بعد أن بدأ الضعف الكبير يستشري في شرايين الدولة العثمانية نتيجة لبعض الإساءات في تطبيق الأحكام الشرعية تارةً، ولاستكلاب الغرب الحاقد عليها تارةً أخرى، فقد استغل الغرب الأوروبي الكافر هذا الضعف لكي ينتصر داخليًا على كل النزاعات والصراعات والحروب الداخلية الأوروبية، وليلتقي من خلال الاتفاق على أهداف ومصالح مشتركة خارج القارة الأوروبية، والانصراف إلى مراقبة واستغلال الظروف والأوضاع المتردية التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية دولة الخلافة كسلطة قائمة وحامية للمشرق العربي الإسلامي.
لقد بدأ العمل للنيل من الدولة العثمانية بدءًا من الحصول على الامتيازات والحصانات التي منحتها الدولة الإسلامية لمعظم الدول الأوروبية في مختلف الفترات التاريخية وإعطائهم الوصاية على رعايا الدول الأوروبية المقيمين داخل حدود الدولة العثمانية، ومثال ذلك اتفاقية الدولة العثمانية مع فرنسا عام 1535م وانكلترا عام 1579م، وهولندا عام 1598م، وروسيا القيصرية عام 1700م والسويد ونابولي (إيطاليا) والدنمارك وغيرها من الدول، ثم كان التدخل في شؤون الدولة العثمانية تحت ذريعة حماية حقوق الأقليات المسيحية في الشرق العربي الإسلامي، ثم احتلالًا للأقاليم العثمانية والتي كانت تتمتع بقسط واسع من الاستقلال الذاتي في ظل سلطة رمزية اسمية للدولة العثمانية عليها.
هذه التدخلات الغربية والتنازلات من الدولة العثمانية أغرت الدول الأوروبية الاستعمارية بشن الحروب العدوانية على دولة الخلافة وتضييق الخناق عليها، إلا أن الدولة الإسلامية بقيت تحاول السيطرة على ولاياتها؛ ومثال ذلك طلب السلطات العثمانية من باشوية ولاية الجزائر العثمانية إعلان الحرب على فرنسا التي كانت تتمول من الموانئ الجزائرية بسبب إغلاق الأسواق الأوروبية بوجه تجارتها. وقد كانت باشوية ولاية الجزائر العثمانية قد أيدت وساندت الثورة الفرنسية، وكانت تزود فرنسا بالقمح الجزائري، وأقرضت حكومة الثورة بدون فائدة مبلغًا قدره مليونًا من الفرنكات عام 1796م، في حين كانت الدول الأوروبية برمتها تفرض حصارًا محكمًا على فرنسا الثورة، ولكن فرنسا تنكرت لهذا الجميل وجهزت لاحقًا حملة عسكرية واحتلت الجزائر عام 1830م وتونس عام 1881م...
ثم كان حصار الأسطول الحربي الأميركي لموانئ ولاية ليبيا العثمانية أثناء المناوشات والمعارك التي دارت خلال أعوام 1801م - 1805م في النزاع المسلح بين سلطات باشوية ولاية ليبيا العثمانية والولايات المتحدة الأميركية، وذلك نتيجة امتناع السفن الأميركية من دفع الزيادات المقررة من قبل تلك السلطات على الرسوم المستوفاة من البواخر والسفن التي تمر أو ترسو في موانئ الولاية مما أدى إلى أسر الليبيين السفينة الحربية الأميركية (فيلاديلفيا) مع بحارتها وجنودها؛ حيث اضطرت الولايات المتحدة للدخول في مفاوضات مع باشوية ولاية ليبيا وعقدت معاهدة صلح معها لإطلاق سراح بحارتها وجنودها، واضطرت إلى دفع تعويضات مالية كبيرة إلى باشوية ولاية ليبيا العثمانية في تلك الفترة...
كما وفرضت (فرنسا- إسبانيا) منذ أوائل القرن العشرين حمايتها المشتركة على المغرب خلال السنوات (1908م-1912م) حيث احتلت إسبانيا مناطق الريف شمال المغرب والصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) إضافة إلى احتلالها منذ القرنين الرابع عشر والخامس عشر وحتى الآن لبعض المدن الساحلية المغربية ومنها مدينتي (سبتة ومليلية) المغربيتين والجزر المغربية الصغيرة المتناثرة سواء المحاذية منها للساحل الشمالي للمغرب أو الجزر المغربية التي تقع قبالة السواحل المغربية في المحيط الأطلسي كجزر الكناري وغيرها من الجزر الأخرى التي تعتبر جغرافيًا وتاريخيًا جزءًا من السواحل الغربية للمغرب.
