كذلك الأمر مع علاج اضطرابات القلق بدون اكتئاب حيث إن القاعدة العامة هي أن العلاج النفساني أكثر فعالية وإضافة عقاقير مضادة للاكتئاب وغيرها بصورة منتظمة لا يساعد المريض كثيراً وأحيانا يؤدي إلى مضاعفات تعرقل عملية الشفاء ... أما الاكتئاب فعلاجه أكثر تعقيداً من ذلك والسبب يعود إلى أن شدة الاكتئاب تختلف من مراجع إلى آخر، ولكل مصاب بالاكتئاب علاجه الخاص به ويعتمد ذلك على عوامل بيئية وطبية ونفسانية. هناك دراسات تشير إلى أن استعمال مضادات الاكتئاب أكثر فعالية من العلاج النفساني وخاصة في الاكتئاب الشديد والمتوسط الشدة1. من جهة أخرى هناك من يقول بأن الدراسات التي تقارن بين فعالية العقاقير مقابل العلاج النفساني يتم تمويلها من شركات الأدوية ولا تخلو من التحيز المعرفي2.
هذا المقال يقتصر فقط على الإجابة على سؤال واحد وهو هل العقاقير المضادة للاكتئاب فعالة أم لا3.
تاريخ مضادات الاكتئاب
تم تسويق مضادات الاكتئاب في الخمسينيات وظهر عقار إميبرامين Imipramine والمعروف تجارياً بتُفرانيل. ينتمي هذا العقار الى عائلة ثلاثية الحلقات Tricyclics وبعدها ظهر أكثر من عقار ثلاثي الحلقة وثنائي ورباعي الحلقة. اشتهر عقار الأميتربتلين Amitriptyline من هذه العائلة حين تم تسويقه في عام ١٩٦٠ ولا يزال يستعمل في مختلف الاضطرابات العقلية وغير العقلية. هذه العقاقير لها أعراضها الجانبية من جفاف الفم والتهدئة وغير ذلك، ولكن فعاليتها لا جدال فيها إلى الْيَوْمَ.
رغم هذه الثورة العلمية في علاج الاكتئاب، ولكن استعمال هذه العقاقير كاد يكون حصراً على الطبيب النفساني والسبب في ذلك بأن استعمال جرعة عالية منها في وقت واحد من أجل الانتحار يضمن نجاح خطة المريض الانتحارية بسبب الاكتئاب. كان ذلك كثير الملاحظة في الأسبوعين الأولين لبداية العلاج ولذلك كان وصفة العقار محدودة لمدة أسبوع أو أسبوعين.
في عام ١٩٨٦ تم تسويق عقار في بلجيكا له سمعته في كل مكان وهو عقار فلوكستين والمعروف شعبياً بروزاك. هذه كانت بداية استعمال العقاقير المعروفة بمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (م.ا.س.ا) (SSRIs Selective Serotonin Reuptake Inhibitors ) والتي بدورها تحافظ على تركيز هذا الناقل الكيمائي العصبي في الدماغ. الحقيقة هي عدم وجود فعل انتقائي لهذه العقاقير وهذا المصطلح بدعة الشركة التي سوقته لأسباب تجارية. منذ ذلك الْيَوْمَ وهذه العقاقير معروفة بـ SSRIs وأب جميع العقاقير هو بروزاك. بسبب هذه العقاقير حدثت ثورة جديدة في استعمال العقاقير المضادة للاكتئاب.
ثورة استعمال العقاقير المضادة للاكتئاب
عقاقير SSRI عقاقير سليمة ولا يستطيع المريض تنفيذ خطته الانتحارية باستعمال جرعة عالية منها إلا إذا ابتلع كميات هائلة تقف في البلعوم وتغلق المجاري التنفسية. هذه الحقيقة أدت بدورها إلى شيوع استعمال العقاقير وأصبح استعمالها لا يقتصر فقط على الطبيب النفساني وإنما يصفها كل طبيب لكل مريض يقول بأنه حزين وقلق. بسبب هذه العقاقير ظهر تعجرف الأطباء تجاه الطب النفساني والصحة العقلية والكثير منهم يردد مقولة معروفة وهي: ما يصفه الطبيب النفساني من عقاقير لا يحتاج استعمال العقل لعلاج الاكتئاب.
