كان للمحاضرة التي ألقاها الشيخ محمد العريفي (الداعية السعودي الشاب) أثرا كبيرا لدى كثير من المصريين مما استدعى دعوة الشيخ إلى مصر لإلقاء مجموعة محاضرات في أكبر مساجد القاهرة والدلتا حول نفس المعنى وكان يستقبل بحفاوة شديدة في كل مكان يذهب إليه، ونفس الشئ تقريبا حدث مع الشيخ عائض القرني الذي ألقى محاضرة في نفس السياق حول فضائل مصر في القرآن والحديث ومكانتها في الحضارة الإسلامية. ومما يميز أحاديث الشيخين أدبهما الشديد ورقي عباراتهما وحلاوة لغتهما وبعدهما عن التنابز بالألقاب وقدرتهما على الاقتراب من النفوس ومداواة الجراح (وهذا يختلف عن بعض مشايخ فضائياتنا الذين يجلدون معارضيهم ويكفرون منتقديهم).
ويبدو أن الشيخان أدركا في لحظة من الزمن أن مصر تمر بلحظة انكسار وحالة انقسام وتراجع للثقة بالنفس، وأن صورة الدعاة والمشايخ قد اهتزت بسبب أخطاء متعددة وقعت من بعضهم وأثارت الرأي العام ضدهم فأصبحوا محلا للنقد وأحيانا السخرية، وأن صراعات النخبة أدت إلى التحول من نقد الذات إلى جلد الذات إلى كراهية الذات وباتت تهدد بتدمير الذات المصرية.
وقد أدركا أيضا أن المصريين لايرون في الوقت الحالي إلا مصر العشوائية، مصر المزدحمة، مصر المخنوقة، مصر المتردية، مصر المهزوزة، مصر المنقسمة، مصر العنيفة، مصر الخشنة. ومن هنا أدرك الشيخان (العريفي والقرني) أن المصريين بحاجة إلى الدعم النفسي وإلى من يكشف لهم الغطاء عن مصر الحضارة وخاصة الحضارة الإسلامية، فعددا مآثرها وأبرزا قيمتها كما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وكتب التاريخ. والتقط المصريون الرسالة بحب ومودة باستثناء مجموعة من النخبة اعتبروا ما حدث نوع من الاختراق السلفي الوهابي ونوع من تبييض وجه المشايخ في مصر وإعادة الاحترام لهم من خلال نماذج جيدة لمشايخ قادمين من بلاد الحرمين.
وبوجه عام كان الشيخان يحاولان القيام بدور المعالج النفسي لشعب اهتزت ثقته بنفسه، وتشوه إدراكه لذاته، ولم يعد ير إلا معالم فشله، فراحا يذكراه بعظمة تاريخه القديم والقريب لعله يفيق من غفلته ويكف عن محاولات انتحاره. وقد اتضح أن كثيرا مما قالاه لا يعرفه ليس فقط عوام الناس بل حتى كثير من المثقفين لأننا لا نهتم بقراءة التاريخ بعمق ولا نهتم بتتبع سير العلماء والفضلاء لأننا انشغلنا بالصراع الدائر حاليا بين الأقطاب المتنافرة، وظهرت على السطح كل نقائصنا وعيوبنا وتشوهاتنا، وأفسد التلوث قدرتنا على الرؤية والسمع والإدراك، فكان لابد من صوت خارجي يرى بعين سليمة مالم نستطع رؤيته بأعيننا التي أعياها الرمد.
ونزلت كلمات الشيخين بردا وسلاما على المصريين، وأحدثت حالة من السكينة والوئام النسبيين، إذ حملت الكلمات دعوات للمصريين "جميعا" بالتوافق والتصالح والوئام والعمل على إعادة بناء مصر العظيمة. ونفس روح المحبة والإخلاص التي ظهرت في كلمات الشيخين وجدتها بالتوازي وفي نفس الوقت تقريبا لدى عدد كبير من المثقفين والعلماء السعوديين تجاه مصر حيث كنت أحضر مؤتمرا دوليا بالرياض، وهذا يعكس تآلف وتعاطف الشعوب العربية والإسلامية بصرف النظر عن مصالح وتوجهات السلطات الحاكمة هنا أو هناك.