كما قامت إيطاليا باحتلال ليبيا عام 1911م نتيجة الضعف الذي كانت تعاني منه الدولة العثمانية الأمر الذي اضطرت معه إلى التنازل عن ليبيا بموجب معاهدة (أوشي) عام 1912م.
كذلك قامت إنكلترا باحتلال مصر عام 1882م والسودان عام 1899م والسواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية التي كانت جزءًا من (جنوب اليمن– عدن) عام 1838م والسواحل الشرقية لشبه الجزيرة العربية بفرض الحماية على المشيخات الصغيرة في الخليج العربي كالبحرين عام 1820م والإحساء والقطيف عام 1871م فمسقط وساحل عمان عام 1892م والكويت عام 1899م... وباقي أجزاء الدولة الإسلامية التي لم تستطع في نهاية المطاف الصمود أمام جحافل الغرب الكافر الحاقد الذي تربص بها الدوائر فأسقطها وأزالها وأسقط معها منبع العزة للمسلمين والذي يتمثل بدولة الخلافة، هذا الكيان العظيم الذي صمد في وجه كل الصعاب لما يزيد عن 1400 سنة.
تلك نبذة تاريخية تبين لكل ذي بصر وبصيرة عن منهجية التعامل الغربي ضد الأمة الإسلامية منذ بدايات الحروب الصليبية وحتى يومنا هذا.
إذًا فقد تم تقسيم كعكة الدولة الإسلامية على الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى، والأميركية والأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية. وأخذت كل دولة حصتها لتسرق منها ما تشاء من تلك الحصة وتزرع فيها عملاءها وأعوانها حتى تطبق السيطرة ولا تترك متنفسًا لأي محاولة للتحرير. لكن الولايات المتحدة الأميركية وبحكم قوتها العسكرية والاقتصادية وسقوط الاتحاد السوفيتي (روسيا) بعد انهيار الشيوعية أفسح لأميركا أن تتصدر قيادة العالم وبلا منافس، فبدأت أميركا ترسم سياسات جديدة للمناطق التي تم تقسيمها سابقًا لتعيد هيكلة النفوذ على الدول الضعيفة فيكون لها نصيب الأسد على حساب النفوذ الأوروبي في المنطقة.
فكانت حرب الخليج الثانية (1991م) إيذانًا ببداية الانقضاض والقضم الأميركيين لمناطق المصالح الحيوية الأوروبية في العالم. لم يعد العراق منطقة تستحق عند السوفييت الدفاع عنها حين انطلق عدوان (عاصفة الصحراء) عليه؛ تشهد على ذلك ليونة سياسة ميخائيل جورباتشوف ووزير خارجيته إدوارد شيفارنادزه في مداولاته في مجلس الأمن التي أفضت إلى سلسلة القرارات من660 الى 678 (القاضي باستعمال القوة العسكرية ضد العراق)، فيما يشهد على عكسه سعي الرئيس فرانسوا ميتران- حتى آخر لحظة- إلى تجنيب العراق هذه الحرب.
حين انتهت الحرب إلى ما انتهت إليه، وأعقبها الحصار الطويل القاتل، كانت مصالح أوروبا (فرنسا وألمانيا خاصة) أكبر المتضررين بعد العراق والبلدان العربية الفقيرة. وأثناء عملية إخراج النفوذ الأوروبي من شرق المتوسط العربي، كانت مركبة النفوذ الأميركي المضاد تزحف حثيثًا نحو مناطق أخرى في أفريقيا لتحكم عليها الإطباق حيث كان لا بد من زعزعة النفوذ الفرنسي والأوروبي إجمالًا عن طريق الحروب والقلاقل، كما في رواندا وبوروندي والبحيرات العظمى، بعد صومال فارح عيديد!،
من أجل استنزاف ذلك النفوذ والزج بقواه في مصهر تناقضات لا تقبل التسوية ولا يستقيم معها نفوذ أو يستقر. ثم كان حصار ليبيا والسودان لمنع تدفق الطاقة إلى جنوب أوروبا. غير أن ذلك وحده ما كان يكفي لإزاحة النفوذ الأوروبي كليًا، وكان لابد من مشروع أميركي إقليمي شامل يشمل المنطقة جميعها ويدمج مناطق النفوذ الأوروبي فيها تحت عنوان التعاون الإقليمي.