في الوقت نفسه تغيرت مفاهيم البشرية في العالم وظهر مطلب الشعور بالسعادة كحقٍ إنساني لا بد من تلبيته وليس هناك ما هو أسهل من تناول قرصٍ واحد يوميا قد يساعد الإنسان أو يعطي الثقة له بأنه يستعمل شيئاً ينقله إلى عالم السعادة. لم ينصف الطب النفساني نفسه أيضاً مع تخفيض عتبة تشخيص الاكتئاب واستحداث مفهوم اضطراب الاكتئاب الجسيم Major Depressive Disorder واستحداث معايير تشخيص يتم استعمالها من قبل الجميع بدون تدريب وممارسة.
كانت نتيجة هذه الثورة في الاكتئاب هي أن ما لا يقل عن ١٠٪ من السكان في أي بلد من بلاد العالم يستعملون هذه العقاقير. ولكن الطامة الكبرى أن استعمال هذه العقاقير ليس لعدة شهور كما هو المألوف في علاج الاكتئاب وإنما لعدة أعوام وأحياناً إلى أجل غير مسمى... من جراء شيوع استعمال هذه العقاقير وظهور الأعراض الجانبية لها مع طول مدة الاستعمال بدأت الناس تشك في فعاليتها وأصبح ظهور المقالات المضادة لاستعمالها يتكرر بصورة منتظمة... أدى استقطاب هذه الآراء على مدى أكثر من عشرين عاماً للبحث عن إجابة لسؤال واحد فقط من ضمن أسئلة أخرى وهو: هل العقاقير المضادة للاكتئاب عقاقير فعالة حقاً؟
الوصول إلى معرفة الحقيقة يحتاج إلى استعمال القاعدة العلمية وهي:
المعرفة = المعلومات X الرياضيات.
المعلومات يتم جمعها من عدة دراسات والرياضيات هي استعمال عمليات إحصائية تبعد الشك عن اليقين. تم جمع المعلومات في هذا المجال مع ٥٢٢ دراسة علمية لأكثر من عشرين عقار مضاد للاكتئاب وكانت النتيجة هي أن العقاقير المضادة للاكتئاب أكثر فعالية من عقار كاذب لا يحتوي على مادة كيمائية. الجدول أدناه يوضح قوة فعالية بعض العقاقير مقارنة بعقار كاذب:
Scientific Name | قوة الفعالية مقارنة بالمُمَوِّه Placebo | الاسم العلمي لعقار علاج الاكتئاب |
amitriptyline | ١١٣٪ | أميتربتلين |
mirtazapine | ٨٩٪ | ميرتازابين |
duloxetine | ٨٥٪ | دلوكستين |
venlafaxine | ٧٨٪ | فينلافاكسين |
paroxetine | ٧٥٪ | باروكستين |
fluoxetine | ٥٢٪ | فلوكستين |
Citalopram | ٥٢٪ | سيتالوبرام |
clomipramine | ٤٩٪ | كلوميبرامين |
ما هو الاستنتاج؟
العقاقير المضادة للاكتئاب عقاقير فعالة لو تم استعمالها بصورة صحيحة.
ولكن هناك أسئلة أخرى وأجوبة أخرى.
مصادر
1- Zhou X, Teng T, Zhang Y et al (2020). Comparative efficacy and acceptability of antidepressants, psychotherapies, and their combination for acute treatment of children and adolescents with depressive disorder: a systematic review and network meta-analysis. Lancet Psychiatry7: 581-601.
2- Cristea I, Gentili C, Pietrinin P, Cuijpers P (2018). Sponsorship bias in the comparative efficacy of psychotherapy and pharmacotherapy for adults’ depression; meta-analysis. British Journal of Psychiatry. Online 02 January 2018.
3- Cipriani A, Toshi F, Salanti G et al (2018). Comparative efficacy and acceptability of 21 antidepressant drugs for acute treatment of adults with major depressive disorder: a Systematic review and network meta-analysis. Lancet 21 February.
واقرأ أيضاً:
اضطراب الحزن المطول / روايات الحب والطب النفساني