والجميل في كلمة الشيخ العريفي أنها لم تكن مجرد كلمات حماسية يدغدغ بها المشاعر النرجسية للمصريين، وإنما كانت عبارة عن آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة وحقائق تاريخية موضوعية يقرؤها من جهاز حاسوب شخصي يضعه أمامه وهو يخطب الجمعة (وهذه حسنة نتمنى أن يقتدي بها خطباؤنا الذين يعتبرون الارتجال مفخرة لغوية وخطابية)، ومع هذا لم تخل الخطبة من مشاعر فياضة وحماس مقبول ومقدر.
وليست فقط مصر في الحضارة الإسلامية وفي التاريخ الديني التي نجهلها بل نحن نجهل أيضا مصر القديمة، ولذلك وضع الدكتور وسيم السيسي (الباحث في علم المصريات) كتابا بعنوان "مصر التي لا تعرفونها"، وهو يشير في ذلك الكتاب إلى معالم العظمة والتميز والرقي في مصر القديمة، وإن كان الدكتور وسيم ينظر إلى تلك الحقبة من تاريخ مصر نظرة رومانسية ويرى الفراعنة وكأنهم ملائكة بلا أخطاء، ويتحيز بشدة إلى هذه الحقبة التاريخية وتبدو لديه الرغبة العارمة في العودة إليها أو استلهامها، وفي سبيل ذلك يلمز دائما (بشكل مباشر أو غير مباشر) حقبة الحضارة الإسلامية التي مرت بها مصر والعالم ويطلق عليها حضارة الرمال أو حضارة الصحراء أو حضارة البدو.
إذن فنحن أمام بلد عظيم حقا في مراحله الحضارية المختلفة سواء كانت المصرية القديمة أو القبطية أو الإسلامية، ولكن كثير منا يجهل معالم هذه العظمة، وحتى الذين يعرفون تراهم يتحيزون لحقبة دون الأخرى، وربما يتحيزون لحقبة ضد الأخرى، أو يحقرون حضارة لصالح تلميع حضارة أخرى، وهكذا تبقى هناك مصر لا نعرفها حق المعرفة. ولهذا نقترح أن تؤخذ محاضرة الشيخ العريفي ويضاف إليها جزء عن معالم حضارة مصر القديمة وأيضا معالم الحقبة القبطية في تاريخ مصر لتصبح جزءا من مقرر الدراسات الاجتماعية في المرحلة الثانوية بدلا من الحشو الذي تمتلئ به الكتب المدرسية. وأخيرا شكر واجب للشيخ العريفي على مبادرته الطيبة تجاه إخوته المصريين ومرحبا به في أرض الكنانة وهو لم يكتف بالدعم النفسي والروحي بل سعى للدعم العملي بأن نادى في خطبته (من فوق منبر مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة) المستثمرين من كل أنحاء العالم بأن يستثمروا في مصر ويساعدوها كي تنهض من عثرتها.
واقرأ أيضاً:
ويبدو أن الشيخان أدركا في لحظة من الزمن أن مصر تمر بلحظة انكسار وحالة انقسام وتراجع للثقة بالنفس، وأن صورة الدعاة والمشايخ قد اهتزت بسبب أخطاء متعددة وقعت من بعضهم وأثارت الرأي العام ضدهم فأصبحوا محلا للنقد وأحيانا السخرية، وأن صراعات النخبة أدت إلى التحول من نقد الذات إلى جلد الذات إلى كراهية الذات وباتت تهدد بتدمير الذات المصرية.
وقد أدركا أيضا أن المصريين لايرون في الوقت الحالي إلا مصر العشوائية، مصر المزدحمة، مصر المخنوقة، مصر المتردية، مصر المهزوزة، مصر المنقسمة، مصر العنيفة، مصر الخشنة. ومن هنا أدرك الشيخان (العريفي والقرني) أن المصريين بحاجة إلى الدعم النفسي وإلى من يكشف لهم الغطاء عن مصر الحضارة وخاصة الحضارة الإسلامية، فعددا مآثرها وأبرزا قيمتها كما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وكتب التاريخ. والتقط المصريون الرسالة بحب ومودة باستثناء مجموعة من النخبة اعتبروا ما حدث نوع من الاختراق السلفي الوهابي ونوع من تبييض وجه المشايخ في مصر وإعادة الاحترام لهم من خلال نماذج جيدة لمشايخ قادمين من بلاد الحرمين.