إن بروز الربيع العربي، وقتل الصمت لدى الشعوب العربية الإسلامية تجاه حكامهم العملاء دفع بعجلة تغيير الأوراق بالنسبة لتابعية الدول لأميركا فباتت أميركا من جهة تريد استغلال الوضع الراهن لتغيير الوجوه في بلاد الثورات من تابعية أوروبية لتابعية أميركية، وباتت أوروبا تحاول وباستماتة إبقاء عملائها أو حتى تغيير واحد مكان واحد للصمود أمام المد الأميركي على مستعمراتها. وكذلك كانت تحاول أن تلعب لعبة أميركا نفسها بتحويل النفوذ الأميركي في بعض البلاد إلى نفوذها كما في مصر وسوريا.
صحيح أن أوروبا وبقيادة بريطانيا تمكنت من كسب الثورة التونسية وتوجيهها كما تريد، وأن أميركا استوعبت ثورة مصر ولو جزئيًا وامتصت بعض الغضب الشعبي لتكسب الوقت الكافي لها لاستنفاد كل هذا الغضب، إلاّ أن وضع ليبيا قد بات للعيان أنه صراع أميركي أوروبي مستميت لكسب ثروات هذا البلد البترولية الخيالية وما لها من تأثير على اقتصاد هذه الدول العملاقة.
إنّ الصراع الدولي على ليبيا واليمن بدأ يأخذ أشكالًا جديدة قد تصل معها إلى مرحلة كسر العظام، فأميركا لم تترك من جهدها جهدًا في دس أنفها في شؤون ليبيا واليمن والتي تعتبرها أوروبا جزءًا من مناطق نفوذها، وما يُدلّل على ذلك المناقشات الساخنة التي تجري في أروقة البيت الأبيض والكونغرس، فالمتابع لهذه المناقشات يُلاحظ انقسامًا شديدًا بين كبار السياسيين الأميركيين على ما يجب أن يكون عليه الموقف الأميركي من تلك القضايا.
ففريق يُنادي بضرورة انسحاب أميركا من قيادة التحالف الغربي العدواني تجاه ليبيا بحجة أنّ ليبيا بلد يقع ضمن النفوذ الأوروبي الخالص ولا طائلة من سحب ليبيا من الأوروبيين، بينما فريق آخر يُنادي بضرورة التدخل وذلك لتحقيق أمرين:
الأول: منع الأوروبيين من الاستفراد بالملفات الشرق أوسطية لا سيما استفرادها في ملفات دول كليبيا واليمن المحسوبتين على أوروبا.
والثاني: محاولة إحلال النفوذ الأميركي في تلك المناطق محل النفوذ الأوروبي ولو كانت الكلفة عالية.
وبين هذين الرأيين يتخبط أوباما وإدارته في طريقة التدخل في محاولة منه لجسر الهوة بين مواقف الفريقين.
أمّا بريطانيا وفرنسا فألقتا بكامل ثقلهما في ليبيا واليمن، واعتبرتا تدخلهما فيهما بمثابة حياة أو موت، ولذلك نجدهما تُنفقان الأموال الباهظة فيهما بالرغم من وضعهما الاقتصادي الصعب وضرورة إجراء تقشف في الإنفاق. إنّ مجرد الصراع على من يتولى قيادة التحالف العدواني ضد ليبيا هو بحد ذاته صراع على من يملك نفوذًا أكبر في ليبيا. إنّ بريطانيا حسمت أمرها في مسألة تغيير القذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن، ولا مجال لديها لإبقائهما في السلطة، فهما قد استهلكا واستنفدا ما هو مطلوب منهما، وهي تُحاول ترتيب خلفاء لهما يكونون من عملائها، واستعانت بريطانيا في تحقيق هدفها هذا بفرنسا، ونسّقت معها الخُطا، واعتبرت أن نجاحها في اليمن وليبيا هو نجاح لأوروبا، وإنّ فرنسا بصفتها الدولة الأهم في أوروبا فلا بد من إشراكها معها في مهمتها تلك، ولا بُد من إعطائها نصيبًا من كعكتها، وذلك لقطع الطريق على أميركا التي لا تقبل المشاركة وتريد الاستحواذ بمفردها على الكعكة كلها.
