إلا أننا نجد تلك الملاحظة، منذ بدأنا الالتزام بدأت تنتابنا الوساوس، وهو ما يفسره بعض إخواننا من الأطباء النفسانيين على أنه ناتج عن الحرص والاهتمام الذي يطرأ على الملتزمين في بداية التزامهم فيصبح الالتزام بتفاصيل العبادات مهما بشكل يخافون فيه من عدم الوفاء بما يجب، فيبدءون في المعاناة من الوسوسة؛ لأن الوسوسة عادة ما تصيب الشخص في مواضيع تتعلق بأهم الأشياء لديه، وهو أيضا ما يفسره الشيوخ عامة بأنه بسبب اهتمام خاص يوليه الشيطان الرجيم بالملتزمين الجدد! وقد عرفت بالطبع كيفية التفريق بين الوسواس الخناس والوسواس القهري من خلال ما بيناه في إجاباتنا التي أحلناك إليها.
إلا أن هنالك احتمالا لست أدري لماذا أميل إليه، وإن لم يذكره لنا أحد من المرضى من تلقاء نفسه، وهو أن البحث واستقصاء التاريخ المرضي لكثيرين من هؤلاء سيبين لنا وجود تاريخ شخصي أو عائلي للوسوسة في حالة كل مريض من هؤلاء، فيكون ابتداؤه الالتزام بالدين مجرد عامل مرسب بسبب ما قد يشكله خوفه من الفشل في الالتزام من ضغط نفسي عليه خاصة في أيامنا هذه، ولذلك نرجو منك -إن كان لديك تاريخ شخصي أو أسري للوسواس القهري أن تذكريه في متابعتك لنا.
وأما الرد على تساؤلك بخصوص تغير محتوى الأفكار الاجترارية أو التشكيكية أو التجديفية إلى مواضيع أخرى تبدو الأفكار فيها (معقولة مثل الفتوحات الإسلامية ومكانة المرأة في الإسلام)، فإن المحك التشخيصي لاضطراب الوسواس القهري ليس فقط محتوى الأفكار، وإنما خاصيتها التسلطية القهرية، أي أنها أفكار ترفضينها ولا تستطيعين الكف عن التفكير فيها (إلا ربما بممارسة الفعل القهري حركيا كان أو عقليا).
وعليه فإذا كان تفكيرك في الفتوحات الإسلامية ومكانة المرأة في الإسلام، هو تفكير كتفكير الناس ترغبين فيه وتتحكمين فيه.. فهذا أمر عادي، لكن الواضح أنها ليست هكذا حالتك؛ لأنك بعد ذلك قلت في إفادتك "وما زلت أشك؛ فهل هذا مرض أم أنه تأرجح بين الكفر والإيمان، علما بأن الحالة أحيانا تشتد وأحيانا تقل، فبم تنصحني؟".
فهنا أنصحك كطبيب متخصص أن تستكملي علاجك لدى طبيب نفساني إن كنت بدأته أصلا، وأن تتابعي العلاج إلى أن تزول عنك كل هذه النوعية من الأفكار، مع ضرورة تذكيرك أيضا باللجوء إلى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنها في كثير من الحالات تفيد مع العلاج، بشرط ألا يأخذ ذلك شكل الفعل القهري الذي تكررينه دون حساب؛ لأن الاستعاذة إن لم يخنس الشيطان بعدها لا تفيد مريض الوسواس القهري.
وفي النهاية أحب أن أحييك على إفادتك الموجزة الغنية بشكل نادرًا ما نراه في مريضات الوسواس القهري بما يبشر بتحسن حالتك مع تعاطي العلاج بمشيئة الله، وفقك الله إلى الخلاص من عذابك وتابعينا بأخبارك.