ما يشاهده الإنسان وما يسمعه وما يحس به قد يمر مرور العابرين ويرميه في سلة نفايات على رصيف طريق يمضي به نحو هدف معين في حياة تتحداه يومياً، لكن هناك مما نشاهده ونسمعه ونحس به ما هو أقوى من ذلك زخماً وأثقل وزناً فلا يمكن أن نرمي به على جانب رصيف أي طريق كان.
تمر الأيام ويبدأ الإنسان رحلة جديدة لهدف آخر ويصفّي ذكريات الماضي؛ بعض الأحداث يجمعها في كيس نفايات أسود ليتخلص منها، بينما يجمع أخرى في كيس أخضر ويحتفظ بها آملاً تكرارها. هكذا يتم تصريف الذكريات أو بالأحرى هذا ما يتصوره ويفتخر به الإنسان؛ القدرة على التخلص من ذكريات مشحونة بألم وضيق وكراهية.
لكن الحياة ليست كذلك تماماً! فقد يفتح الكيس الأسود أحياناً؛ تماماً كما هو الحال إن اتخذت قراراً بالذهاب إلى دار السينما لمشاهد فيلم Argo للمخرج "بِن أفلك"، وفيلم Zero Dark Thirty للمخرجة "كاثرين باكلو". من الصعب الابتعاد عن صالات العرض هذه الأيام حيث يبدأ عرض أفضل أفلام الموسم استعداداً لجوائز الأوسكار وغيرها، لكن الغريب في هذا العام أن يتواجد أكثر من فيلم يذكرك بثلاثة عقود من الزمن مرّت على العالم العربي والإسلامي مليئة بذكريات لا يود أحد تكرارها.
الفيلم الأول يتطرق إلى عام 1979 واحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية. الفيلم يتعلّق بستة رهائن تصور الجميع أن هربهم من طهران كان بفضل جهود السفارة الكندية، لكن الحقيقة غير ذلك، فقد خططت وأنجزت العملية وكالة المخابرات الأمريكية. فيلم مليء بالإثارة لا تسمع فيه سوى دوي إطلاق رصاصة واحدة فقط لإعدام صوري لرجل من قبل حرس الثورة الإيراني. هناك مشهد آخر لرجل تم شنقه وعُلّق في شارع عام في طهران يعود بك إلى ذكريات هذه الوحشية في بغداد عام 1969 -1970 لشنق رجال في ساحة التحرير.
الفيلم يعكس أيضاً الحماس والاندفاع الثوري المخيف في أجواء نسميها ثورية لكن التعبير الأكثر دقة هو أجواء إرهابية. هناك الصراع الإيراني الأمريكي الذي ما زال قائماً إلى يومنا هذا. عند نهاية الفيلم تتذكر بداية الحرب العراقية الإيرانية وما حدث في العراق من ذلك اليوم وحتى يومنا هذا، هناك كانت البداية ولا يعرف أحد ما هي النهاية، ربما سنسمع يوماً نعي بلد اسمه العراق في صحف عالمية وعربية يومية!.
تبعت أحداث الفيلم الأول حرب الخليج الأولى خلال 11 شهراً فقط، وتم تدمير العراق وإيران بفضل إمدادات سلاح لا نهاية لها. أما الفيلم الثاني فهو استمرار لولادة الإرهاب الإسلامي الذي لا يمكن فصله عن أحداث الفيلم الأول. ولد خليفة الإرهاب أسامة بن لادن وحدثت مجزرة التاسع من أيلول في 2001، وبدأ الصراع الإسلامي الغربي. هذا الفيلم الرائع في تصويره وإخراجه لا يخلو من مشاهد التعذيب والقتل العشوائي لمن اعتنقوا دين الإرهاب وابتلي العالم بأسره بهم. الكثير من مشاهد الفيلم تم تصويرها في باكستان والتي يمكن وصفها في يومنا هذا ببئر الإرهاب والعنف الإسلامي. يذكرك الفيلم خلال لقطات بمن يمول الإرهاب والذي أصبح تجارة عربية إسلامية.
تمتد أحداث الفيلم على مدى عشرة أعوام انتهت باكتشاف مكان بن لادن بالصدفة والتخطيط للقضاء عليه. يذكِّر الفيلم بأن لا أمل هناك في القضاء على الخلايا الإرهابية في باكستان في المستقبل القريب، وأن الإرهاب الإسلامي أصبح وباءً يصعب السيطرة عليه ولا يوجد لقاح إلى الآن قادر على توليد مناعة بشرية ضده.
سرق المتطرفون من أهل الإسلام الدين الإسلامي، وسرقوا الربيع العربي، ويخططون للقضاء على الوطن العربي بأسره، كانت مهنتهم ولا تزال نعي البشر ولا أحد ينازعهم في ذلك، الكارثة أن تسمح لهم الشعوب بكتابة نعي أوطانهم أيضاً، وتتسلم هوليود بعدها المهام بتصوير هذه المأساة وترشيح العمل لجائزة الأوسكار!.