وأمّا أميركا فاتخذت الجانب المخالف لبريطانيا وفرنسا في تلك القضيتين، فبما أنّ بريطانيا وفرنسا قرّرتا تغيير الأنظمة التابعة لأوروبا في ذيك البلدين، فإنّ أميركا وعلى عكسهما تُريد إطالة عمر القذافي وعلي عبد الله صالح في سدة الحكم، لتخريب المخططات الأوروبية، ولمحاولة إيجاد موطئ قدم لها فيهما، ولعل هذا ما يُفسر تلكؤ أميركا في إجراءات الإطاحة بالقذافي. وما يُدلّل على هذا الرأي تصريحات المسؤولين الأميركيين المضطربة والمتناقضة في هذا الشأن.
لقد دفع الوضع الراهن في ليبيا كُلاً من أميركا وأوروبا إلى استغلال كل ثغرة موجودة فيها للانقضاض على هذه الدولة النفطية الغنية، وإن المبكي للعين والمحزن للقلب أن الدول العربية وبمساعدة حكامها العملاء قد مهدت للغرب جسر العبور إلى ليبيا واحتلالها احتلالًا فعليًا واقتصاديًا والسماح لهم بالتدخل العسكري في ليبيا لإسقاط القذافي. يمكن القول إن ما هو حاصل في ليبيا الآن هو نتيجة مخطط غربي تواطأت معه جامعة الدول العربية، هدفه أولًا الانتقام من نظام القذافي المجرم- الذي لم يشفع له عند أسياده في الدول الغربية أنه دفع أكبر دية في التاريخ مقابل ضحايا تفجير «لوكربي»، وأنه سلم البرنامج النووي الليبي على طبق من ذهب للدول الغربية.
وثانيًا الطمع الغربي الواضح في موارد وثروات الشعب الليبي. فكما هو واضح فإن الدول الغربية جاءت إلى ليبيا لتسيطر على هذه الثروات، وما يترتب على هذا التدخل من نتائج ستكون عواقبه لا شك وخيمة على الشعب الليبي، فالشعب الليبي سيقع تحت استعمار اقتصادي مقيت، حيث أن جميع الأموال التي اختلسها القذافي وأسرته وأودعها في البنوك الغربية سوف تصادرها الدول الغربية المشاركة في فرض الحصار على ليبيا، كفاتورة أولى لهذا التدخل، ومن ثم سوف تفرض هذه الدول على الحكومة الليبية القادمة تزويدها بالنفط والغاز الليبي بثمن بخس دراهم معدودة، هذا ناهيك عن أن هذه الدول الغربية –وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، وبعد أن أبادوا الجيش الليبي بشكل غير مبرر- سوف تقوم باستنزاف الأموال الليبية بحجة إعادة تسليح الجيش الليبي من جديد. ما بات واضحًا هو أن الأميركان وحلفاءهم نجحوا في الضغط على أعضاء المجلس الانتقالي في ليبيا، من خلال سياسة العصا والجزرة: إما نترككم للقذافي ولن تحلموا بأن يعترف بكم أحد ولن يزودكم أحد بالسلاح، وإما أن تقبلوا تدخلنا وتحفظوا مصالحنا وعندها يرحل القذافي.
ومن ناحية أخرى ومن أجل إتمام هذا السيناريو الخبيث وضعت الدول الغربية القذافي في الزاوية، ولم تترك أمامه خيارات تضمن له عدم الملاحقة؛ لذلك أجبروه على القتال حتى النهاية لأن مشهد الرئيسين العراقي والصربي ماثل أمام عينيه، وعليه لم يكن أمام المجلس إلا الإذعان للمطالب الغربية، فهذا المجلس بلع الطعم الأميركي، رغم أنه يدرك أن الانتصار على القذافي ليس في حاجة إلى جر الجيوش وفرض منطقة حظر طيران، وبذلك قبل بالعروضات الأوروبية وكذلك الأميركية مقابل الاعتراف به دوليًا كما حصل باعتراف أكثر من 30 دولة منها دول كبرى به على أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي.
نحن الآن أمام طاغية ليبي يستعين بقوات مرتزقة من الحفاة العراة في مواجهة معارضة مسلحة بقيادة المجلس الانتقالي وأمام مجلس انتقالي يستعين كذلك بقوات مرتزقة مدججة بالصواريخ والطائرات وتحمل اسم حلف الناتو الذي يضم أكثر من أربعين دولة. فمنحنى الصراع قد انتقل من كونه تحريرًا من طاغية مجرم قاتل تافه إلى نزاع على السلطة، والتي ستكون بنهاية المطاف لواحدة من هذه الدول الكبرى أميركا، أو فرنسا، أو بريطانيا ولنا في تاريخ ليبيا عبرة، ففي عام 1943م جرى تقسيم ليبيا المستعمرة الإيطالية السابقة إلى ثلاثة كيانات بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء.
واحد تحت اسم ولاية برقة وكان من نصيب بريطانيا، والثاني فزان من نصيب فرنسا، والثالث طرابلس التي أقامت فيها الولايات المتحدة قاعدة هويلس العسكرية الشهيرة. إنّ طاغية ليبيا بمجازره الدموية، وأولئك الحكام بعدم نصرتهم أهل ليبيا وإنقاذهم من ذلك الطاغية، هم شركاء في جريمة تهيئة الأجواء لتدخل الدول الغربية عسكريًا بعد أن تدخلت سياسيًا بقرار مجلس الأمن 1973 بحجة الإنقاذ الإنساني لأهل ليبيا، في الوقت الذي لا تعرف فيه هذه الدول أي إنسانية إلا أن تكون مدفوعة الأجر، وليس أي أجر، بل الأجر الفاحش الذي يحقق مصالحها في بلاد المسلمين.
لقد آن لهذه الأمة الإسلامية الراقية أن تعيد بَصْمَتها في اللعبة السياسية العالمية، وتستعيد دورها لتفرض هي بنفسها وجودها الفعال بين هذه الأمم بدل أن تبقى ألعوبة بيد الاستعمار يأخذها كيف شاء. فكيف لهذه الأمة أن تهنأ بالعيش وهي ترى إخوانها في كل مكان يذبحون صباح مساء على يد حكامهم تارةً أو التحالف تارةً أخرى، ألم نسمع قول الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ)، ألم نسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» البيهقي، ألم تَعِ هذه الأمة أن مصيبتها في حكامها... ثم في سكوتها عن بوائق هؤلاء الحكام الظلمة وطغيانهم، ما يؤدي إلى أن يصيبها ما يصيبهم من عذاب، ليس في الآخرة فحسب، بل حتى في الدنيا.
(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ إَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)... إنّ هؤلاء الحكام في سبيل كراسيهم المعوجة الزائفة لا يتورعون عن سفك الدماء، وخدمة الأعداء وبيع البلاد والعباد، إن عروشهم هي نعيمهم، فطاغية ليبيا يعلم أن الناس لا يريدونه وأن بريطانيا التي أوصلته للحكم بعد أربعين سنة لفظته بعد ما استنفد دوره، وله عبرة في أشياعه من قبل. إنه إن كان من شيء يُعَوّل عليه في هذه الظروف القائمة فإنها الأمة الإسلامية وجيوشها الجرارة، فبها وحدها يمكن استدراك الأمر حيث تتحرك لتنقذها من الطاغية القذافي، وتعيد البسمة إلى أهل ليبيا، وبذلك تقطع الحجة التي اقتحم الغرب بها أجواء ليبيا وأرضها بطائراته وصواريخه.
ولكن أن للمسلمين في ليبيا ذلك في ظل هكذا أنظمة حكم محيطة بها؟ فالأمر يحتاج إلى دولة إسلامية تعيد الحق إلى نصابه وتقطع دابر التدخل الغربي فيها. لقد آن لهذه الأمة أن تعي الدور الذي أوكله الله لها بشهادتها على الناس، لقد آن لها أن تأخذ دورها الذي أراده الله لها (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، آن لها أن تقيم دولة الخلافة التي هي فقط من سيحرس البلاد والعباد ويقصم ظهور الأعداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» النسائي، آن لها أن تدرك أنها لن تستطيع رفع الظلم عن نفسها في ظل الأنظمة الوضعية والحكام الرويبضات. ولكن قُوّة الشدّة علامة الفرج، ولن يغلب عسر يسرين، وظلمة الليل يتبعها انبلاج الفجر، وإنّ للإسلام هزات شداداً ستأتي الظالمين وأعداء الإسلام من حيث لم يحتسبوا... قال تعالى: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
منقول عن: مجلة الوعي، العدد 295-296-297، (عدد خاص ومميز) السنة السادسة والعشرون، شعبان ورمضان وشوال 1432هـ ، تموز و آب و أيلول 2011م -
واقرأ أيضًا:
متلازمة الغطرسة... والسلطة / حركة 20 فبراير حركة شعبية...!! / سيكولوجية الديكتاتور/ الأزمة السورية بين الواقع والمأمول؟