نتوقع مع استمرار التظاهرات والاعتصامات والمواجهات أن تكون هناك حالات تحتاج للمساندة النفسية والعلاج والتأهيل، ونخص بالذكر الحالات التالية:
۰ حالات اضطراب الكرب الحاد Acute Stress Disorder : وهو يتميز بحدوث حالة من الكرب الشديد والقلق والإنشقاق وأعراض أخرى خلال شهر من التعرض لحدث صدمي شديد أصاب الشخص ذاته أو شاهده، وتضمن هذا الحدث تهديدا حقيقيا بالموت أو الإصابة الخطيرة، أو التهديد لسلامته البدنية أو النفسية، أو لآخرين محيطين به، مع الشعور بخوف شديد وحالة من العجز. وتظهر الأعراض أثناء الحدث أو بعده مباشرة وتستمر على الأقل يومين ولا تزيد عن شهر. ومحور الأعراض في هذه الحالة هو مزيج من القلق والاكتئاب.
ويمر الشخص بأعراض انشقاقية مثل الشعور بالخدر أو الانفصال أو غياب الاستجابة الانفعالية، وربما نقص الوعي بما يحيط به، أو تغير إدراك الشخص لذاته أو للواقع المحيط به، أو حالة نسيان للتفاصيل الهامةى في الحدث.
وبعد ذلك يعيد الشخص معايشة الحدث الصدمي من خلال خيالات متكررة أو أفكار أو أحلام.
ويحاول الشخص تجنب المثيرات التي تذكره بالحدث وتوقظ المشاعر والأحاسيس المرتبطة به.
۰ حالات اضطراب كرب مابعد الصدمة Post-Traumatic Stress Disorder : وهذا الاضطراب يمثل أعراضا طويلة المدى أو أعراضا تظهر متأخرة نتيجة التعرض لصدمة نفسية عنيفة تتجاوز قدرة الشخص العادي على استيعابها. وتشمل الأعراض: إعادة معايشة الحدث الصدمي (فلاش باك)، والاستغراق في ذلك بما يجعل الشخص المصاب منعزلا عن العالم من حوله وغير متجاوب معه، مع فقد الشعور بالألفة وزيادة اليقظة والحذر وسرعة الاستثارة والمبالغة في الاستجابة الفسيولوجية للمؤثرات الخارجية، واضطراب النوم وفقد الشهية للطعام واضطراب الوظائف الجنسية، والشعور بالذنب وضعف التركيز ونقص الانتباه.
وتتكون ذاكرة مرضية للحدث تجعله ملحا على الوعي ومقتحما له في صورة أحلام يقظة وأحلام في المنام وانشغال دائم بالحدث وتداعياته يجعل الشخص مفصولا عن الواقع وغير قادر على التعامل بفاعلية معه، وحين يتعرض لأي مؤثرات توقظ في نفسه ذكريات الحدث تنتابه حالة من التوتر الشديد والقلق وكأنه يعيش الحدث مرة أخرى في التو واللحظة، ولذلك نجد الشخص المصاب بكرب ما بعد الصدمة يتجنب كل ما يذكره بالحدث لأنه يصيبه باستجابات فسيولوجية مؤلمة.
وإذا كان المصاب طفلا فقد يفقد القدرة على الكلام أو يرفض الحديث عن تفاصيل الصدمة أو الكارثة التي عايشها، كما يعاني من أحلام مفزعة وكوابيس، ويلتصق بشدة بأمه أو أبيه، ويقل اهتمامه بالأنشطة المعتادة واللعب مع رفاقه.
وفي كل الحالات تتغير نظرة الشخص للعالم والحياة والمستقبل فيرى العالم غير آمن والحياة لا تستحق أن نعيشها ويفقد الأمل في المستقبل.
وقد نرى أعراض قلق واكتئاب مصاحبة للحالة، ويتدهور الأداء الدراسي والمهني، ويتراجع النشاط الاجتماعي، ويصبح هناك سلوكا اندفاعيا غير مفهوم.
وقد تتحسن الحالة بعد عدة شهور وقد تستمر الأعراض لعدة سنوات. ولوحظ أن حوالي 30% من المرضى يتحسنون تماما و40% تظل لديهم أعراض خفيفة و20% أعراض متوسطة و10% تسوء حالتهم مع الوقت. ويتوقف تحسن الحالة على تماسك الشخصية قبل المرض، وسرعة التدخل العلاجي وكفاءته، والمساندة الأسرية والاجتماعية.
أما العلاج فيشمل استخدام العقاقير المضادة للاكتئاب والقلق SSRIS وعقار الكلونيدين وعقار البروبرانولول والأتينولول وأحيانا مضادات الذهان، بجانب العلاج النفسي (التنفيس والمساندة والطمأنة وإعادة تذكر الحدث في ظروف آمنة ومدعمة ومحاولة استيعابه في المنظومة المعرفية والوجدانية).
بعد هذا الاستعراض العلمي الموجز ندعو الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين (والطبيبات والأخصائيات) بالاهتمام بتشخيص الحالات التي تعرضت لأحداث خطيرة ومواقف صادمة ثم إعطائها الفرصة للعلاج والتأهيل. وقد يتم ذلك بصورة فردية كل في موقعه، وقد نحتاج لجهود جماعية مجتمعية من خلال فرق عمل تتواجد قرب مواقع الأحداث لتقديم المساندة والدعم الفوري وتصنيف الحالات وتشخيصها.
واقرأ أيضاً:
إسلامية بالشطة، أو علمانية بالسم الهاري!! / العضّاضون والعضّاضات / مستقبل تيار الإسلام السياسي / استراتيجيات حل الصراع / انتهاك حقوق الموتى