وبوجه عام كان الشيخان يحاولان القيام بدور المعالج النفسي لشعب اهتزت ثقته بنفسه، وتشوه إدراكه لذاته، ولم يعد ير إلا معالم فشله، فراحا يذكراه بعظمة تاريخه القديم والقريب لعله يفيق من غفلته ويكف عن محاولات انتحاره. وقد اتضح أن كثيرا مما قالاه لا يعرفه ليس فقط عوام الناس بل حتى كثير من المثقفين لأننا لا نهتم بقراءة التاريخ بعمق ولا نهتم بتتبع سير العلماء والفضلاء لأننا انشغلنا بالصراع الدائر حاليا بين الأقطاب المتنافرة، وظهرت على السطح كل نقائصنا وعيوبنا وتشوهاتنا، وأفسد التلوث قدرتنا على الرؤية والسمع والإدراك، فكان لابد من صوت خارجي يرى بعين سليمة مالم نستطع رؤيته بأعيننا التي أعياها الرمد.
ونزلت كلمات الشيخين بردا وسلاما على المصريين، وأحدثت حالة من السكينة والوئام النسبيين، إذ حملت الكلمات دعوات للمصريين "جميعا" بالتوافق والتصالح والوئام والعمل على إعادة بناء مصر العظيمة. ونفس روح المحبة والإخلاص التي ظهرت في كلمات الشيخين وجدتها بالتوازي وفي نفس الوقت تقريبا لدى عدد كبير من المثقفين والعلماء السعوديين تجاه مصر حيث كنت أحضر مؤتمرا دوليا بالرياض، وهذا يعكس تآلف وتعاطف الشعوب العربية والإسلامية بصرف النظر عن مصالح وتوجهات السلطات الحاكمة هنا أو هناك.
والجميل في كلمة الشيخ العريفي أنها لم تكن مجرد كلمات حماسية يدغدغ بها المشاعر النرجسية للمصريين، وإنما كانت عبارة عن آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة وحقائق تاريخية موضوعية يقرؤها من جهاز حاسوب شخصي يضعه أمامه وهو يخطب الجمعة (وهذه حسنة نتمنى أن يقتدي بها خطباؤنا الذين يعتبرون الارتجال مفخرة لغوية وخطابية)، ومع هذا لم تخل الخطبة من مشاعر فياضة وحماس مقبول ومقدر.
وليست فقط مصر في الحضارة الإسلامية وفي التاريخ الديني التي نجهلها بل نحن نجهل أيضا مصر القديمة، ولذلك وضع الدكتور وسيم السيسي (الباحث في علم المصريات) كتابا بعنوان "مصر التي لا تعرفونها"، وهو يشير في ذلك الكتاب إلى معالم العظمة والتميز والرقي في مصر القديمة، وإن كان الدكتور وسيم ينظر إلى تلك الحقبة من تاريخ مصر نظرة رومانسية ويرى الفراعنة وكأنهم ملائكة بلا أخطاء، ويتحيز بشدة إلى هذه الحقبة التاريخية وتبدو لديه الرغبة العارمة في العودة إليها أو استلهامها، وفي سبيل ذلك يلمز دائما (بشكل مباشر أو غير مباشر) حقبة الحضارة الإسلامية التي مرت بها مصر والعالم ويطلق عليها حضارة الرمال أو حضارة الصحراء أو حضارة البدو.
إذن فنحن أمام بلد عظيم حقا في مراحله الحضارية المختلفة سواء كانت المصرية القديمة أو القبطية أو الإسلامية، ولكن كثير منا يجهل معالم هذه العظمة، وحتى الذين يعرفون تراهم يتحيزون لحقبة دون الأخرى، وربما يتحيزون لحقبة ضد الأخرى، أو يحقرون حضارة لصالح تلميع حضارة أخرى، وهكذا تبقى هناك مصر لا نعرفها حق المعرفة. ولهذا نقترح أن تؤخذ محاضرة الشيخ العريفي ويضاف إليها جزء عن معالم حضارة مصر القديمة وأيضا معالم الحقبة القبطية في تاريخ مصر لتصبح جزءا من مقرر الدراسات الاجتماعية في المرحلة الثانوية بدلا من الحشو الذي تمتلئ به الكتب المدرسية. وأخيرا شكر واجب للشيخ العريفي على مبادرته الطيبة تجاه إخوته المصريين ومرحبا به في أرض الكنانة وهو لم يكتف بالدعم النفسي والروحي بل سعى للدعم العملي بأن نادى في خطبته (من فوق منبر مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة) المستثمرين من كل أنحاء العالم بأن يستثمروا في مصر ويساعدوها كي تنهض من عثرتها.
واقرأ أيضاً: